الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توفي طفلي منذ ثمانية أشهر، وما زال الألم يعتصر قلبي.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أولاً: أريد أن أشكركم على مجهودكم الرائع، جعله الله في ميزان حسناتكم.

ثانياً: أنا متزوجة منذ 15 عاما، ولدي 3 أبناء -بفضل الله-، ومنذ حوالي 8 أشهر رزقني الله بطفل، ولكن بعد 10 أيام توفاه الله، وقد ولد سليماً، ولكن أصابته عدوى من المستشفى، وقد كانت أيام مرضه وموته أياماً مؤلمة لا زالت تبعث الألم في نفسي، ويعلم الله أنني صبرت عند الصدمة الأولى، وفي آخر يوم لولدي أصر الطبيب على إخراجي لشرح حقيقة الحالة لوالده، ولكنني كنت صامدة وهو يتحدث، حتى إنني عرفت أنها مسالة ساعات من كلام الطبيب، وزوجي غير مستوعب، ودهش الطبيب أنني أنا المتماسكة، وقد احتسبته عند الله، وانتابني شعور بأن الله يسأل ملائكته عني وعن زوجي، فقلت له: نريد أن يرانا الله صابرين محتسبين، وقد اتفقنا أنا وزوجي على محاولة الإنجاب مرةً أخرى، ولكن لم يحدث إلى الآن، منذ شهرين ونحن نحاول.

أنا حزينة والألم لا زال يسكن قلبي، أبكي أحياناً وأحزن حينما أعرف أنني لم أحمل، فهل ما أنا فيه شيء طبيعي أم أن ردة فعلي مبالغ فيها؟ فالألم يعتصرني، وهل ما أنا فيه يقلل من ثوابي عند الله ويحرمني الجنة، ويكون سبباً في غضب المولى -عز وجل-؟

أرجو التفضل بإجابتي بأسرع وقت، فأنا أعاني، ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة: السائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في موقعك، ونشكر لك هذا الثناء على الموقع، ونريد أن نقول: هذا واجبنا في أن نكون في خدمة إخواننا وأخواتنا وبناتنا وأبنائنا، ونسأل الله أن يعوضكم خيرًا، وأن يكتب الأجر والثواب عنده، هو ولي ذلك والقادر عليه.

والإنسان إذا أنجب مولودًا ثم فقده فإن هذا ابتلاء من الله -تبارك وتعالى-، والذي أعطاكم ثم أخذه ليبتليكم قادرٌ على أن يعطيكم ثانية وثالثة ورابعة وعشراً إذا صبرتم ورضيتم بقضائه وقدره، -والحمد لله- أن صبركم عند الصدمة الأولى، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعوضكم خيرًا، وأرجو أن تأخذ المسألة حجمها، فلله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبروا ولتحتسبوا؛ هكذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابنته زينب لما أرسلت إليه أن ابني قد احْتُضر فاشهدنا، فأرسل يُقرئ السلام، ثم أرسلت إليه تُقسم عليه ليأتينَّها، فجاء ومعه رجال، فرُفع إليه الصبي ونفسه تقعقع -يعني يضطرب- فدمعت عيناه -صلى الله عليه وسلم- فقال سعد: وأنت يا رسول الله؟ قال: (هذه رحمة جعلها الله في قلوب من شاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) وحُق للعين أن تدمع، وحُق للقلب أن يحزن، لكن لا نقول إلا ما يُرضي ربنا، كما علمنا رسول الله -عليه صلوات الله وسلامه-.

واعلموا أن الجزع لا يرد غائبًا، ولا يرد ميتًا، ولكنه يُفقد الإنسان الثواب، فالله لا يعذب بدمع العين، ولا يعذب بحزن القلب، ولكن الممنوع هو الاعتراض على قضاء الله وقدره، وسيعوضكم الله تبارك وتعالى خيرًا، فنوصيكم بكثرة الاستغفار، ثم بتكرار المحاولات، وبكثرة اللجوء والتوجه إلى رب الأرض والسماوات، وليس هناك داع لهذا الانزعاج، فهذا أمرٌ طبيعي أن يموت طفل، وأن تفقد المرأة طفلاً من أطفالها، وكل شيء بقضاء وقدر، وهذا الكون ملك لله تبارك وتعالى، ولن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله.

وأنت في الحقيقة طبيعية، ولكن لا ينبغي أن تستعجلوا، فإن الذي جاء لكم بالأولاد السابقين وبالمولود الأخير هو الوهاب، وهو موجود سبحانه، وهو الذي سيعوضكم خيرًا بفضله ومنّه، هو ولي ذلك والقادر عليه.

ولا يخفى عليكم أن المؤمن والمؤمنة عليهم أن يفعلوا الأسباب ثم يتوكلوا على الكريم الوهاب -سبحانه وتعالى-، والمؤمن يفعل الأسباب ويتوكل على الله ثم يرضى بالنتائج الحاصلة؛ لأنه يرضى ويؤمن بقضاء الله وقدره.

فالأمر أكثر من طبيعي، وعليكم ألا تستعجلوا، وعلى زوجك أيضًا أن يُعلن رضاه عن الله وبالله تبارك وتعالى، وأن يخرج من دائرة الجزع؛ لأنها لا تقدم لكنها تؤخر، وقد تحرمه من الأجر والثواب، أما أنت فقد صبرت في البداية، فندعوك إلى المزيد من الصبر الآن، ومزيد من الاحتساب عند الله تبارك وتعالى، وإذا ذكرك الشيطان بالمولود المفقود فاشكري ربك الموجود -سبحانه وتعالى-، وتوجهي إليه سبحانه وتعالى، ولا تقفي طويلاً عند تلك المواقف الحزينة، والموت لا يحتاج إلى سبب، فلا تقولي لو حصل كذا صار كذا، كما علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- فالمؤمن لا يقول (لو كان كذا لكان كذا) ولكن يقول (قدر الله وما شاء فعل) فإن لو تفتح عمل الشيطان، والمؤمن يحمد ربه على كل حال في السراء والضراء، ففي الحديث: (ماذا قال عبدي؟ قالوا: حمدك واسترجع؟ قال: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد).

والله -تبارك وتعالى- لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، وهذا ابتلاء ورفعة لدرجاتكم عنده، وهذا الفرط -إن شاء الله تعالى- ستجدونه على أبواب الجنة ينتظركم، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك لكم في بقية الأولاد، وأن يرزقنا وإياكم من فضله، وأن يلهمكم السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه، والمؤمن عند هذه المصائب ينبغي أن يتذكر أولاً مصابنا في النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم علينا أن نتذكر الذين حُرموا من الزواج أصلاً، والذين تزوجوا حُرموا الأولاد أيضًا، فعلينا أن نشكر ما عندنا من نعم، وبالشكر ينال الإنسان المزيد، فإن الله هو القائل: {وإذْ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم}.

ونوصيكم بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، ثم بشكر النعم التي أنتم فيها، ثم بالصبر على هذا الابتلاء، فإن الله قال: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات} لكن {وبشر الصابرين} مَنْ؟ {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} ما لهم؟ {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} ثم نوصيكم بالتعاون على البر والتقوى، ثم بكثرة الاستغفار والصلاة والسلام على رسولنا المختار، ونسأل الله أن يقدر لكم الخير، وأن يعوضكم خيرًا، وأكرر شكري ثانية على هذا التواصل، ونتمنى أن نسمع عنكم الخير، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً