الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

النظر إلى المحرمات والبطالة دمرت حياتي، فكيف الخلاص؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب أبلغ من العمر 25 عاما، أقضي معظم حياتي وحيدا في غرفتي، قد أسرفت على نفسي في النظر للمحرمات، وذلك بسبب نفسي الأمارة بالسوء والخلوة التي أردتني، وكذلك البطالة، فأنا أعيش منذ أعوام عاطلا عن العمل، ولم أجد عملا حتى أبسط وظيفة، لم أحصل عليها، وكلما حاولت أن أخطب فتاة لم أتوفق، أحس أني غير موفق في كل ما أتمناه في حياتي.

ظهرت لي أمراض مؤخرا لا أعرف سببها؟

أرى زملائي وقد أصبحوا يتقلدون مناصب في مختلف المجالات فيصيبني إحباط.

السؤال: هل ذنوبي قد تكون السبب في عدم توفقي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ جابر حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -جل جلاله- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يعينك على تغيير واقعك، وأن يجعل لك من لدنه وليًّا ونصيرًا، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك فإن هذه الهموم التي ذكرتها، وتلك المشاكل التي وردت برسالتك في حاجة إلى ثورة أشبه ما تكون بثورة الربيع العربي؛ لأن وضعك الذي أنت فيه لا يبشر بخير، وأعتقد أنه سيكون من سوء إلى سوء، ويكون من ضعف إلى ضعف، وأنك ستزداد مع الأيام سوء -والعياذ بالله- وانحرافًا، وبالتالي إحباطًا وقنوطًا -عافانا الله وإياك من ذلك- والسبب في ذلك أن وضعك الذي أنت فيه لا يسر حبيبًا ولا يُرضي عدوًّا، لماذا؟

لأنه وضع في غاية الدونية، وفي غاية السوء، وفي غاية الصعوبة، وأنت السبب في ذلك كله، لأنك فيما يبدو من رسالتك أنك لم تبذل أي مجهود لإصلاح حالك أو تغيير واقعك، وإنما أنت استمرأت هذه الحياة، وفضلت العيش بهذه الطريقة وإخوانك -كما ذكرت- يتقلدون مناصب في مختلف المجالات، وأنت لا تستطيع أن تملك قوت يومك.

ومن هنا فإني أقول -أخي الكريم الفاضل-: اعلم أن لله قواعد تحكم هذا الكون، من هذه القواعد (قانون التغيير)، هذا القانون الذي أخبرنا الله -تبارك وتعالى- عنه في عبارة رائعة موجزة بقوله: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} فلقد جعل الله مسؤولية تغيير الواقع للأشخاص أنفسهم، فجعل مسؤولية تغيير واقعك لك أنت، فثق وتأكد أن جبريل عليه السلام لن ينزل لمساعدتك في تغيير واقعك، ولا غيره من ملائكة الله تعالى، بل ولا أحد من خلق الله تعالى.

إذا لم تكن أنت حريصًا على مصلحة نفسك، وعلى تغيير واقعك، لم ولن يهتم لأمرك أحد سواك، فأنت الذي أدخلت نفسك في هذه الظروف الصعبة القاسية، وأنت الذي دنست نفسك بتلك المعاصي والذنوب التي وصلت عنان السماء -والله أعلم- وفي نفس الوقت أيضًا بحثك عن عمل بطريقة ضعيفة لأنك لستَ مؤهلاً للقيام بأي عمل، ولعل دورك أيضًا غير جاد أو صادق، مما ترتب عليه أنك لم تستطع أن تقدم شيئًا ولن تقدم بالتالي شيئًا.

إن علاجك يكمن في ضرورة تغيير واقعك، لا بد من الخروج من هذا الواقع، ومحاولة الثورة عليه بأي ثمن كان، لأنك إن لم تفعل ذلك فلم ولن يتغير واقعك أبدًا مطلقًا، لأن واقعك هذا يحتاج إلى ثورة منك أنت، فعليك أن تخرج من هذا الوضع الذي أنت فيه، وأن تبحث عن أسباب ضعفك، وأن تعلم أن الله -سبحانه وتعالى- سيمد يد العون والمساعدة إليك إذا كنت جادًا صادقًا في تغيير واقعك، أما إذا كنت على ما أنت عليه فلا أعتقد أن هناك فرصة للإصلاح، لأن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، فأنت بذلك رجلٌ متواكل ولست متوكلاً، لأن التوكل إنما هو الأخذ بالأسباب مع الاعتماد على الله تبارك وتعالى جل جلاله في تقدير النتائج.

أما الوضع الذي أنت فيه فإنه وضع محزن للغاية، فأنت تريد أن يتغير واقعك دون أن تتغير، وهذا خلاف سنة الله تبارك وتعالى في هذا الكون، فاترك عنك هذه المعاصي كلها، وتب إلى الله تبارك وتعالى منها، وتوقف عنها فورًا، واعلم أن الله -تبارك وتعالى- ما أن تبدأ في الإصلاح والتغيير إلا يبادرك بالتوبة والمغفرة وفتح أبواب الأرزاق أمامك، أما ما دمت مصرًّا على ما أنت عليه وما دمت مستريحًا لما أنت فيه فستظل كذلك، وسوف تموت كذلك ولن تشعر الدنيا بوجودك، بل ويا ليتها تكون خسارة الدنيا، وإنما تكون خسارة الدنيا والآخرة، أعاذنا الله وإياك من ذلك.

فعليك بارك الله فيك بالخروج من هذا الواقع، وأتمنى أن تقرأ كتابا في كيفية تغيير نفسك، وكيفية إعادة الثقة إلى نفسك، وكيفية تخطيطك لحياة جديدة، وأن تخرج من هذا الواقع، وأن تبحث عن عمل، واعلم أن الله -تبارك وتعالى- لم ولن يضيعك ما دمت قد أخذت بالأسباب، واعلم أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، واعلم أن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا.

أسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتوب عليك، واعلم أن أهم شيء إنما هو ترك المعاصي والإقلاع عنها صغيرة كانت أو كبيرة، حتى يرى الله منك الخير فيفتح لك أبواب الخير.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً