الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أتأقلم مع الناس من حولي: أرشدوني لتجازو هذه المشكلة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لدي مشكلة وهي: عدم التأقلم مع بعض الأشخاص والزملاء، حيث أنه عندما يتكلم معي الشخص، يظهر على ملامح وجهي أنني لا أريد التحدث معه، وأنا فعلًا بداخل نفسي لا أريد أن أتحدث معه ـ لست مرتاحًا نفسيًا للحديث معه -.

كما أني سريع الغضب والانفعال، احتفظ برأيي، وأحيانًا لا أحب أن أتراجع عنه حتى وإن كان خطأً، وأحيانا أكلم نفسي، أتحسس من الكلام، أحيانًا أفسر كلام الشخص تفسيرًا سلبيًا، لدي إحساس أن هناك أشخاصًا يكرهونني ويتكلمون علي.

أحقد على بعض الزملاء عندما يقع بيني وبينه شيء، أو أنه تكلم في، أحيانًا أكون خجولًا عندما أتحدث، وأحيانًا أتحدث بكل أريحية، وأحاول أن أتعدى حاجز الخجل، دائمًا أفكر بأهلي ـ أمي وإخواني ـ وأقول لم أقدم لهم شيئًا، وأنا بهذا العمر أفكر بأن أعيشهم أحسن عيشة، حيث إنني مبتعث للدراسة خارج دولتي لإكمال دراستي الجامعية.

أحاول تصنع الابتسامة حتى أقول للناس أنني لست إنسانًا معقدًا، مع العلم أن لدي قولون عصبي منذ خمس سنوات.

لقـــد تعبت من هذه الحالة، أرجو من الله ثم منكم إفادتي لطرق تساعدني على تعدي هذه الحالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالعزيز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فالتطبع على التعامل مع الناس ليس سهلاً في بعض الأحيان، ونحن دائمًا نقول أن الإنسان الذي يجد صعوبة في التعامل مع الناس يجب: أن يحاول تقبلهم كما هم لا كما يريد, هذه حقيقة مفيدة جدًّا إذا استطاع الإنسان أن يسترشد بها.

الأمر الثاني: عدم التكيف مع بعض الناس قد يكون سببه: أن التحسس النفسي الداخلي درجته عالية جدًّا، أو يكون هنالك نوعًا من التوجس حول نوايا هذا الشخص، وأنت ذكرت أنك حساس, ولديك اعتقاد أن بعض الأشخاص يكرهونك ويتكلمون عنك، وهذا دافع نفسي قوي جدًّا يجب أن تُحاول بشتى الطرق أن تتغلب عليه، وذلك من خلال: تحقيره, ومناقشة نفسك حول هذه الفكرة (لماذا يكرهك البعض؟ ما هي مصلحتهم؟ هذا الكلام ليس صحيحًا) استعذ بالله من الشيطان الرجيم، واستغفرالله تعالى.

يجب ألا تقبل الفكرة، الفكرة حين تكون غير منطقية مهما استحوذت, ومهما تسلطت علينا يجب أن نردها، يجب أن نحقرها، يجب أن نلفظها, وهذا يتطلب منك تدريبًا نفسيًا مستمرًا، وسوف تجد بعد ذلك أنه حدث لك الكثير من التواؤم.

أخِي الكريم: الإنسان الذي يضع شعار (وخالق الناس بخلق حسن) يستطيع أن يُريح نفسه تمامًا من خلال: التيقن, والقناعة, والأخذ بهذا القول الكريم ـ فيا أخِي ـ اجعل هذا نفسك (mantra) والـ mantra هي: خلاصة الفكر الإنساني الذي قد يتخذه شعارًا واسترشادًا له في حياته، ويكون منارة ينطلق من خلالها, هذه المقولة أتت من الثقافة الهندية، وأعتقد أننا فعلاً نحتاج لـ mantra في حياتنا هذه, تحسن علاقاتنا مع الناس، تجعلنا نقبلهم بصورة أفضل ـ أخِي ـ اجري حوارات على هذا المستوى مع نفسك.

شيء آخر مهم - أخي الكريم -: كما تعرف أن الإنسان لديه ذكاء أكاديمي, أو ذكاء معرفي من خلاله يكتسب المعرفة، وهنالك ما يعرف بالذكاء العاطفي أو الذكاء الوجداني – وهذا مهم جدًّا – لا يقل أبدًا عن الذكاء المعرفي، وبكل أسف تجد بعض الناس المتميزين والمتفوقين معرفيًا وعلميًا، لكن ليس لديهم ذكاء عاطفي، والذكاء العاطفي هو: الذي يضبط مشاعرنا ويوجهها في التعامل مع الآخرين، والإنسان يجب أن يكون قنوعًا, أو مقتنعًا بفكرة: أن ما لا يريده لنفسه يجب ألا يقبله للآخرين, من خلال هذا الأمر تستطيع أن تسهل على نفسك الكثير.

الأمر الثاني: حاول دائمًا أن تشارك الآخرين في مناسباتهم: في أفراحهم, في أتراحهم، انضم لأي نوع من العمل الجماعي، أنت تدرس خارج بلدك: اربط نفسك بالمركز الإسلامي، كن مشاركًا، كن حيويًا، تفقد المرضى من أبناء منطقتكم, ومن أبناء المسلمين في المستشفيات (وهكذا) هذا كله يبني لديك داخليًا نوعًا من الشعور الذي من خلاله تستطيع أن تتقبل الناس.

أريدك أيضًا: أن تكون معبرًا عن ذاتك، لا تترك أمورًا داخلية تترسب وتتكون, كثيرًا ما يكون الإنسان لديه وجهة نظر في أشياء معينة، ويُبدي شيئا من عدم الرضا عنها، لكن عدم الرضا هذا يُعبر عنه داخليًا، وهذه مشكلة كبيرة جدًّا تؤدي إلى احتقانات، فيجب أن نعبر عمَّا بداخلنا أولًا بأول، وهذا طيب وجيد.

حسن الظن بالناس أمر مهم جدًّا جدًّا، وأعتقد أن هذه تحتاج لقوة معرفية داخلية، ومن خلال ذلك - إن شاء الله تعالى – تتحسن الأمور كثيرًا.

بما أنك تعاني من القولون العصبي: هذا دليل أيضًا أن هناك شيئًا من التوتر في حياتك، فحاول: أن تمارس الرياضة، حاول أن تكون مسترخيًا، ولا مانع أن تتناول دواء بسيطًا من أدوية القلق, مثل: الدوجماتيل (مثلاً) بجرعة خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة أسبوع، ثم اجعلها خمسين مليجرامًا صباحًا ومساءً لمدة شهر، ثم خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء, أعتقد أنه سوف يساعدك في موضوع القولون العصبي والتوترات والقلق، وحتى التعامل مع الناس - إن شاء الله تعالى – يكون بأريحية، غير أنك سوف تحس أنك أكثر استرخاءً وقبولاً للآخرين.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً