الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وسائل الثبات بعد الإقلاع عن العادة السرية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه لخدمة المسلمين، أنا طالب جامعي أبلغ من العمر 22 سنة، وقعت في مستنقع العادة السرية لمدة ثلاث سنوات، على الرغم من أني أحفظ القرآن كاملا منذ العاشرة بفضل الله، فأنا أعيش في أسرة متوسطة التدين، ولظروف معينة لا يعيش إخوتي معي منذ صغري، وساعدتني فترة الصغر التي أمضيتها حتى العاشرة في الكُتّاب وحفظي للقرآن على تنشئتي تنشئة دينية إلى حد ما، وقد تعودت بسبب البيئة الاجتماعية التي نشأت فيها على عدم الاختلاط بالناس، فأنا ليس لي أصدقاء، ولا أتواصل كثيرا مع زملائي في الدراسة، ووالداي تجاوزا الستين من العمر، كل ذلك ساهم في وجود فراغ كبير في حياتي، ومنذ بلوغي الصف الثالث الإعدادي وأنا أعاني من شرود ذهني وتخيلات جنسية ليلا ونهارا، كانت تؤرقني كثيرا في بدايات النوم، وكنت أحتلم كثيرا بسببها، لكني كنت أغض بصري عن الحرام، وامتنعت منذ البلوغ عن مشاهدة الأفلام والمسلسلات معهم في البيت، ولكني لم أستطع أن أوقف سيل التخيلات الجنسية التي كانت تراود ذهني كل مساء، وظللت على ذلك فترة الثانوية، ثم فترة الجامعة التي عظم فيها الأمر، خصوصا بعدما دخل النت البيت، ووقعت في النظر الحرام، وغرقت في مستنقع العادة السرية، وتحولت حياتي لجحيم، لم يعرف بحالي أحد إلا الله، وتعثرت في إحدى السنوات الدراسية في الجامعة بسبب هذا الأمر، تبت كثيرا من هذه العادة وعزمت كثيرا على عدم العودة، ولكن كنت أعود مرة أخرى، ودعوت على نفسي في إحدى المرات وقلت: (يا رب لو فعلتها مرة أخرى فلا تدخلني الجنة وأدخلني النار) وللأسف وقعت، وأنا خائف من هذه الدعوة جدا.

ضيعت الكثير من الفرائض بسببها، ولا أدري كيف أقضيها، وكذلك ضاع صيامي كثيرا في رمضان بسببها، وبعد معاناة أقلعت تماما عن هذه العادة منذ فترة بفضل الله، فما الوسائل التي تعينني على الثبات وعدم العودة إلى هذه العادة؟ وكيف أقضي ما فاتني من صلاة وصيام؟ وكذلك ما مصير تلك الدعوة التي دعوت بها على نفسي؟ وهل كوني حافظاً للقرآن يكون الذنب أكبر؟ وما هي الفيتامينات التي تنصحون بها لإزالة آثار تلك العادة التي أثرت على صحتي؟ أعتذر للإطالة وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا – ولدي الكريم المبارك - أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يعينك على الثبات على هذه النعمة التي أكرمك بها، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك - ابني الكريم الفاضل – بعد هذه الرحلة الطويلة من المعصية المدمّرة، ها هو الملِك سبحانه وتعالى يتفضل عليك وأقلعت تمامًا عن هذه العادة السرية - القاتلة والمدمّرة والمحرمة-، وإني لسعيد جدًّا حقيقة بهذا الإنجاز الرائع الذي أكرمك الله تبارك وتعالى به؛ لأن هذا إن دل على شيء فإنما يدل على بركة القرآن العظيم الذي أكرمك الله تبارك وتعالى به، فإن الله جل جلاله صانك كرامة للقرآن، وحفظك، ولذلك أعانك على ترك هذه المعصية في مثل هذه السن، رغم أنه لم يتغير في حياتك شيء، ولم تتزوج حتى نقول أنك تركت ذلك من أجل وجود المتعة الحلال، ولكنك الآن إنسان رائع بمعنى الكلمة؛ لأنك تركتَ ذلك ابتغاء مرضاة الله ومن أجل الله وحياء من الله، فهنيئًا لك – يا ولدي – هذا العمل العظيم، وأسأل الله أن يثبتك عليه، وأن يحفظك من الانتكاسات والتردي مرة أخرى.

وأما عن الوسائل التي تعينك على الثبات وعدم العودة إلى هذه العادة، فهي في يدك، فأنت تعرف العوامل التي كانت تدفعك إلى الوقوع في المعصية حاول أن تقضي عليها، أنت الآن بارك الله فيكَ قد تركتها، لماذا تركتها؟ لأنك تعرف الأسباب التي كانت تدفعك إلى فعلها فتوقفتَ عنها، ولذلك هي هي نفسها؛ لأنه لا توجد عوامل أخرى أكثر من قرار داخلي ومن توقف عن ممارسة هذه الأشياء، ومن البحث عن الأسباب التي كانت تؤدي إلى الوقوع فيها وتجفيف هذه المنابع، وهذا هو الحل الوحيد حقيقة لمثل هذا، لذلك عليك كما ذكرت وأنت الآن تائب راجعٌ إلى الله تبارك وتعالى، وأسأل الله أن يقبل توبتك ويغفر ذنبك، بل إني أسأله جل وعلا أن يحول سيئاتك كلها حسنات، إنه جواد كريم.

أنت الآن توقفت، ومما لا شك فيه أنك تعرف الأسباب التي كانت تؤدي بك إلى الوقوع في هذه المعصية، فتوقف عنها نهائيًا، وحاول أن تجتهد بكل ما أُوتيت من قوة ألا تعود إلى ممارسة هذه الأشياء، أو إيلاج هذه الأبواب، حتى لا تضعف مرة أخرى فتعود إلى هذه المعصية.

أنت ما زلت الآن بارك الله فيكَ حديث عهد بتوبة، ولذلك تحتاج أولاً: إلى تجفيف منابع هذه المعصية والعياذ بالله.

ثانيًا: عليك أيضًا بصحبة الصالحين ومجالسة الصالحين، والخروج من هذه العزلة، وأن تعيش مع إخوانك الطيبين، وهم الحمد لله تبارك وتعالى كثر، تقضي معهم معظم أوقات فراغك، حتى تقلل من المساحات التي يتمدد الشيطان فيها في فراغك، فحاول أن تجد رفقة صالحة، لأن صحبة الصالحين تعين على الطاعة، فعليك بالبحث عنها، وهي مما لا شك فيه موجودة في الجامعات، وموجودة في المدارس، وموجودة في المساجد، وموجودة في كل مكان، فحاول أن ترتبط بجماعة المسجد، وأن يكون لك دور في المسجد، فلا تكن مجرد مصليًا عاديًا كما يفعل معظم الناس، وإنما أتمنى أن يكون لك دور إيجابي في المسجد وفي الدعوة إلى الله تعالى، وحضور الندوات والمحاضرات، والأنشطة الطيبة التي تُوجد في المساجد في مِصْر.

كذلك أيضًا محاولة الاستماع إلى أشرطة مفيدة تتعلق بالإيمان بالله سبحانه وتعالى، والجنة والنار، حتى يقوى عندك داعي الإيمان.

كذلك أيضًا مراجعة القرآن بانتظام، وأن يكون ذلك على سبيل العادة، بمعنى أنه لا يكون مؤقتًا، وإنما اجعله عادة لك تعتادها في كل وقت أن تقرأ القرآن من الساعة كذا إلى الساعة كذا.

حاول بارك الله فيكَ أن تضع أمام نفسك أيضًا خطة أن تكون من المتميزين، أنت الآن لم تنته من الجامعة، وتقول بأنك تعثرت في إحدى سنوات الدراسة، فأتمنى بارك الله فيكَ أن تضع أمامك هدفًا آخر جديدًا، وهو أن تكون متميزًا ومتفوقًا؛ لأن الذي يحصل على امتياز ليس له عقلان، وأنت لك عقل واحد، وإنما كل الفارق بينك وبينه أنه أحسن استغلال الفرص المتاحة، حتى وإن كان الإنسان متوسط الذكاء إلا أنه يستطيع أن يتغلب على ذلك بتكرار المعلومة والتركيز عليها، يستطيع - بإذن الله تعالى – أن يُحقق ما لا يحققه المتميزون إذا لم يُذاكروا.

ولذلك أرى أن تضع هدفًا آخر في سبيل تغيير حياتك بالكلية، وهو أن تكون من أوائل الطلبة في دفعتك، وهذا ليس مستحيلاً، فأنت الآن تائب، واسمك محمد، وصاحب قرآن، فعوامل كثيرة جدًّا تدفعك إلى التميز، ولكنك لم تُحسن استغلالها فيما مضى. أتمنى أن توظف هذه الإمكانات الرائعة في تحقيق إنجاز أروع، وهو أن تكون أيضًا متميزًا، حتى وإن كنتَ رسبتَ في إحدى السنوات فليس معنى ذلك أن السماء قد سقطت على الأرض، وإنما قد يقوى الإنسان مرة ثم يقف فلا يقوى بعد ذلك أبدًا، وكما قالوا: لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة.

فعليك بارك الله فيكَ ألا تنظر للماضي، وإنما انظر للمستقبل المشرق، وأنت رجل من أوائل الطلبة، ويُحتفل بك، وتُفتح أمامك فرص العمل بطريقة أفضل؛ لأنك رجل متميز؛ ولأنك حصلت على درجات متقدمة، ومَنْ يدري قد تكون أستاذًا في الجامعة في يوم من الأيام، رغم أنك لا تفكر في ذلك، ولكن أرى أن ذلك ليس بعزيز ما دمتَ قد لجأت إلى الله تبارك وتعالى وأخذت بأسباب التوبة وحافظتَ على وقتك.

حافظ على الصلاة في أوقاتها بارك الله فيكَ، وحافظ على أذكار الصباح والمساء بانتظام أيضًا، وأتمنى أن تكون في معظم الوقت على طهارة حتى يبتعد عنك الشيطان، واشغل فراغك بذكر الله سبحانه وتعالى دائمًا أبدًا سواء كنت في وسائل المواصلات أو كنت تمشي على قدميك أو من المسجد إلى البيت – والعكس – أو من الجامعة، أو حتى وأنت في بيتك أيضًا، املأ أوقات الفراغ بذكر رب الأرض والسموات، لأن الذكر جُنَّة وحصن حصين، فإذا ما آويت إلى الله آواك الله، وأبشر بفرج من الله قريب، وعليك بقضاء الصلوات، وعليك أن تكثر من الاستغفار، وعليك أن تكثر من الصلاة على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم – فإن بالصلاة عليه يُكفَى الهمّ ويُغفر الذنب.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • المغرب yassine

    السلام عليكم و رحمة الله وبركاته

  • المغرب yassine

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هنيئا للاخ على هده النعمة.يا اخي الم تؤثر عليك هده العادة من الناحية الصحية كضعف الانتصاب مثلا.

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً