الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طفلتي تعاني من الطقوس الوسواسية وحب التملك، ما الحل معها؟

السؤال

السلام عليكم.

أشكركم جداً على هذا الموقع المتألق، فهو بالنسبة لنا حل لجميع مشاكلنا الطبية والنفسية، فلكم بالغ الشكر على مجهوداتكم البناءة.

بالنسبة لمشكلتي فهي ابنتي، وعمرها ثمان سنوات، اكتشفنا بعد ولادتها بشهر أنها تعاني من السرطان، وبدأت رحلة العلاج والسفر من دولة لأخرى، وبعد معاناة الكيماوي الذي كان يحرق جسدي قبل جسدها، -الحمد لله- منّ الله عليها بالشفاء، برغم نقص المناعة الحاد الذي أصابها، واستمر أكثر من ثلاث سنوات، استخدمنا خلالها أقوى المضادات الحيوية التي أشك أنها أثرت على نفسية ابنتي.

هي الآن بخير، لكن دائماً تبحث عن الحنان، وتسألني على مدار اليوم إن كنت أحبها، وبرغم تأكيداتي لها لا تقتنع، إذا قبلت أختها الصغيرة تريد مثلها، وتحب دائماً ما بيد الآخرين، وبالذات إذا كنا نأكل، يستهويها ما بيد غيرها، وقد كلمتها أكثر من مرة، وتحب الرسم وتظل ساعات ترسم، وتحب أن تجلس لوحدها وترسم، ولا تلعب مع البنات، وإذا لعبت تريد أن تكون أهم وأفضل واحدة، وأكيد بنات أعمامها لا يسمحن لها بهذا دوماً، ولما أجبرها أن تلعب معهن ترفض، وتجلس ترسم من ثلاث إلى خمس ساعات متواصلة.

وعندها هوس بالنظافة والترتيب، دوماً تستحم، وتفضل أن تنام على الأرض وليس السرير لكي لا تفسد ترتيبه، وتجلس من دون ملابس لكي لا تفسد دولابها، وشنطتها المدرسية مرتبة جداً، يعني حريصة زيادة عن اللزوم، تأخذ أقلام ودفاتر أخيها لكي لا ينتهي ما عندها، وتحب المرايات، وتجلس وقتاً طويلاً أمامها وتكلم نفسها، والويل لي لما أمشط شعرها، لا تريد خصلة واحدة في غير مكانها، تضطرني أحياناً لضربها حتى تقتنع وتمشي.

حرصها يقلقني، تريد أن تكون أجمل بنت، وتكون في منتهى السعادة لو أحد مدح لبسها وأناقتها، أكبر إهانة عندها لو قال لها أحد رائحتك ليست حلوة، تضع العطورات دائماً، وتغير في اليوم ثلاث وأربع مرات، طبعاً معتمدة باللبس على نفسها، وحريصة جداً على الصلاة، وتحب الجلوس جنب أي واحد يصلي، وتسأله ماذا يقول؟ حتى تعلمت والآن تصلي وحدها، وأراها تجلس وتدعو وقتاً طويلاً، يعني تصرفاتها أكبر من عمرها.

وللأسف لها سنتان تسرق أشياء أخيها أو صاحباتها، ليس نقوداً لكن حاجات تشد انتباهها، مثل: خواتم، ألوان، ألعاب صغيرة، كلمتها وعاقبتها أكثر من مرة، لكن ترجع من جديد، وهذا أكثر شيء يقلقني، وقبل أسبوعين وجدت في شنطتها رسالة لزميل لها تخبره أنها تحبه، وهو لا يحبها، دائماً تحس بالنقص، وأنها مظلومة، تكتب لي ولوالدها رسائل كثيرة أنها تحبنا، ومتفوقة جداً في دراستها.

تصرفاتها أكبر من عمرها، وتحاول التقرب مني مع أنني والله أحسسها بحبي، لكن لا أدري كيف أتصرف معها، أرجوكم كيف أتعامل معها؟ هي حساسة جداً، وتبكي بسرعة لو ضايقها أحد بكلمة، أسفه جداً على الإطالة، وأرجو أن أعرف ما هي شخصية ابنتي؟ وكيف أحل مشاكلها؟

شاكرة جداً رحابة ووسعة صدركم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سكينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكراً لك على الكتابة إلينا، والحمد لله على شفاء ابنتك من السرطان.

لا شك أن الكثير مما ورد في سؤالك سواء الشخصية الوسواسية التي تحب النظافة والترتيب، وكذلك ما لديها من حب التملك، سواء بعدم مشاركتها الآخرين مما عندها، أو حتى عن طريق السرقة، كل هذا إنما هو ردة فعل للعلاج الطويل ومنذ نعومة أظفارها، ودخولها المشافي وعيادات الأطباء، وقلق والديها وأسرتها، والتي لا شك لاحظتها مرات ومرات، كل أن هذا إنما هو ردة فعل لتجربة المرض في طفولتها المبكرة، ولا شك أنه أيضاً بسبب خوفكم وقلقكم عليها وهي تتلقى العلاج، مما جعلها تشعر بقلة الاطمئنان وإلى أنها على خطر في هذه الحياة، ولذلك فهي تحاول امتلاك الأشياء والأشخاص، للتعويض عن مشاعر الأمان، لأن هذا يشعرها بالأمن والأمان.

ولذلك يفيد جداً أن نعرف أن وراء هذه السلوكيات، سواء الأعمال الوسواسية القهرية كغسل اليدين وترتيب حاجاتها كالملابس والسرير، إنما هو بسبب القلق والخوف، لا بسبب أنها طفلة سيئة، إن هذا الفهم يجعلنا نعرف كيف نتعامل معها لا بالتأنيب واللوم أو الضرب، وإنما بالتفهم والمراعاة، وبإعطائها الذي تحتاجه من العطف والحنان، من خلال اللمس والتطمين والملاعبة، ولكن وأهم من هذا من خلال التركيز على الإيجابيات التي عندها من صفات، أو التي عندها من سلوكيات وتصرفات إيجابية، وهي لن تعدم وجود مثل هذه الصفات والسلوكيات الإيجابية، وفي نفس الوقت غض الطرف عن كثير من الأمور السلبية، طالما أن هذه السلوكيات لا تشكل خطراً عليها أو على الآخرين.

وهذا لا يعني أن نترك لهذه الطفلة الحبل كما يحلو لها، لا طبعاً، وعلى العكس فإن مما يساعدها كثيراً في هذه الحياة، هو أن تكون لديها ضوابط وحدود في التصرفات، من خلال مطالبتها باتباع الروتين والواجبات، والضوابط المطلوبة منها، فهذا لا يتعارض أبداً مع العطف والحنان، بل هو من صلب هذا العطف والحنان.

حفظ الله طفلتك، وبقية أطفالكم، وأقرّ عيونكم بهم، ونعتذر عن التأخير الذي حدث لظروف فنية غير محسوبة.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً