الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل دور الأهل دور إرشادي وتوجيهي فقط في قبول الخاطب أم ملزم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة عمري 23 سنة، الحمد لله محافظة على صلواتي، وأسعى دائما لرضى الله وطاعته تعالى.

منذ ما يقارب ثلاث سنوات تورطت في قصة حب مع شاب معي بالكلية، ولكن وعوده بأن يتقدم لخطبتي طالت، ولم يفِ بها، وهو حتى الآن يقول سوف أخطبك -وكذا وكذا- ولكن لم أعد أشعر تجاهه بأي مشاعر، وأنهيت هذه العلاقة.

منذ شهر تقريبا تقدم لخطبتي شاب في مثل عمري، وقد طلب يدي، وبعد قراءة الفاتحة رفض أهلي الموضوع، وذلك لوضعه المادي الغير المطمئن بعد، لكنه شاب يدرس، وطموح، ومعتمد على نفسه، وأخلاقه جميلة، ومحافظ على صلواته، وفي هذه الفترة القصيرة تعلق قلبي به.

وهو الآن ينتظر موعد انتهاء الامتحانات ليتقدم لخطبتي ثانية، والحمد لله أنا وضعي المادي جيد، وأهلي لا يرفضوا المساعدة في تجهيز المنزل أو ما شابه ذلك.

أرجوكم: سؤالي هو أني فتاة أرغب في الزواج، بحثا عن الاستقرار العاطفي والعفاف، وقد ارتاح قلبي لهذا الشاب، وتعرفت عليه، ووجدتُه مناسبًا، إلا ان أهلي افتعلوا لي مشكلات، وهي أنه في مثل عمري، وأنه لم يتخرج بعد، وأن عليه خدمة الجيش، وأنه لم يجمع ثمن المنزل بعد.

باختصار هم أغلقوا أمامي كل الأبواب على مبدأ أنه سوف يتقدم لخطبتي أفضل من هذا الشاب إذا انتظرتُ قليلاً.

أرجوكم أريد ردا مستعجلا، هل أقف بجانب هذا الشاب وأساعده وأبدأ طريقي بالحلال، أم أنتظر؟ فأنا أعيش فترة من الخوف لم أعهد بها من قبل.

جزاكم الله كل الخير، بانتظار ردكم، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سما حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك في موقعك، ونسأل الله تعالى أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على الخير، ونسأل الله تعالى أن يسهل أمر هذا الشاب، وأن يجمع بينك وبينه على الخير.

طالما كان الشاب يصلي ويحافظ على صلاته وجاء إلى البيت من الباب، وطلبك بطريقة رسمية، ووجدت في نفسك ميلاً إليه، فنتمنى أن تنجحي في إقناع أهلك وفي إقناع أسرتك، بأن يسمحوا لك أن تُكملي المشوار مع هذا الشاب، فإن الأمور المادية وهذه المظاهر لا علاقة لها حقيقة بالنجاح. هم قطعًا نيتهم يريدوا لك الخير، لكن الخير فيما وجدت نفسك معه، فإن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.

ووجود هذا التواصل والميل والارتياح لهذا الشاب - صاحب المواصفات العالية في دينه وأخلاقه - هذا مؤشر مهم جداً في نجاح أي علاقة زوجية ينبغي أن نؤسسها، ونتمنى أن تجتهدي في إقناع الأهل وأرجو أن تجدي من العقلاء والفضلاء - من الأعمام والعمات والأخوال - من يستطيع أن يؤثر على أسرتك، من يستطيع أن يعين الأسرة على تفهم هذا الأمر ووضع هذا الشاب الذي طرق الباب.

ولا شك أن هذا الشاب قد يحتاج إلى مساعدة، وقد ييسر الله تعالى وتبارك عليه فيبدأ عمله ويبدأ الوظيفة، لكن المهم هو وجود هذا القبول ووجود هذا الميل.

فنتمنى أولاً أن تبدئي بإقناع أهلك، وتوضيح الصورة لهم، والشاب أيضًا عليه أن يكرر المحاولات، بعد أن يتهيأ، ويكرر المحاولات لأن تكرار المحاولات منه دليل على أنه راغب فيك، وأنه صادق، وأنه حريص على أن يرتبط بك.

ولكننا ننصحك وننصح الشاب بأن توقفوا العلاقات العاطفية حتى يتقدم ويخطبك رسميًا ويعقد عليك العقد الشرعي، لأن الإسلام لا يرضى بأي علاقة ليس لها غطاء شرعي، ليس لها ضوابط شرعية، وهو فعلاً بدأ بدايات فعليه، لكن عليه أن يكرر المحاولات، وأن يأتي بأهله حتى يوفق بموافقة أهلك، وبعد ذلك يمكن نبدأ المرحلة بعد أن تصبح الخطبة رسيمة وتكوني مخطوبة له رسيمة، بعد ذلك يتفرغ لإعداد نفسه وإعداد بيته حتى يكمل معك مشوار الحياة.

وصيتنا لك بعد تقوى الله بأن تديري هذه المسألة بمنتهى الهدوء، واجتهدي في بر والديك، وأمِّني لهم مخاوفهم، وأرجو أن يعلم الجميع أن كون العمر متقارب لا ضير فيه، بل هذا من الإيجابيات، والمهم في الرجل عقله ودينه وأخلاقه، وهذه ليست مشكلة، والزواج لا يعرف هذه الأعمار، التلاقي - كما قلنا – تكون بالأرواح، والأرواح جنود مجندة لا علاقة لها بالأعمار، وطالما وجد القبول والميل المشترك من الطرفين فلا حرج، وطالما طلب يدك هذا الشاب بطريقة رسيمة فلا يصح بعد ذلك أن يقف في طريقكما أحد، وهذا هو الأساس.

نسأل الله تعالى أن يسهل أمرك، وأن يزيل عنك الخوف، وأن يهيأ لك من أمرك رشدًا، ونوصيك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إلى الله، فإن مفاتيح الخير والتوفيق بيده وحده سبحانه وتعالى، واعلمي أن قلوب الوالدين وقلوب الأهل - وقلوب الناس - بين أصابع الرحمن يقلبها، فاجعلي علاقتك بالله وثيقة، وتوجهي الله تعالى بالدعاء، واعملي بهدوء وبأدب في إقناع أهلك وفي طلب مساعدة من لهم وضع في العائلة ويتفهموا هذا الوضع الذي أنت فيه، ولن تعدمي - إن شاء الله تعالى - من يناصر ومن يتفهم هذا الوضع.

ونحن نريد أن نقول دائماً أن دور الأولياء من الناحية الشرعية هو دور إرشادي، ليس لهم أن يمنعوا الزواج، وليس لهم أن يجبروا الفتاة على شاب معين، إلا إذا كان هناك اعتبار شرعي، لكن دورهم في الأصل إرشادي توجيهي، فإذا رغبت الفتاة في شاب صاحب دين - أو رغب فيها - فما ينبغي لأهل الفتاة - أو لأهل الفتى - أن يقفوا في طريق هذه الزيجة، والنبي - عليه الصلاة والسلام - في قصة الفتاة الأنصارية التي قالت: (زوجني أبي من ابن أخيه ليرفع به خسيسته وأنا كارهة) فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - نكاحها، وجعل أمرها إليها، ثم قالت في النهاية: (قد أجزتُ ما صنع أبي، ولكن أردتُ أن يعلم الناس أن ليس للآباء في الأمر شيء).

فدور الأولياء والأهل هو دور توجيه، لكن الفتاة العاقلة والشاب العاقل هو الذي يحدد مصيره ومصلحته، ونحن نتمنى أن يحصل هذا بموافقة الأهل ورضى الأهل وإقناعهم؛ لأن هذا أعون على الخير، ونريد أن نقول لهم:

لابد أن تدركوا أن دوركم هو دور توجيه وإرشاد، ويعتبر دوركم مهم جداً عندما توجد اعتبارات شرعية، مثلاً عندما يكون هنالك خلل في دين الشاب أو أخلاقه، فعند ذلك من حقكم أن تتدخلوا وأن تقفوا وأن تمنعوا، وأما ما عدا ذلك فيجب أن تعينوا على إكمال هذا المشوار بالخير.

ونسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير ثم يرضي به، هو ولي ذلك والقادر عليه، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً