الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدتي رسمت لي مساري التعليمي وأواجه صعوبات فيه!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

أولا: أتقدم بالشكر لكل الأساتذة الكرام، ولكل من هو مسؤول عن هذا الموقع الجيد.

أنا طالبة جامعية لطالما كنت متميزة في دراستي، أقصد الابتدائي والمتوسط والثانوي، لكن مشكلتي هي أني كنت أدرس على يد أمي، فكانت هي من توجهني، بل وتأمرني في الكثير من الأوقات، يعني أعيش فقط بتسيير من والدتي الكريمة، ولم أفرح يوما بأي شهادة أخذتها، ببساطة هي من اختارت شعبة العلوم عني، هي من اختارت الفرع الذي أدرسه الآن، هي من كانت تقرر عني في كل شيء، وأنا فقط أنفذ ما تقول.

لكن الحال تغير الآن، فأنا أصبحت في الجامعة، والحياة في هذه المرحلة تكون مستقلة بعض الشيء، وهو الأمر الذي أتعبني، فأنا أصبحت أعاني مشاكل يومية، في البدء كنت أتشارك مع والدي في حلها، لكنه منذ فترة تعب مني.

وأعاني من مشكلة أخرى وهي أني لم أعد أعرف التصرف في أبسط الأمور، لا أعرف كيف أتخذ قرارات، بل أحس بأنه لا شخصية لدي، دراستي تذبذبت، فوالدتي قالت لي أنت الآن فتاة كبيرة، عليك تسيير حياتك بنفسك.

سألتها كيف أسير حياتي بنفسي، وأنت من اختارت لي الطريق، وتركتني في منتصفه، فأنا أحب اللغات جداً، لكنها لم تحترم ميولي، والمهم أني أعاني يومياً وأشكو لنفسي يومياً حتى تعبت، والبارحة حدثني والدي فقلت له في وجهه: لا تسأل عني أبداً بما أنك لا تريد الاستماع لي، فكل ما يقوله إذا شكوت له: إذا لم تعجبك دراستك توقفي، أو غيريها، لكن كيف أغير وأنا مضيت في دراستي عامين كاملين.

أنا أبحث عن من أشكو له، ومن يعينني بنصائح عملية، أو حتى بتوجيهات مباشرة في حياتي اليومية، لكني لم ولن أجد، لذا أريد أن أتعلم كيف أعيش الحياة، كيف أتأقلم مع الناس، كيف أعرف السيئ من الجيد، والله لقد تعبت، فأنا وجدت نفسي وحيدة، وخصوصاً في الوسط الجامعي، حتى صديقاتي المفضلات لدي سجلن في شعب مختلفة.

أريد النصح، فقد أصبحت أكره كل شيء، أصبحت عصبية، أصبحت دائمة البكاء، أنا لا أريد تبرير المواقف، لكني لاحظت أن معظم الطالبات اللواتي حافظن على تفوقهن كان ذلك بسبب الدعم النفسي لهن، سواء من طرف الأولياء أو الأصدقاء والصديقات.

مع علمي واقتناعي بأنه لا توجد علاقة بين الشباب والفتيات إلا أني أيضاً لاحظت أن الشباب في زمننا الحالي -والزملاء بالتحديد- قد يكونون مخلصين لزميلاتهم أكثر من الفتيات أنفسهن؛ لذا هذا ما أخافني أكثر، يعني أنا لا أتعامل معهم لكني أخشى إن تأكدت بأنهم قد يكونون مخلصين على الأقل في المجال الدراسي؛ أخشى أن أتعامل معهم, فوالله الجامعة هي مقر للفساد ليس إلا، لم أر شيئاً يصلح فيها، مع العلم أني مؤخراً لم أستطع المحافظة على صديقة فقط بسبب تعاملي الحاد والشديد جداً؛ فأنا صارمة ورسمية لأقصى درجة، وحتى أن الكثير من الناس يصفونني بالتكبر والتعجرف، وبالطبع الحاد، لكن المهم أريد منكم مساعدتي وإرشادي، فأنا أصبحت عصبية جداً ولا أتحكم في نفسي.

أريد أن أعلم أمراً, وهو أني مؤخراً طلبت من والدي أن لا يحدثانني، فأنا أخبرتهما بأني لا أطيق حتى نفسي، لكن هذا كله فقط -والله- كي لا يغضبا علي، وكي لا أخطئ في حقهما؛ لأني أصبحت دوماً ألوم أمي في نفسي؛ لأنها لم تعمل على تكويني شخصياً، بل كنت نتيجة لمسار رسمته هي، وتبعته أنا لكنها لم تكمل معي، تخلت عني في أكثر اللحظات التي أنا في حاجة إليها.

نقطة أخرى وهي: هل أعتذر من أي شخص حتى وإن كنت لا أعرفه؟ مثلاً شاب، هل أعتذر منه لأني أخطأت في حقه؟ وإن لم يكن هنالك أي داع فلا مشكلة.

المهم لدي أني أريد معرفة التكيف مع الحياة، كيف أواجه الصعوبات والفشل الدراسي، ليس فشلاً مطلقاً لكنه تدنٍ في المستوى التحصيلي والتعليمي، فأنا لم أتعود على مثل هذا المستوى، فما رأيك بحالتي؟

إن لزم الأمر سأقوم بكتابة مشاكلي اليومية لكم، والتي ربما تكون فقط عراقيل، وأنا من أضخمها لأني أعيشها لوحدي.

وجزاكم الله ألف خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ heba حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

جزى الله خيرًا والدتك أنها قدمت لك كل الرعاية التي وصلت لدرجة الحماية المطلقة في مراحلك الدراسية الأولى، نقول لها جزاها الله خيرًا، لأنني أعتقد أنها كانت تريد أن تُنشئك تنشئة علمية صارمة، وتريدك أن تكوني أفضل منها في حياتك، هذه الأم الحنون الغيور، هذا هو الذي دفعها نحو هذا الأمر.

بعد ذلك استدركت والدتك أن أمر الحماية المطلقة هذا ليس جيدًا، وأنك بالفعل قد كبرت، وأنك يجب أن تكون لك شخصيتك ونمطك غير الاعتمادي، وهذا أمر جيد من جانبها، وربما والدتك نفسها شعرت أنه لا طاقة ولا مقدرة لها بالمواصلة معك، لأن الحياة الجامعية معك مختلفة، الدراسة مختلفة، طريقة تفهم الأمور أيضًا مختلفة.

والدتك -جزاها الله خيرًا- قصدت لك الخير وليس أكثر من ذلك، فلا تحملي أبدًا هذه الفترة في حياتك فوق طاقتها، نحن فعلاً نؤيد ونشجع أن يكون هنالك نوع من الاستقلالية في حياة الناس حتى الأطفال، لكن من يجد من يهتم به ويوجهه حتى وإن كان ذلك ليس مبداً صحيحًا مئة بالمئة، لكنه قطعًا أفضل بكثير من مبدأ التجاهل وعدم الاهتمام بالأبناء والبنات، والدتك تحبك وتقدرك جدًّا، وأعتقد أنها تريدك أن تكوني أفضل منها.

الآن أنت لديك مشكلة واضحة، وهي سوء تقدير الذات، هذه مشكلتك، حسب ما قرأته في رسالتك من تسلسل جميل، أرى أن مقدراتك ممتازة، لكن حتى هذه المقدرات أنت لا تقدرينها، لا أريدك أن تلومي نفسك على ذلك، ولكن أريدك بالفعل أن تنتبهي لهذه النقطة، لأن مشكلة عدم تقدير الذات مشكلة كبيرة جدًّا، والذات إن لم نحفزها تحفيزًا واقعيًا لن تكون متميزة ولن تكون متوائمة، ولن يكون الإنسان مرتاحًا.

تأكيدك لذاتك يجب أن يكون من خلال تفحص هذه الذات. أنت تميلين للتقييم السلبي لنفسك، وهذه إشكالية كبيرة، يجب أن تقفي وقفة صارمة حول هذا الفكر، وتنظري إلى إيجابياتك، وهي كثيرة جدًّا، لا أقول لك تجاهلي السلبيات أو أخضعي نفسك، لا، السلبيات يجب أن تُعلم لكن يجب ألا نضخمها، لأن تضخيم السلبيات تلقائيًا يؤدي إلى تقلص الإيجابيات.

أرجو أن تقومي بعمل هذه الموازنة، ابحثي عن مصادر قوتك، هذا يجعلك تستكشفين نفسك، بعد استكشاف النفس يجب أن تفهمي نفسك وتقبليها، هذا مهم جدًّا، تقبليها على أساسها الجديد، على أساسها الذي حددت من خلاله نقاط القوة لديك ونقاط الضعف، ومن هنا تنطلقين نحو تطوير الذات، وهي المرحلة الثالثة، وتطوير الذات يكون من خلال تعظيم وتكبير وتقوية الإيجابيات وتقليص السلبيات، هذا هو المطلوب منك، والرحلة الحياتية كلها تقوم على هذا المبدأ السلوكي.

موضوع الاختيار للدراسة وغيره لا أعتقد أنه سيكون من الأمر الراشد أن تغيري المجال الذي أنت فيه الآن، نحترم رأي والدك وهذا هو جهده ويجب ألا نلومه، لكن أعتقد أن استمراريتك في مجالك هذا أفضل، قطعت شوطًا، ويعرف أن الإنسان إذا ميز نفسه في أي مجال يستطيع في نهاية الأمر أن يحس بقبول كبير جدًّا لتخصصه بل يتميز فيه، والآن أصبحت مجالات التخصص الدقيق في كل علم من العلوم متوفرة، وهذا هو المهم.

فيما مضى كان الإنسان يدرس مرحلة معينة، قد يتحصل على الماجستير أو على الدكتوراه وخلافه، لكن دون تطوير حقيقي لنفسه، أما الآن فيمكن الإنسان من خلال كورسات قصيرة جدًّا يتحصل على شهادات تخصصية جدًّا في مجاله الذي تخرج فيه.

أرجو أن تصلي إلى هذه القناعات، وعليك بإدارة وقتك بصورة جيدة، خصصي وقتًا للدراسة، ووقتًا للراحة، ووقتًا للقراءات غير الأكاديمية – هذا مهم جدًّا – نمّي علاقاتك الاجتماعية، كوني بارة بوالديك، صلي رحمك، ضعي هدفًا أمامك، فكري وتأملي بعد ثلاث إلى أربع سنوات من الآن تكونين قد أكملت دراستك، وحتى الماجستير تحصلت عليه - إن شاء الله تعالى – ويأتيك الزوج الصالح، الحياة هكذا يجب أن تضعي هذه الطريقة كخارطة لك في حياتك، وهذه ليست أوهاماً وليست آمالاً زائفة، إنما هي حقائق، أنت شابة في أمة الإسلام، قوية، عمرك ما شاء الله على بداية أعتاب الشباب، لديك أسرة، لديك زميلات، أنت تحافظين على سمعتك، ودائمًا حسنة السلوك، ما يقال أنك مغرورة هذا كلام لا أساس له، هذا كلام فارغ يأتيك من شخص في نفسه شيء، لا تلتفتي لمثل هذا الأمر، ودائمًا صادقي الصالحات من الفتيات.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً