الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من نقص في وزن جسمي، فهل يجب علي الصوم؟

السؤال

السلام عليكم

أرجوكم أن تريحوا بالي، فأنا أرغب بصيام رمضان كبقية إخوتي الصغار، إلا أن حالتي النفسية، والوسواس، ووزني الذي لا يتجاوز 36 كيلو جراما هو عدوي الأول، علماً بأن طولي 152 سم، ولقد حاولت مراراً زيادة وزني، إلا أنه لا يزيد إلا كيلو جراماً واحداً، فعندما أمر بحالة نفسية يسقط هذا الكيلو المكتسب، واليوم أنا صائمة، ومتحملة، رغم شعوري بأن الدنيا تدور من حولي، ولقد عملت تحليلا للدم، وكانت النتيجة هي أن دمي 10 فقط، دون وجود سبب آخر، والكل يرجح أن السبب هو الوسواس الذي أعاني منه، وحالتي النفسية.

أنا أقرأ القرآن، وأصلي، وأحاول إلهاء نفسي، ولكن دون جدوى، فالوسواس يرافقني في كل صغيرة وكبيرة، وحتى النوم لم أعد أهنأ به، فالأرق يلازمني، وأحاول الآن معالجة نفسي بالرقية الشرعية، وأرتاح عليها.

وسؤالي هو: هل يجب علي الصوم بوزني هذا؟ ففي العام الماضي حاولت الصوم، إلا أنه أغمي علي، ونهرتني أمي عن الصوم، وأنا أشعر بالذنب بسبب عدم صيامي، علماً بأن هذا الأمر ملازم لي منذ الصغر.

أجيبوني هل يجب علي الصوم؟ فكل ليلة من رمضان أبكي على عدم تمكني من الصوم كباقي إخوتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

سوف أجيبك من الناحية النفسية، ثم سيتفضل أحد المشايخ ليجيبك أيضًا من الناحية الشرعية.

من الناحية النفسية: الذي أؤكده لك، أن الذي يجب عليك الآن العلاج، والعلاج ممكن جدًّا، وهذه نقطة جوهرية يجب أن تركزي عليها، الوسواس القهري، وما يتبعه من اكتئاب نفسي، وتوترات، وعدم ارتياح، وافتقادٍ لمتعة الحياة، كل هذا يمكن أن يعالج، ومن وجهة نظري المتواضعة، أن الإنسان يجب ألا يضيع على نفسه مثل هذه الفرص، بل قد تصل إلى درجة الوجوب، لأن الله تعالى ما خلق داءً إلا جعل له دواء، فتداووا عباد الله.

فيجب أن تتعالجي، وذهابك إلى الطبيب النفسي – أي يوم – سوف يكون أمرًا ضروريًا وحتميًا لا يحتمل التأجيل ولا يحتمل التأخير، وإن كنتِ على قناعة تامة بأن حالتك هي هذه الوساوس - كما ذكرتِ -، وإن لم تستطيعي أن تذهبي إلى الطبيب، فاذهبي إلى الصيدلية، واطلبي أحد الأدوية المضادة للوساوس، وسوف تساعدك كثيرًا.

فعقار مثل (زيروكسات)، والذي يعرف علميًا باسم (باروكستين)، سيكون مفيدًا جدًّا لك، وابدئي بجرعة نصف حبة، تتناوليها يوميًا بعد الأكل لمدة أربعة ليالٍ، ثم اجعليها حبة كاملة، استمري عليها لمدة عشرة أيام، ثم اجعليها حبتين – أي أربعين مليجرام – وهذه جرعة كبيرة نسبيًا، ولكنها جرعة سليمة، وهي الجرعة التي سوف تعالج هذا النوع من الوساوس، ويجب أن تستمري عليها على الأقل لمدة أربعة أشهر، ثم تخفض بعد ذلك إلى حبة واحدة لمدة ستة أشهر، ثم إلى نصف حبة يوميًا لمدة شهرين، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.

وهنالك أدوية أخرى كثيرة، مثل: الزولفت، والسبرالكس، والفافرين، كلها مفيدة.

حقيقة أنا تألمت جدًّا: فما الذي جعلك تنتظرين، والعلاج متوفر، وممكن، والعلاج نعمة من نعم الله، وأنت تعيشين في دولة - بفضل الله تعالى - فيها كل الإمكانات النفسية متوفرة، فيجب عليك أن تتخذي القرار السليم الآن.

وأنا أريدك حقيقة أن تعيشي حياة صحية، وأن يتحسن وزنك، وأن يتحسن مزاجك، وأن تنشرحي، وتعيشي حياتك بكل جمالها وبكل خيرها، وأن تصومي، وتفطري، وتؤدي صلاتك، وتعيشي في متعة تامة.

أرجو ألا تتأخري مطلقًا في طرق باب العلاج، ولا تجدي لنفسك المبررات التي تدفعك بعيدًا عن العلاج، فأنا أعرف كثيرًا ما يفرضه الوسواس على صاحبه، ويجعله لا يبادر في ذهابه للعلاج، بل يوسوس حول العلاج وفعاليته وفائدته، وتجده يركز أكثر على أضراره.

فإذا من الممكن أن تتعالجي، وبصورة ممتازة جدًّا، وأنا أحتم عليك أن تذهبي للعلاج، وأريد أن أسمع منك مرة أخرى بعد أن تذهبي وتقابلي الطبيب، أو تبدئي في تناول الدواء على الأقل، لأن حالتك بالفعل تستحق الاهتمام.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.
++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية ++++++++++++++++++++++++++++++

فإذا كان الصوم يضر بك، أو يشق عليك مشقة عظيمة، أو يخشى منه حصول ضرر، ففي هذه الأحوال كلها أنت ممن عذرهم الله تعالى، وشرع لهم الإفطار، فقد قال سبحانه: {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر}، فلقد رخص الله تعالى للمريض في الفطر، وهذا من رحمته تعالى، وتسهيله لعباده.

فهوني على نفسك - ابنتنا العزيزة - واعلمي أن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، وإذا كان المرض الذي بك يرجى له الشفاء - وهذا هو الظاهر -، فإن عليك أن تنتظري إلى أن يشفيك الله تعالى، ثم بعد ذلك تقضين ما عليك من الصوم.

وأما المريض مرضاً دائماً لا يرجى له الشفاء، فإن الله تعالى قد أوجب عليه الفدية بدلاً عن الصوم، فيطعم عن كل يوم مسكيناً، أي يعطي المسكين كيلو إلا ربعاً من الرز عن كل يوم.

وبهذا تعلمين - أبنتنا الكريمة - أن دين الله تعالى دين يسر، فلا تحملي نفسك هماً وقلقاً، وقد جعل الله لك من الأمر سعة ويسراً.

والله أعلم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً