الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل من علاج دوائي يصلح لحديث النفس والخوف من الحديث أمام الجمهور؟

السؤال

السلام عليكم.

أعاني مما يلي:

1- حديث مع النفس بشكل كثير جدا ودائم، حتى أني أحدث نفسي بأني وحيد، وليس لي إلا أم وأنا بار بها ولي أخت، مع أن لي عشرة من الإخوة، وبيننا محبة ومودة واحترام، بل يتطور الأمر معي أن أحدث نفسي بأن زوجتي وأولادي ميتون، مع أني أحبهم جداً، وغير ذلك من الأحاديث النفسية.

ملاحظة: أولادي وزوجتي ومن هو قريب مني ويسافر معي يلاحظ علي هذه الحالة، بل بعضهم قد صارحني بذلك.

2- الخوف من الحديث أمام الجمهور، وإذا تكلمت أمام الجمهور يصبح لدي خوف، وارتعاش وارتباك، وخفقان، وضعف في الصوت وهدوء، ولا أستطيع أن أمسك الورقة أو حتى حمل الورقة، ولا الميكروفون.

قبل فترة بسيطة حضرت زواجا عائليا مختصرا، وعند دخولي قاعة الاستقبال أصبت بخوف وارتباك أثناء السلام على الحاضرين، وعندما جلست أردت أخذ الشاي كانت يدي ترتعش ارتعاشا واضحا، وفي أثناء السلام كانت كلمات السلام تبدو صعبة.

فأرجو منكم إعطائي علاجا دوائيا، ونصائح سلوكية اتبعها لكي أتغلب على هتين الحالتين.

ملاحظة: هل يمكن الجمع بين العلاج الدوائي لحديث النفس وللخوف من الحديث أمام الجمهور؟ إذا كان يمكن؛ فكيف يكون ذلك؟

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ناصر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

حديث النفس كثيرًا ما يكون مرتبطًا بنوع من القلق النفسي الداخلي، وقد يكون أيضًا تعبيرًا عن الكتمان، فالكتمان يؤدي إلى احتقانات داخلية، وهذا يؤدي إلى ظاهرة الإكثار من حديث النفس، وبما أنك ذكرت أنك تجد صعوبة في الحديث أمام الناس، هذا ربما سبب لك أيضًا نوعًا من الانكفاء على ذاتك مما جعل أحاديث النفس تكثر وتسترسل فيها.

عمومًا حالتك - أيها الفاضل الكريم - ليست خطيرة، وأنصحك بالآتي:

نسبة لعمرك أرجو أن تقوم بعمل فحوصات كاملة، هذا أفضل، تتأكد من مستوى الدم لديك، والدهنيات، ووظائف الكبد، ووظائف الكلى، ومستوى السكر، وقوة الدم لديك... هذه الفحوصات الروتينية مهمة جدًّا في مثل عمرك.

ثانيًا: أن يكون لك قناعة تامة أنك لا تعاني من علة رئيسية، حديث النفس وكذلك الخوف الاجتماعي هي من الظواهر القلقية.

ثالثًا: ما يحدث لك من ارتعاش أو شعور بالتلعثم عند المواجهات، هو تجربة داخلية خاصة بك، ولا يستشعرها أحد، أنا مقتنع تمامًا بما ذكرته، لكن الذي أريد أن أثبته لك أن المشاعر والتغيرات الجسدية المصاحبة للخوف والقلق - أيًّا كان سببه – دائمًا يستشعرها صاحبها كأمر معيق له، ويكون هنالك نوع من التضخيم والمبالغة اللاشعورية حول هذه الأعراض، نعم قد تكون موجودة نسبة لإفراز مادة (أدرينالين adrenaline) أو تسمى (إبينيفرين Epinephrine) المتعلقة بالقلق، والظواهر الجسدية كالرعشة والتلعثم لا يمكن أبدًا أن تكون بالشدة والفظاعة التي يتصورها صاحبها.

إذًا هذا يجب أن يطمئنك كثيرًا، بمعنى أنه لا أحد يلاحظك حسب تصورك، والمشاعر والتغيرات خاصة بك.

رابعًا: المبدأ السلوكي العام لعلاج المخاوف هو: مواجهتها، ومواجهة مصدرها، وعدم التجنب؛ لأن تجنب المواقف يزيد من الانسحاب الاجتماعي، وافتقاد الفعالية المجتمعية، وهذه مشكلة كبيرة تعقِّد جدًّا الخوف الاجتماعي.

خامسًا: لا بد أن تبني في داخل نفسك ووجدانك وكيانك أنك لست بأقل من الآخرين، أنت رجل تحمل كل الكفاءة التي يتميز بها بقية البشر، فلماذا هذه المخاوف؟ وأنت تملك المعلومة التي تستطيع أن تتحدث بها، ولديك المهارات الاجتماعية التواصلية.

سادسًا: لا بد أن تقوم بأعمال تطبيقية – مهمة جدًّا – ومن هذه السلوكيات التطبيقية: الصلاة مع الجماعة في الصف الأول بقدر المستطاع، الإصرار على مشاركة الناس في كل مناسباتهم، كما فعلت في الحادثة التي تحدثت عنها، وإكثارك من هذا التعريض والتعرض سوف يجعل القلق والخوف الاجتماعي ينحسر تدريجيًا حتى يتلاشى تمامًا.

سابعًا: الأنشطة الاجتماعية الأخرى مثل: أن تمارس رياضة المشي (مثلاً) مع مجموعة من أصدقائك، هذا يتيح لك فرصة عظيمة جدًّا من أجل تطوير مهاراتك الاجتماعية.

ثامنًا: أنا سعيد أن أسمع أنك بار بوالدتك، وهذا ذخر لك -إن شاء الله تعالى- ووسيلة لأن تجلب لك التوفيق في الدنيا والآخرة، واهتمامك بأسرتك لا شك أنه دليل على سمو أخلاقك وحسن سلوكك، فمثل هذه السمات والصفات يجب أن تكون محفِّزًا إيجابيًا لك.

تاسعًا: بالنسبة للعلاج الدوائي، كما ذكرت لك بعد التأكد من فحوصاتك الطبية وأنها سليمة يمكن أن تتناول دواء يعرف باسم (زيروكسات Seroxat) هذا اسمه التجاري، ويعرف علميًا باسم (باروكستين Paroxetine) ابدأ في تناوله بجرعة 12.5 مليجرام ليلاً بعد الأكل لمدة شهر، وإذا سبب لك الدواء أي نوع من الأرق أو عدم الارتياح في النوم فهنا تناوله في أثناء النهار.

بعد انقضاء فترة الشهر اجعل الجرعة خمسة وعشرين مليجرامًا، وبذلك تكون انتقلت من الجرعة التمهيدية - أي الجرعة البدائية - إلى الجرعة العلاجية، وهي خمسة وعشرين مليجرامًا يوميًا من الزيروكسات CR ، وهذه الجرعة تستمر عليها لمدة أربعة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى 12.5 مليجرام يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم 12.5 مليجرام يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم 12.5 مليجرام مرة واحدة كل ثلاثة أيام لمدة شهر آخر.

وبذلك نكون قد اتبعنا النمط العلاجي الدوائي الصحيح من دواء يعتبر فعالا وممتازا وسليما، وقطعًا انتظامك في العلاج وبالجرعة الصحيحة وبطريقة منضبطة هو الطريق الأسلم للحصول على الفائدة المرجوة من هذا الدواء.

أخي الكريم: أريدك أن تأخذ هذه الرزمة العلاجية كلاً لا يتجزأ، بمعنى أن الإرشادات السلوكية مهمة وكذلك العلاج الدوائي مهم، وكلها مكمّلة لبعضها البعض، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وأشكرك على ثقتك في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً