الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي ضعف تدينه وقل التزامه، فيكف أتصرف معه؟

السؤال

السلام عليكم.

عندما تزوجت كان زوجي ملتزماً، ولكنه انشغل وفتن، والآن لا يربطه بالالتزام إلا لحيته وبعض مظاهر الالتزام، ترك صلاة الفجر، فلا يؤديها إلا نادراً، وهذا الحال منذ 4 سنوات، وأشياء أخرى، حتى أني وجدت صفحة لموقع مخل على الكمبيوتر من أيام قليلة، وعندما واجهته أنكر، وما زال، لكني بدأت أشك فيه، وحياتي أصبحت غير مستقرة، ولي بنتان منه.

علماً أني لا أرغب في الانفصال لظروف كثيرة، منها أن والديّ مسنان، ولا أريد أن أكون سبب حزنهما في آخر أيامهما، فكيف أتعامل مع هذه الأخلاق التي لا تشعر بمراقبة الله لها؟ هل أتعايش بلا إحساس أم ماذا؟

أفيدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أ أ ع حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبًا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يصلح زوجك، وأن يديم الألفة والمودة بينكما.

نحن نشكر لك -أيتها الأخت- اهتمامك وحرصك على إصلاح زوجك، ونتفهم حزنك لما أصابه من فتور عن تدينه المألوف والمعهود، ولكننا في الوقت ذاته لا نرضى بأن تتعاملي مع حالته بهذا الشعور من الإحباط واليأس، فإن زوجك لا يزال بحسب وصفك يحمل الشيء الكثير من الخير، فما دام محافظًا على الصلاة، وإن كان أصابه بعض الفتور في الالتزام بها في بعض الأحيان، أو أصابه الوقوع في بعض المعاصي، فإن هذا لا يجعلك أبدًا تيأسين من رجوعه إلى ما كان عليه من قبل، فإن مثل هذا الزوج إصلاحه -بإذن الله تعالى- يسير، وقريب إذا شاء الله تعالى ذلك.

وعليك أن تدركي دائمًا أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فلا تيأسي من رحمة الله، ولا تظني بأن هذا الزوج لن يعود إلى سالف عهده، فأحسني ظنك بالله تعالى، وابذلي وسعك في محاولات إصلاحه، مريدة بذلك وجه الله تعالى، وستكلل -بإذن الله تعالى- هذه الجهود بالنجاح، وسيعود زوجك إلى أحسن مما كان عليه.

هذه الوسائل التي نوصيك باتباعها للإصلاح، نلخصها لك فيما يلي:

أولاً: ننصحك بأن تكون غيرتك لله تعالى، وأن يكون غضبك لله فيما يفعله هذا الزوج من ارتكاب المعاصي، فإن هذه الغيرة إذا كانت لله، فإن الله تعالى سيكلل ما وراءها من الجهد بالنجاح، فإنه لا يضيع أجر من أحسن عملاً، فلا تجعلي غضبك لأن زوجك انشغل عنك، أو لأنه بدأ بمطالعة بعض المشاهد المخلة، أو غير ذلك مما قد يصرفه عنك، فإن هذه الغيرة، وإن كانت طبيعية، وأنت معذورة فيها إلا أن الغضب إذا كان لله تعالى، والحزن إذا كان لارتكاب معاصي الله؛ فإنك تؤجرين على هذا الحزن، ويجعل الله تعالى بعد ذلك لجهودك ومحاولاتك سبيلاً، وسببًا إلى قلب هذا الزوج فيُصلح بسببها -بإذن الله-.

الوسيلة الثانية: ننصحك -أيتها الكريمة- بأن تكوني رفيقة بهذا الزوج، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، فحاولي ترقية زوجك إيمانيًا، والعودة به إلى ما كان عليه من قبل، والذكرى تنفع المؤمنين كما أخبر الله في كتابه، فزوجك بحاجة لمن يأخذ بيده في هذه الحال، وكل بني آدم خطاء، وكلنا عُرضة للخطأ، وكُلنا محل للمعصية إلا من عصمه الله تعالى، فيحتاج زوجك إلى تذكير وإلى إعانة، وكلما كانت هذه الإعانة من قلب مُحب مخلص يريد بجهده وجه الله تعالى ويريد بصاحبه الرفق والتيسير، وكلما أحس الزوج أنك تفعلين ذلك حرصًا عليه وحرصًا على مصالحه وتجنيبه لسخط الله تعالى، كلما كبرت في عينه وازدادت مكانتك في قلبه، وجعل الله تعالى ذلك سببًا لصلاحه.

حاولي -أيتها الأخت الكريمة- أن تستثمري بعض المشاريع الإيمانية التي من شأنها أن تعيد قوة الإيمان إلى قلب زوجك، فإن الإيمان إذا كمل وقوي في القلب قيّد سائر البدن بعد ذلك بالحركة المناسبة لهذا الإيمان، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الإيمان قيْد الفتك) فالإيمان هو الذي يقيد الإنسان عن الوقوع في المعاصي، وقد قال في الحديث الآخر: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) إلى آخر الحديث، فكلما قوي الإيمان في القلب كلما صلحت أعمال الجسد، وهذا الإيمان يقوى بأسباب ويضعف بأسباب.

من أسباب تقوية الإيمان: الموعظة والتذكير، فزوجك وإن كان ملتزمًا بحاجة إلى ما يُذكره بأحوال الآخرة، بذكر الجنة والنار وما فيهما من الجزاء الحسن للمحسنين، والجزاء الأليم للمسيئين الظالمين، بحاجة إلى أن يُذكّر بالوقوف بين يدي الله وحين تُعرض عليه صحائف الأعمال وتنشر الصحائف على رؤوس الأشهاد، وأن يذكّر بالقبر وما فيه من شدائد وأهوال، وكل هذه المواعظ منتشرة -ولله الحمد- موجودة على موقعنا المبارك وعلى غيره من المواقع.

وبإمكانك أن تستغلي فترة وجود الزوج، وهدوء باله في البيت فتستمعين معه إلى شيء من هذه المواعظ، أو كنتم في السيارة، أو نحو ذلك، ويستحسن ألا يشعر بأنه مقصود بها مباشرة، بل يكن أسلوب عرضك لهذا أنك بحاجة أن تستمعي لهذه المواعظ، فيا حبذا أن يستمع معك، أو تكلفيه هو وتطلبي منه بأن يقرأ عليك بعض الأحاديث الواردة في الجنة والنار وأحوال القيامة، وتطلبي منه أنك بحاجة إلى أن تتذكري هذه المواعظ، وبحكم أنه رجل متدين وملتزم أعارك من خبرته، وبهذا سيقرأ هو أو سيبحث وسيستمع إلى شيء من هذا، فيصل إليه هذا البلاغ من غير طريق مباشر.

نحن على ثقة بأنك إذا حاولت ذلك، ونصحته بأن يجالس الصالحين، وربطت علاقات أسرية مع الأسر التي فيها رجال طيبون، فإنه سيتأثر، وسينصلح، ولا تفكري أبدًا بالفراق، فإن هذا لا يبرر لك طلب الفراق.

نسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يصلح لك زوجك، وأن يرده إلى الهدى ردًّا جميلاً.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً