الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد الزواج بمن تعرفت عليها لكن أمي ترفض!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قصتي قبل رمضــان.

أرجــوكم ساعدوني، أريد منكم النصح والتوجيه، أنا في حالة لا يعلمها إلا الله.

أنا شاب عمري واحد وعشرون عامًا، تعرفت على فتاة قبل ستة أشهر، وبالأصح هي من تعرفت علي، طبعا عن طريق محادثة البلاك بيري، ويعلم الله أنها أول فتاة أتعرف عليها، قبلت الوضع في البداية لأني استصعبت أن أردها، وقلت هي مجرد أحاديث عامة، وهي في بداية الأمر عندما أضافتني في القائمة عندها لم تعلم أني شاب أم فتاة، فقبلت لكي تعرف من خلف النك -اسم العرض- وعندما توضح لها الأمر بأني شاب كانت تحاول قدر الإمكان أن تحرص على آداب الحوار والحديث معي.

لكن بعد كل ذلك أنقلب الحال من الصداقة إلى اهتمام كل واحد بالآخر، حتى تعلقت بها وأعجبت بأخلاقها وبطريقة حوارها معي، وهي كذلك بـادلتني نفس الشعور، حتى أصبحت لا تخفي شيئا من حياتها عني، فكنت لها محل ثقة وأمانة.

وأيضا أنا كذلك دوما أفتح لها قلبي، وأطلعها على أمور كثيرة تضيق بي، وأشكو لها همومي وأحزاني؛ التي لم أخبر بها أحدا من أفراد عائلتي منذ وقت طويل؛ لأني تعودت لزوم الصمت، كانت دائما سباقة كي تستمع لي، فوالله ما عرفت منها إلا كل خير، فكانت لي القلب الحنون، وطيبتها لا حدود لها، ولا أزكيها على الله.

وعندما أظهر كلٌ منا إعجابه للآخر فكرنا بأمر الزواج؛ لأننا حقا تعلقنا ببعض، فكنت مترددا كثيــرا في أن أخبر أمي بقصتي، وأني أحببت فتاة وأريد الزواج منها؛ لأني متأكد أنها سوف تسيء الظن بها، وأنها ليست على خلق، وأنها فتاة غير مؤدبة، ولأني حقا عرفتها عن قرب فهي عكس كل ما تفكر فيه أمي، لكن لم أتحمل الصمت فأخبرتها بقصتي؛ فكانت لها الصدمة الشديدة.

لم تقبل الموضوع من أساسه، حتى إنها منعتني النقاش في الموضوع، علما أن بنت خالي محجوزة لي منذ ثلاث سنين، وزواجنا السنة القادمة، لم يُؤكد بعدُ موعد الزواج، فكان من المفترض أن نقيم الزواج بعد سنتين، أي بعد تخرجنا من الجامعة، لكن أرادت أمي استعجال أمر زواجي كي تخلص تفكيري من الفتاة التي تعرفت عليها، علما أن أبي لا يعلم عن الموضوع شيئا، فهي بقدر الإمكان تريد كتم موضوعي، وقالت لي حتى وإن لم ترد ابنة خالك سوف أخبر إحدى قريباتي كي تخطب ولدها لبنت أخوها بدون علم خالي بطريقة تدبيرها؛ لأنها تشعر بإحراج شديد من خالي.

قالت أنا من يختار لك شريكة حياتك، والبنت التي أرتاح لها، لا أدري إن كان هذا مجرد ضغط علي أم ماذا؟ وقالت لن أوافق على هذه الفتاة أبدا.!!

أنا في البداية أخطأت عندما لم أخبر الفتاة التي تعلقت بي بأني مرتبط، فبعد ما أخبرتها، بأن والدتي لا ترغب بالزواج بهذه الطريقة، وأن بنت خالي محجوزة لي تقبلت هذا الأمر قبولا حسنا، وقالت لي كلمة حقا هزّت بها قلبي ومشاعري، أنا لا أريد أن أسبب لك مشاكل في حياتك، وأكون سببا في قطع رزق بنت خالك.

ابنة خالي لا تعلم شيئا عني، ولا أنها محجوزة لي، إلى الآن الأمور بالكتمان، وقد رفضت شخصين تقدموا لها، واحدا تلو الآخر، قالت ربما أكون من نصيبك، قالت لي أختها ذلك، وأختها هذه أصغر منها سنا، وهي أيضا موجودة في القائمة عندي، وهي قبل أختها مضافة عندي، لكني لا أحادثها أبدا، وهي أيضا لا تحادثني إلا في أمور أحيانا تكون وسيطة بيني وبين أختها الكبرى، أي تخبرني بما تشعر، وبما يؤلمها دون علم أختها.

الآن أنا قطعت الحديث معها، وقد بعت جهازي البلاك بيري بضغط من أمي، ولكن أنا طلبت منها -قبل أن أخبرها أننا سوف نقطع العلاقة والحديث- إيميلها كي تصلني أخبار عنها فيما بعد، فقد طلبت ذلك منها وأجبرتها بأن توعدني بهذا الشيء، وقبلت وهي ليست راضية، وتريدني أن أنساها كي أعيش حياتي كما تريدها هي، وكانت تقول لي أنا لا أريد إلا أن تكون بخير.

فــأرجــوك يا شيخ: أنا متعلق بها كثيــرا، حتى إذا حاولت نسيانها لا أستطيع، لدرجة أني أدعو ربي دائما في صلواتي أن يكتبها من نصيبي، فهل يجوز أن أدعوَ بأن يجعلها الله زوجتي؟ وهل تصرفي صحيح؟ أم ماذا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبادي .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد ،،،

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه..

نرحب بك ابننا الكريم في موقعك، ونسأل الله أن يعينك على الخير، ونتمنى أن تدعو الله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، فإن ما يختاره الله لعبده خير مما يختاره العبد لنفسه، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على الخير.

ويبدو أنك -ابننا الكريم- عرفت الدرس، وأخذت موعظة من هذا الدرس، ونحن دائمًا ننصح الشباب في بداية مثل هذه العلاقات أن يضعوا الوالد والوالدة -على الأقل الوالدة- في بداية الطريق، ويحاولوا أن يستشفوا مدى رضاها، ومدى قبولها لهذه العلاقات، وغير ذلك إذا كان بالإمكان ربط الفتاة بالأسرة، بأن تزور الأسرة، وتتعرف على أخواتك، لأن هذا يقرب الصورة، والناس دائمًا أعداء ما جهلوا، فكيف إذا كان هذا المجهول عرفناه عن طريق النت، وكيف إذا كان هذا المجهول جاءهم فجأة وصُدموا به بهذه الطريقة التي عرضت بها الأمر، فالطريقة التي تم بها العرض أيضًا كانت لا تخلو من الخطأ، ولا تخلو من عنصر المفاجأة، وهذا حرك في الوالدة وسائل الدفاع والتخطيط والإصرار والعناد.

وكم تمنينا لو أنك كتبت إلينا قبل أن تُخبر الوالدة، حتى نبين لك الخطوات الصحيحة والتي تبدأ بقطع العلاقة حتى تُوضع في إطارها الصحيح، فإن الإسلام لا يؤيد هذه العلاقات التي تبدأ بهذه الطريقة، فإذا وجد الإنسان في نفسه ميلا لفتاة فإن عليه -في أول الخطوات- أن يطرق باب أهلها، وأن يأتي البيوت من أبوابها، وعند ذلك ينبغي أن يُطالبوه أن يأتي بأهله حتى يشعروا ويتأكدوا أن الأمور تسير في الطريق الصحيح، وأن أسرته لا تمانع من ارتباطه بفتاتهم، لأن الزواج في الحقيقة ليس بين رجل وامرأة، وإنما هو بين أسرة وأسرة، بل بين قبيلة وقبيلة، وقد يكون بين مدينة ومدينة، فالزواج علاقة وثيقة جدًّا، وعلاقة كبيرة جدًّا ليس كما يتصور الناس، لذلك ينبغي أن تضع هذه الأمور في الاعتبار.

ونحن نشكر الفتاة أيضًا تفهمها لهذا الوضع، ونتمنى أيضًا أن تجتهد في نسيان الموضوع، وإذا كان هناك مستقبل بعد أن تنجح تمامًا في إقناع الوالدة -بشتى الوسائل- بعد ذلك تبحث عنها إن أردتَ، أما بغير ذلك فنحن نحسب أنك الآن وجدتَ فرصة مواتية، والفتاة أيضًا كانت عاقلة، وكانت منصفة يوم تركت لك هذه المسألة، وأصرت على أن ترتاح أنت وترتاح الوالدة، وهي مُحقة في هذا، فلا يمكن لفتاة أن تدخل على أسرة دون أن يقبلوا بها، ودون أن يرتضوها زوجة لابنهم، ودون أن يتفهموا على هذه الأمور، لذلك هي أحسنتْ صُنعًا عندما حاولت أن تخرج من حياتك، وندعوك إلى أن تخرج من حياتها.

نحن لا نؤيد فكرة التواصل، لأن التواصل ما ينبغي أن يكون إلا بشروط: أن يكون تواصلا معلنًا، أن تكون العلاقة معلنة، أن تكون رابطة شرعية، أن يكون هدف هذه العلاقة هو الزواج، هدف الزواج قد يختفي أو قد لا يحصل زواج، وبالتالي لا يجوز أن تستمر مثل هذه العلاقة، لأنها تجلب لك ولها الأتعاب، وتكون خصمًا على سعادتكم في المستقبل، لأن أي علاقة يؤسسها الإنسان دون أن يراعي فيها ضوابط الشرع الحنيف، وأي تواصل عاطفي خارج الأُطر الشرعية ينقلب إلى وبال على أصحابه وعلى من قاموا به، ولذلك أرجو أن تستفيد من هذه الفرصة، وتُقبل على الوالدة، وبعد ذلك لا ترضى إلا الفتاة التي تجد معها نفسك.

أيضًا المجاملة في أمر الزواج لا يصلح ولا يصح، فإذا كانت بنت الخال مناسبة في دينها وأخلاقها، ووجدت في نفسك ميلا إليها فلا مانع من أن تُكمل المشوار، وإذا كانت الأخرى فعليك أن تُحسن الاعتذار، لأن بنت الخالة -أو الخال- من عرضك، وهي أخت لك، وهي من الأهمية بمكان، ولكن في النهاية أمر الزواج أمر رضى وقبول، وانسجام وتلاقي للأرواح، فالأمر كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف).

فالآن ينبغي أن تستفيد من الدرس -كما قلنا- وتدير الأمور بمنتهى الهدوء، وتجتهد في أن تبحث عن الفتاة الصالحة، وتُشرك الوالدة في مسألة الاختيار، وكذلك الوالد لا بد أن يكون على علم، واجعل هدفك هو الدين، ولا تقبل إلا بمن ترتاح لها وترتاح لك، لأن هذه هي الأسس والضمانات الأساسية لأي نجاح في مثل هذه العلاقات، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، وأرجو أن تتوب من تلك العلاقة التي حصلت في الفترة الماضية، مع أنها ولله الحمد كانت نظيفة إلى درجة كبيرة، إلا أننا لا نجد في الشرع ما يُبيح لشاب أن يتواصل مع فتاة، وأن يتوسع معها في الكلام دون أن يكون هناك رابطة من المحرمية أو الزوجية، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقك لما يحبه ويرضاه.

ونحن سعداء جدًّا بهذا التواصل مع الموقع، ونتمنى أن يكون التواصل دائمًا مبكرًا في مثل هذه الأمور، حتى نتعاون في وضع خط السير الذي يوصلك -إن شاء الله- إلى بر الأمان، ويحقق لك السعادة في الدنيا والآخرة.

نكرر شكرنا، وسنكون سعداء بمتابعتنا لأخبارك، ونسأل الله أن يوفقك لما يُحبُّ ويرضى، وأن يرزقك رضى الوالدين بعد رضى الله تبارك وتعالى.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أمريكا محمد

    ربي يقدركم على فعل الخير وبارك الله فيكم .محمد من المسيلة .بن سرور.

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً