الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل فات الأوان على تدارك حالتي، وعلاج نفسي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قد يطول حديثي، ولكني حاولت الاختصار قدر المستطاع؛ فأنا الآن في أواخر العشرين، أنا إنسانة متميزة بفكري الراقي، وإبداعاتي الجميلة، وخيالي الواسع، ولكن فقط في عقلي، أو على الورق، أو بالكلام، أي دون تطبيق لأي شيء من هذه الأفكار على أرض الواقع، حتى الآن لم أبدع سوى في الكلام والتخطيط، دون عمل أو تطبيق، أعاني من هذه المشكلة منذ سنوات، بدأت بتأجيل كل شيء، وأكره العمل على أي شيء، وإذا أردت البدء بتطبيق فكرة ما أتوقف عنها بسرعة، قائلة في نفسي " مزاجي اليوم ليس جيدا، ولا يسمح لي بالعمل، سأبدأ من الغد إن شاء الله.

وليست هذه المشكلة فحسب، بل هي بداية ما أريد قوله، فأنا " وعذراً" لم أعد أستحم منذ زمن، وقد تمضي أيام، وربما لأسبوعين أو ثلاث، ولا يلمس الماء جلدي، " حتى الوضوء"، لم أعد أهتم بنظافتي الشخصية ولا بصحتي، وعندي من المراهم والكريمات ومستحضرات التجميل ما يمكن تأمينه لصيدلية، لكني لا أستعملها، فقدت حماسي واهتمامي بنفسي بشكل كامل تقريبا.

لم أعد أكترث لنظافة المنزل، خصوصاً تنظيف المطبخ، فقد تبقى الأواني متسخة لأيام دون تنظيف، و لهذا السبب يوبخني أهلي، فأبكي قليلاً، ثم أنظر إلى المكان حولي وكأني عاجزة عن العمل تماماً، فأتركه وأخرج لغرفة أخرى.

بـِتُّ أنام على سريري مع أوراقي، وثيابي، وألعابي، وأدوات الكمبيوتر، وقد أنام على الحافة لأن أغراضي احتلت الجزء الأكبر من السرير، أو قد أنام بجانب أختي على سريرها، أو أحتل سرير أخي لعدم توفر مكان للنوم على سريري.

كنت أحب الاستيقاظ باكرا، وممارسة الرياضة، والقراءة، أو بدء العمل على فكرة معينة خزنتها مسبقا في ذهني، لكني ما عدت أستيقظ سوى متأخرة لأنام قليلا مرة أخرى، وأستيقظ بعدها وأنا مترنحة من كثرة النوم، ما عدت أمارس الرياضة، وزاد وزني، وما عاد شكلي جميلا كما كان.

أقضي معظم الوقت أمام التلفاز، حتى لو لم أشاهد شيئا، فأنا لا أهتم سوى للجلوس لساعات طويلة، وأرى نفسي دائما متعبة، فأي شيء أفعله حتى وإن كان بسيطاً جداً أنهيه رغما عني، وبصعوبة كبيرة، قائلة: تعبت.

أمي حزينة على حالي، علما بأنها مريضة، وأنا التي تقوم بتنفيذ كل احتياجاتها تقريبا، " فهي مقعدة"، تحزن على عدم صلاتي الآن، أنا لا أغضب من مساعدتها، ولا أتذمر منها، وإنما أشعر كثيرا بالتعب كما ذكرت سابقا، قد لا أفعل شيئا طوال اليوم سوى خدمتها، دون الالتفات لحالي، أو المنزل، مع العلم أنها قد لا تحتاج لي طوال اليوم سوى لأشياء قليلة، وبسيطة جدا، ولكني قد أتخذها حجة، وسببا لعدم القيام بأي عمل آخر.

فقدت ثقتي بنفسي إلى حد كبير، وصرت أقول دائما أنني بشعة، ولا أحد ينظر إلي، وأنني فاشلة في كل شيء، بسبب تأجيلي وعدم محاولتي، للقيام بأي عمل يغير مجرى حياتي، حتى أنني أظن أحيانا بأني لو مشيت أمام الناس فسيشعرون بالقرف مني، ويكرهونني بسبب ما أنا عليه، أو يشفقون على حالي، وأكره الشفقة كثيرا.

لم أعد أخرج من المنزل، ولم أعد أحب الخروج، حتى وإن خرجت لا أرتدي ثيابا مرتبة، ولا أهتم لمظهري كيف سيكون، كما أن هناك اسوداد كبير تحت عيناي، وللأسف لا أعلم كيف ينظر الناس لي بهذا الشكل والمظهر، حتى إن اتصلت إحدى صديقاتي تدعوني للخروج، أقوم بتأجيل الموعد، وإعطاء الحجج، وبالنسبة لي فأنا لا أدعو أحدا، ولا أتصل بأحد، ولا أراسل أحدا.

تركت عملي منذ أشهر، وما عدت أتواصل مع أحد، وأبي حين يجد عملا لي يطالبني بالموافقة رغما عني، وحتى وإن لم أكن أريد هذه الوظيفة بعينها، ويخبرني أن السبب في ذلك هو عدم إيجادي لوظيفة حتى الآن، لا أستطيع العمل في هذا الضغط النفسي، فأنا لم أتحدث عن أبي أبدا، لأنني لست على وفاق معه أبدا، فقد كان قاسيا علي وعلى إخوتي منذ الطفولة، وحتى الآن نجد قسوته، ويعطي رأيه بمواضيع كثيرة، وكأنه يأمرني ولا يعطيني مجرد رأي.

لا أعلم إن كنت قد نسيت شيئا، ولكن هذه مشكلتي بشكل عام حياتي، أنا حزينة لأني أرى حياتي تنهار هكذا يوما بعد يوم، فكرت في تناول أدوية للاكتئاب، ولكن تملكني خوف " التعاطي"، فأنا لا أريد الدواء أن يلازم حياتي كلها، ولا بأس في فترة علاجية معينة دون التأثير على حياتي.

ترى هل فات الأوان علي وأنا في عمري هذا، وحالتي هذه؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رفيف حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فقد طرحت مشكلتك بصورة واضحة وجلية، ولكن نسبة لبعض التعقيدات الموجودة فيها، أعتقد أن الصورة لم تكتمل مهما سردتِ وسردت من معلومات، فحالتك بصفة عامة أعتقد أن أفضل وسيلة لحلها هي التواصل المباشر مع طبيب نفسي، والإمارات - الحمد لله - فيها مختصين من الطراز الأول.

الذي دفعني لهذا النصح هو أنني يصعب عليَّ تحديد تشخيص معين مهما حاولت أن أطبق المعايير المعروفة في الطب النفسي، فلم أجد حقيقة تشخيصًا معينًا، وإن كانت حالتك أقرب إلى الاكتئاب النفسي، فالاكتئاب النفسي كثيرًا ما يؤدي إلى أن يعيش الإنسان في عالم افتراضي، تضمحل مقدراته، ويضعف إنجازه وأدائه، ويحس أنه يصعب عليه أن يتلمس طريقه في حياته بصورة صحيحة، هذا نشاهده خاصة في الأعمار ما بين العشرين إلى الخامسة والثلاثين، ويكون هناك أيضًا اضطراب في النوم، وافتقاد للدافعية، وإهمال للصحة والنظافة الذاتية، هذا نشاهده في مثل هذه الحالات.

فأنا أؤكد لك بأن الحلول موجودة، وموجودة جدًّا، وحالتك من خلال الحوار النفسي، والمزيد من الاستقصاء، ووضع التشخيص الصحيح، ومن ثم توضع الآليات العلاجية، أعتقد أن هذا هو الطريق الذي يجب أن تسيري عليه.

أما موضوع العلاج الدوائي: أرجو أن تتبعي كل الإرشاد والتعليمات التي سوف يقولها لك الطبيب، ولا تتخذي موقفًا سلبيًا من الأدوية أبدًا، وأعتقد أن استفساراتك كلها سوف يُجاب عليها من خلال المقابلة الشخصية.

فإذن خلاصة الأمر: أن احتمالية الاكتئاب موجودة، وهناك تشخيصين أو ثلاثة نعتبرها أيضًا تشخيصات فارقة، ولكنها أيضًا تحتاج حقيقة لمزيد من التقصي والفحص المباشر، وما دمت أنك في مكان - بفضل الله تعالى - فيه إمكانيات متميزة، فلا تحرمي نفسك من نعمة العلاج.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً