الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تناولت كثيرا من مشروب الطاقة فأصبت بهلع أثر علي، فما تشخيص حالتي؟

السؤال

السلام عليكم.

عمري 22 عاما وأنا طالب جامعي.

لدي استشارة بخصوص الدوار وعدم الاتزان؛ بسبب التهاب الأذن الداخلية: مع العلم بأنني استخدم دواء (بيتاسيرك 24) و(نيوربين) أقراصا واستخدمتهما لمدة 3 أشهر، والحمد لله عدت إلى طبيعتي؛ لكن بقي لدي قليل من التوتر والقلق وبعض الخوف؛ بسبب شربي لمشروب الطاقة (6 علب) في يوم واحد، انتابني عقب شربها نوبة هلع وسرعة نبضات القلب، والرعشة وخوف من توقف قلبي بسبب المشروب.

عملت جميع تحاليل الدم والبول والبراز والضغط والسكر -ولله الحمد- كانت سليمة، للعلم: نوبة الذعر ومشروب الطاقة كانت قبل التهاب الأذن بأسبوع واحد.

الذي أعاني منه الآن هو توتر بسيط وقلق بسيط وخوف؛ حتى أنني أريد أن أسافر لكنني أقلق وأخاف عند عزمي على السفر، والخوف من أن يعود الدوار عند سفري.

الحمد لله حياتي سعيدة وليس لدي ضغوط أبدا؛ فقط نوبة الهلع أشعلت عندي القلق والتوتر والقولون بالرغم من أن القولون -ولله الحمد- قد ذهب إلا أنه يأتي عند التوتر والقلق، الحمد لله محافظ على صلاتي، وأخالط الناس وأخرج من البيت، ولا يوجد خوف؛ إنما القلق والتفكير بعض الأحيان بالمرض الذي أصابني ونوبة الهلع.

لم أذكر كذلك للأسف عند شربي مشروب الطاقة لم يكن وحده؛ إنما مع الكحول وقليل من الحشيش في آن واحد، ولكن الحمد لله أقلعت عنهم كلهم، فقط الكحول قبل أسبوع شربت القليل، وقد انتابتني الدوخة والدوار وبعد يومين اختفى، أنا مقتنع بأنه بسبب التوتر والخوف.

السؤال هو: سمعت كثيرا ب(الدوجماتيل) وأنا مرتاح جدا لهذا الدواء، وأعتقد أنه سوف يقضي على الخوف والقلق والتوتر من بعد إذن الله.

الذي أريده: تشخيص حالتي، وبعض النصائح والآراء، وهل البيتاسيرك يضر عند استخدامه لمدة 3 أشهر بجرعة 24 مل مرتان في اليوم؟ وإن عاد الدوار وعدم الاتزان –لا قدر الله- هل أعود للبيتاسيرك وبنفس الجرعة الأولى 24؟ وما هو السبب في الذي أعاني منه؟ وكيف أتخلص منه؟ (قلق توتر خفيفان، خوف قليل، دوار بعض الأحيان، وهو شعوري بأن جسمي يترنح وليس الأشياء التي أمامي، خدر وخمول، ثقل في الرأس بعض الأحيان، رعشة في اليدين خفيفة، سماع دقات القلب في الجسم في معظمه، ما هو نوع القلق الذي أعاني منه؟

وأنا آسف جدا جدا على الإطالة، وعلى سوء الطرح حيث أنني جديد لديكم.

أسأل الله أن يجزيكم خيرا، وأن يجعل ما تفعلونه في ميزان حسناتكم، وأن يشفيني وجميع المسلمين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نايف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فلا شك أن الهجمة والضربة كانت قاسية جدًّا على دماغك، مشروب الطاقة زائدا الحشيش زائدا الكحول، هذه حالة انسمامية تامة أدت وبدون أي مبالغة إلى اضطراب كامل في المسارات الدماغية الكيميائية، وهذا نتج عنه نوبات الخوف والهلع والتوترات والقلق، وربما يكون لديك أيضًا شيء من الاستعداد أصلاً؛ أي أن البناء النفسي لك فيه شيء من الهشاشة مما جعلك قابلاً لهذه التوترات، لكن السببية واضحة جدًّا، وهي ما تناولته من خمر وحشيش حتى وإن كان بكميات قليلة فآثاره ضارة لا شك في ذلك، ومشروب الطاقة وما تحتوي محتوياته من كمية ضخمة من الكافيين، لا شك أنها مضرة جدًّا.

أيها الفاضل الكريم: الآن أنت أزلت السبب، وهو أنك قد أقلعت تمامًا عن تناول هذه المركبات، وهذا هو الذي أنصحك به، وهذا هو الذي أود أن أحتمه لك.

بالنسبة للبيتاسيرك: دواء جيد جدًّا لعلاج موضوع الدوار وعدم الاتزان، وأعتقد أن المواصلة مع طبيب الأنف والأذن والحنجرة سوف تكون جيدة، والذي أعرفه عن هذا الدواء أنه سليم، واستعماله لثلاثة أو حتى لستة أشهر لا بأس به أبدًا.

أنا أتفق معك أن حالتك تتطلب الدوجماتيل، وهو دواء جيد وبسيط جدًّا ويعالج الدوار وعدم الاتزان والقلق والتوتر والقولون العصبي، وأعتقد أنه سيكفي تمامًا في حالتك، كما أن الدوجماتيل يتميز أنه ينظم إفراز مادة الدوبامين والتي نعرف أنها تضطرب اضطرابًا ملحوظًا مع تعاطي الحشيش حتى وإن كانت بكمية قليلة.

جرعة الدوجماتيل التي في حالتك هي: أن تبدأ بكبسولة واحدة ليلاً ثلاثة أيام -وقوة الكبسولة خمسون مليجرامًا- بعد ذلك اجعلها كبسولة صباحًا ومساء لمدة أسبوعين، ثم اجعلها كبسولة واحدة كل ثماني ساعات –أي ثلاث مرات في اليوم– وهذه استمر عليها لمدة شهر، ثم اجعلها كبسولة صباحًا ومساءً لمدة شهر آخر، ثم اجعلها كبسولة ليلاً لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.

أيها الفاضل الكريم: هذه الطريقة التدرجية الواضحة من حيث تحديد المدة العلاجية، وكذلك الجرعة؛ هي التي تناسب حالتك.

أود أن أنصحك أيضًا: بتناول جرعة صغيرة من عقار إندرال والذي يعرف علميًا باسم (بروبرالانول)، دواء جيد ومتميز جدا في حالتك؛ لأنه إن شاء الله تعالى سيزيل عنك الأعراض الفسيولوجية المرتبطة بالمخاوف مثل: الرعشة وتسارع ضربات القلب.

الجرعة هي: أن تتناول الإندرال بجرعة عشرة مليجرام صباحًا ومساءً لمدة شهر، ثم عشرة مليجرام صباحًا لمدة شهر آخر، ثم تتوقف عن تناوله.

من المهم أيضًا: أن تجتهد في دراستك، وأن تصرف انتباهك تمامًا عن هذه الأعراض، التواصل الاجتماعي، أن تأخذ قسطًا كافيًا من الراحة، رفه عن نفسك، تكون لك صحبة طيبة، والرياضة يجب أن تأخذ حيزًا كبيرًا في حياتك، هذا إن شاء الله تعالى يفيدك.

أنا سعيد جدًّا بالتواصل معك، وأسأل الله لك العافية والشفاء، وبالله التوفيق والسداد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم ...... استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليه إجابة الشيخ / موافي عزب ...... مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يمتعك بالصحة والعافية، وأن يمُنَّ عليك بتوبة صادقة نصوح، تكون مغفرة لذنبك كله، وسترًا لعيبك، ونجاة لك من عذاب الله وعقابه.

وبخصوص ما ورد في رسالتك -أخي الكريم الفاضل– فالذي يبدو منها أنك أسرفت على نفسك إسرافًا في المشروبات، ووقعت فيما لا ينبغي للمسلم أن يقع فيه خاصة مع أنك من المحافظين على الصلاة، وعلى كثير من العبادات والطاعات، وكان الأولى بمثلك -أخي الكريم الفاضل– أن يعلم أن طاعة الله تبارك وتعالى والتزام شرعه والقيام بواجبات دينه تقتضي بُعد العبد عن معصية الله تبارك وتعالى؛ لأنهما وجهان لعملة واحدة، فالذي أمرنا بالطاعة وفرض علينا فروضًا كلفنا بها تكليفًا، هو الذي أيضًا نهانا عن الأشياء التي تُذهب العقل وتضر البدن وتؤدي إلى تدمير بُنيان الله تعالى، ولكنك مع الأسف الشديد -أخي الكريم نايف– وقعت فيما لا ينبغي أن يقع فيه المسلم صاحب الصلاة؛ لأن الكحول كما تعلم من المحرمات ومن المسكرات، وكذلك الحشيش أجمع أهل العلم على حرمته، فإني لأعجب لك مع وجود هذه الصلاة التي هي أول عامل من عوامل الإقلاع عن المعاصي، كما قال الله تبارك وتعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} إلا أنك جمعت بين المتناقضين، وهذا يدل على أنك في حاجة إلى جرعة إيمانية عالية تستطيع بها أن تكف عن محارم الله تبارك وتعالى، وتحافظ على ما أكرمك الله به من طاعات وعبادات، خاصة أعظم العبادات وأجل الطاعات وهي الصلاة.

أيضًا لاحظتُ من خلال كلامك -بارك الله فيك– أنك تقول: إنك أقلعت عن هذه الأشياء المحرمة، والإقلاع في حد ذاته ليس توبة، وإنما التوبة لا بد لها من أركان ثلاث: الركن الأول: الإقلاع عن الذنب فورًا، وهذا الذي فعلته أنت الآن، والركن الثاني: الندم على فعل هذه المعصية، والركن الثالث: العزم على عدم العودة إليها.

لأن مجرد الإقلاع وترك المعصية لا يُسمى توبة، وإنما يسمى توقف عن المعصية، أما هل أنا أحصل على ثواب التائبين بمجرد الإقلاع؟ قال أهل العلم: لا، وإنما لا بد مع الإقلاع من نيَّة وإرادة جادة وصادقة أنك تركت هذا الذنب من أجل الله تبارك وتعالى وحياءً منه جل وعلا، ولذلك بعض الناس قد يترك التدخين خوفًا على الصحة، أو هروبًا من رائحته الكريهة، أو لأن زوجته لا تُحب رائحة التدخين، هذا في كل الأحوال لا يسمى تائبًا وإن كان مُقلعًا؛ لأنه ما توقف عن هذا من أجل الله، وإنما توقف من أجل أسباب ودواعٍ أخرى ليس رضا الله من بينها.

لذلك أنا أتمنى أن يكون إقلاعك توبة صادقة نصوحًا تبتغي فيها أجر التائبين، الذين قال الله تبارك وتعالى عنهم: {إن الله يُحب التوابين ويُحب المتطهرين} والذين أمرهم الله تبارك وتعالى بقوله: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحًا} فعليك بالنظر في هذه المشروبات، خاصة أنها سببت لك بعض المشاكل التي أشرت إليها، والتي أجابك عليها أخِي الدكتور محمد عبد العليم، حتى وإن كان المباح يؤدي الإسراف فيه إلى الإضرار بالصحة فإنه لا يجوز للإنسان أن يستعمله؛ لأن هذا الجسد بُنيان الله تعالى ولا يجوز لي ولا لك ولا لأحد أن يُدمر بُنيان الله عز وجل.

فلذلك أنصحك -أخي الكريم–: بأن تحاول أن تلتزم في هذه الأمور، وألا تُسرف على نفسك في مباح يؤدي إلى إلحاق الضرر بك، وأن تتوقف عن الحرام كله من كحوليات ومخدرات وغير ذلك حياءً من الله وابتغاء مرضاة الله، وأن تعقد العزم على أن تتوب إلى الله توبة نصوحًا، عسى الله أن يتوب عليك وأن يغفر لك، بل ولو صدقت توبتك بمعنى الكلمة لعل الله أن يُبدِّل سيئاتك حسنات، وإني لأدعو الله أن يشفيك، وأن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يُذهب عنك هذه الأمراض النفسية التي وردت في رسالتك، وأن يُمتعك بالصحة والعافية، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً