الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل من طريقة تجعلني أتمتع بالدراسة والمذاكرة والعبادة؟

السؤال

السلام عليكم

أنا مصاب بمرض الفصام (الذهان) أو ما يسمى بالشيزوفرنيا، وقد عرضت نفسي على طبيب متخصص، فكتب لي دواء أولابكس وديباكين، واستمررت عليهما لمدة سنة، ثم تم تغيير العلاج إلى أولابكس وفلوزاك ودوجماتيل لعدة أشهر، ثم تم تغيير العلاج إلى أولابكس وفافرين لمدة شهرين، والآن أتناول الأولابكس فقط نصف قرص مساءً، فقد أوقفت والدتي دواء الفافرين من نفسها دون استشارة الطبيب.

وأما عن هذا المرض وهو الفصام الذي يجعل المريض يشعر بأنه مضطهد من الناس، فأنا لا أكترث له كثيرًا، وأعتقد أنني -والحمد لله وحده- لم أعد أشعر بهذا الإحساس أبدًا، ولكن ما يضايقني كثيرًا هو أني أنام كثيرًا حوالي 12 ساعة يوميًا، ولعل السبب يرجع إلى أنه ليس لدي أي شيء يحمسني في الحياة.

تركت الأصدقاء بعد أن كان لدي الكثير منهم، وتركت ممارسة الرياضة بعد أن كنت متفوقًا في لعب كرة القدم، والسباحة، وتركت أيضًا ألعاب الحاسوب بعد أن كنت متفوقًا فيها، تركت كل شيء في الدنيا قد يعطلني عن السير إلى الله والدار الآخرة، نعم أعلم أنه لا تعارض بين هذه الهوايات، وبين عبادة الله، ولكني أريد أن يستعملني الله عز وجل على ثغر العلم الشرعي، ولن يستقيم هذا إلا بترك هذه الفضول من المباحات، فأنا أشهد الله أني قد وهبت نفسي لعبادة الله عز وجل، وطلب العلم الشرعي الذي نفعه متعدٍ كما تعلمون، واخترت هذا المجال بالذات؛ لأنهم قليلون في الأمة من يقومون به.

نعم هنالك الكثير ممن يدعون إلى الله، ولكن أين من يؤلفون كتبًا في علوم الشريعة ينتفع بها الناس، أين من يدرسون علوم الشريعة من عقيدة وفقه وتفسير وحديث ولغة وغيرها، نعم موجودون لا شك، لكنهم قلة، وأنتم معشر الأطباء تقومون على ثغرة، ولكن أين من يقوم على ثغر العلم الشرعي الصرف، إنهم قلة قليلة.

وكما قال الإمام الذهبي في تذكرة الحفاظ: "فأين علم الحديث، وأين أهله كدت ألا أراهم إلا في كتاب، أو تحت التراب"، فما أريده منكم أن تتفضلوا علينا بذكر طريقة فعالة وعملية ومجربة لجعل الدراسة والمذاكرة وعبادة الله أمرًا ممتعًا، يجعلني أستيقظ له، وأتحمس له، وأحب الحياة من أجله، ولا أنام هربًا منه.

لدي الأهداف وأنا مؤمن بأنها سهلة -إن شاء الله-، والله سيعطيني إياها إن صدقت معه، ولكني للأسف لا أسعى لتحقيق هذه الأهداف، وأنام كثيرًا وعندما أكون مستيقظًا، فإنني أضيع وقتي في الضحك واللعب والكلام مع أشقائي في المنزل، أريد أن أكون جادًا، أريد أن أعمل طوال اليوم.

أريد أن أكون من عباد الله المخلصين، ومن علماء الإسلام الجهابذة العاملين كشيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن القيم، والإمام النووي وغيرهم، ساعدوني ساعدكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حسن المصري حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فقد ذكرت أنك مصاب بمرض الفصام – أي الذُّهان – وأن الأفكار التي تأتيك كانت أفكارًا اضطهادية، لكنك - الحمد لله تعالى – غير مكترث لذلك، وهذا أحد دعائم العلاجات الرئيسية، أي أن الإنسان لا يعامل أو يتعامل مع نفسه كأنه شخص معاق، بل يمكن أن يعيش حياة طبيعية خاصة إذا التزم بتعليمات الأطباء، وتناول الأدوية الموصوفة.

أنا أرى أن الأطباء قد وصفوا لك مثبتات المزاج مثل عقار (دباكين)، وكذلك أُعطيت مضادات الذهان، وفي فترة من الفترات أيضًا تناولت الفافرين وكذلك البروزاك، وهذه أدوية معروف بأنها تتعلق بالاضطراب الوجداني – أي الحالات الهوسية أو الاكتئاب - .

عمومًا: أنا مستبشر جدًّا أن حالتك ليست فصاما مُطبقا، أو على الأٌقل هي من أنواع الفصاميات البسيطة، أو في الغالب تسمى بالفصام الوجداني، وهو أفضل أنواع الفصام فيما يخص الاستجابة للعلاج، ومآل الأمراض المختلفة.

نصيحتي لك هي: المتابعة مع الطبيب، والاسترشاد والالتزام بتعليماته.

أما فيما يخص موضوع التكاسل والنوم، فالنوم – أيها الفاضل الكريم – حاجة بيولوجية، وهو حق للإنسان، لكني أتفق معك أن الإنسان يجب ألا يُسرف في النوم؛ لأن الواجبات أكثر من الأوقات، والإنسان له ساعة بيولوجية إذا قام بترتيبها وتنظيمها يستطيع أن يعطي النوم حقه، والعمل أو القراءة حقها، والترفيه حقه، وكذلك التواصل الاجتماعي، وكل ما يريد أن يُنجزه.

فنصيحتي لك أن تكون مُخططا وصاحب تدبير، بل تدابير في إدارة الوقت – هذا مهم جدًّا – ضع لنفسك جدولا يوميا، ابدأ بصلاة الفجر، وانتهِ بأذكار النوم ليلاً، وخلال الليل والنهار وزّع وقتك بصورة منصفة وجيدة وفعالة، تجعلك تحس بالرضا في نهاية اليوم.

فيما يتعلق بموضوع دراسة العلم الشرعي: لا أحد يستطيع أن ينهى إنسانا عن دراسة العلم الشرعي، هذا أمر طيب، لكن أقول لك: هنالك بعض المحاذير في أن الإنسان قد ينجرف نحو تخصص معين، ويختار الآليات، أو الوقت الغير صحيح، وهذا قد يؤدي إلى الفشل.

أنا لا أريد أن أثبط همتك أو أنهاك عن الطريق الذي تريد أن تسلكه، بل أسألُ الله تعالى أن أراك عالِمًا متفوقًا ومثابرًا ونافعًا لهذه الأمة.

أنا أرى أنك يمكن أن تصل إلى مبتغاك بشرط أن يكون هنالك نوع من الواقعية، والإنسان لا يستطيع أن يقفز فوق الأشياء، ومن يقفز قفزات عالية يسقط أرضًا، والسقوط نتائجه معروفة.

هذا يقودني إلى نصيحة غالية جدًّا، وهي أنني أريدك أن تنتظم في التعليم النظامي، وهذا يعني أن تُكمل الثانوية بتميز ونجاح، وتبدأ الدراسة الجامعية بانتظام، وحسب رغبتك كلية الشريعة سوف تكون هي الكلية الأنسب لك، امتلاك ناصية التخصص لا يكون إلا من خلال التدرج الأكاديمي الصحيح، وبعد ذلك يمكنك أن تتقدم للدراسات العليا وما فوقها، ويمكنك أن تكتسب الكثير من المعارف وتصقل وتظهر مهاراتك من خلال التزود من المصادر الصحيحة المعتبرة للعلم .

وأنصحك أيضًا أن تتعلم لغة إضافية بجانب اللغة العربية، اللغة الإنجليزية مفيدة جدًّا، وكذلك اللغة الفرنسية، وهي مطلوبة من الدعاةِ الآن.

أسأل الله تعالى أن يوفقك، وجزاك الله خيرًا.

++++++++++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان،
وتليها إجابة الشيخ أحمد الفودعي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية .
+++++++++++++

فمرحبًا بك أيها الولد الحبيب في استشارات إسلام ويب.

نحن نشكر لك علو همتك وحرصك على اكتساب المعالي من الأمور، وهذا خلق يُحبه الله جل شأنه في عباده، فقد جاء في الحديث: (إن الله يُحب معالي الأمور، ويكره سِفْسافها) ولا شك أن علو الهمة وطلب المكارم يدل على شرف النفس، فنحن نهنئك أولاً بأن رزقك الله سبحانه وتعالى هذه الأمنية، وجعل همتك مصروفة لتحصيل أشرف ما يُكتسب في هذه الدنيا؛ وهو العلم بالله سبحانه وتعالى وبشرعه.

ونوصيك - أيها الحبيب - حتى تصل إلى مبتغاك أن تكون معتدلاً في أمورك متوازنًا فيها، فكما قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث: (القصد القصد تبلغوا)، ونحن على ثقة تامة من أنك إذا سلكت الطريق الصحيح في التعلم واعتدلت في أمورك، وأعطيت كل جانبٍ حقه من العناية والاهتمام، نحن على ثقة أنك ستصل - بإذن الله تعالى -إلى ما تصبو إليه وتتمناه.

وقد أصبت - أيها الكريم - حين أدركت أن العلم الشرعي بحاجة إلى جد واجتهاد، وتفريغ الأوقات لتحصيله، وهو كذلك، ولكن أنت بحاجة أيضًا أن تتبع المنهج الصحيح في التعلم حتى لا تضيع تلك الجهود والأوقات سُدىً.

المنهج الصحيح - أيها الحبيب - أن تبدأ بدراسة صغار العلم قبل كِباره، وأن تبحث عن المعلم المُرشد المتقن للفن الذي تريد أن تدرسه، فتبحث عن الماهر في علوم الحديث إذا أردت فن الحديث، وكذا إذا أردت الفنون العربية، تبحث عن العلماء المُوجدين الراسخين فيها، فإن صحبة الأستاذ والاستئناس برأيه والاقتداء بإرشاده به يتحقق الجزء الأعظم مما تريده من العلم.

ونحن في زمن - ولله الحمد - قربت فيه العلوم، وتيسرت لطلابها، فالمواقع الالكترونية لكبار العلماء مشحونة مملوءة بالمواد العلمية المسجلة عليها في صغار الكتب وكبارها، لاسيما من عُرفوا بحسن التدريس، والقدرة على الإفهام، كالعلامة ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - وموقعه زاخر بالمواد العلمية في كل الفنون، فننصحك بالاستفادة من هذا الموقع، والإكثار من سماع العلم، كما ننصحك أيضًا بالبحث عن طلبة العلم الجادين، لأن مذاكرة العلم معهم تُحييه وتثبته.

نصيحتنا لك - أيها الحبيب - ألا تفرط في الميل إلى جانب على حساب جوانب أخرى، فإن المُنْبَتَّ - كما جاء في الحديث - لا أرضا قطع، ولا ظهرًا أبقى، وهو من يَجِدُّ ويجتهد ربما في بعض الجوانب دون بعض، وربما لا يراعي الحقوق الأخرى عليه، ونحو ذلك من الإخلال الذي يؤدي إلى انقطاع السير أو الملل والضجر منه، إلى غير ذلك.

فنصيحتنا لك أن تكون متوازنًا، وأن تعلم بأنك بمضي الزمن وبطول الفترة في الطلب ستحصّل - بإذن الله تعالى - على قدر كبير من العلوم، فلا تستعجل الأمور قبل أوانها، ولا تكلف نفسك ما لا طاقة لك به، فخذ من العلم ما تقدر عليه، مبتدئًا كما أرشدنا بالصغار قبل الكِبار، والتدرج أمر مطلوب، وهو سنة كونية.

نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلك مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، وأن يأخذ بيدك ويسوق إليك كل ما تتمناه من الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً