الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبواي فضلا عليّ أخي الأكبر منذ الصغر وحتى الآن، فكيف أتصرف؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

لدي مشكلة معقدة بسبب أخي الأكبر، وهي باختصار: أن لي أخا قد ولد قبلي في الترتيب، فصرت أنا بالطبع الثاني، أما الأول فهو ما يكنى به الأبوان -وهو الكبير- مدى الحياة، وأنا الصغير مدى الحياة، وهو الذي يعرف أكثر، وهو المسموع كلمته لأنه الأعقل...إلخ، حتى وإن كان الواقع عكس ذلك, ولأن والدي تفانيا في تدليله والإغداق عليه فتفنن هو في اقناعهما والسيطرة عليهما، وأكل أموالهما بغير حق، حتى إنه تزوج بدون علمهما مرة، ثم حدثت مشاكل فتم الطلاق، فسامحاه فعاود الثانية بعلمهم، ولكن بدون رضاهم، وكل ذلك يغفر له وغيره الكثير والكثير.

أما عني فقد أهملني أبي منذ الصغر، وعاملني بقسوة وإهمال شديد، وكأنني عبء وعمد هو وأمي لربط عربة حياتي خلف عربته، فعمد هو إلى تدميري بلسانه ويده مما أصابني باليأس والإحباط، وقضى على قدراتي ومواهبي، فتقدم بي العمر وأنا في غفلة أطيع أبوي كالأعمى من أجل راحة الأخ الأكبر (الذي ليس في الكون مثله)، حتى توفي أبي -رحمه الله وأموات المسلمين-، منذ أكثر من عام، فبدأت أستفيق من سبات عميق طويل، لأجد نفسي في منتصف الثلاثينات من عمري وغير متزوج و..و...، وقد التهم أخي أكثر من نصف ما ترك أبي، هذا مع دعوات أمي بالتوفيق والنجاح له ولأولاده، ولا يعامل إلا بالحسنى.

أما أنا -المتحمل لمسؤوليتها هي وأخي الأصغر- فلا أتلقي غير النهي وتكسير الهمة، فلا أخفي أنني بدأت أكره أبي الذي أهمل حتى النصح إليّ، وحملني هم فقره، وبث إلى كآبته في الوقت الذى كان لا يدخر جهدا ليوفر فيه كل احتياجات أخي، ويسخرني لمساعدته وإلا غضب عليّ (فرضى الأب من رضى الرب - ومن السنة النبوية المطهرة : أنت ومالك لأبيك....).

بدأت أكره أمي التي لا أجد في تاريخ علاقتنا غير سوء التفاهم، وهي العامل الأكبر في إهانتي أمام أقراني، ومن هم أصغر وأقل مني، ولا تدخر جهدا في مهاجمتي ليلا ونهارا، وتأبي تماما تغيير طبعها معي ( وكأن الأمومة ضعف) مع أني اهتممت بالحفاظ على البيت، وعليها هي وأخي بمالي ووقتي!

الأهم هو: أنني لم أعد أطيق هذا المدعو أخي (المولود قبلي) ولم يعد عندي أي نية في تضييع أي وقت حتى للاستماع إليه، ولا أفكر سوى في إعادة بناء مستقبلي الذي أراه قد أوشك على الفناء، وبالطبع هذا القرار لن يعجب أمي.

هل أنا أخطأت في طاعة والدي إلى هذا الحد، أم أن عمرى لم يضع سدى؟ ما هي حدود تدخل أمي في تحديد ما بقي من حياتي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ صلاح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الموقع، ونشكر لك حسن العرض للاستشارة، ونؤكد لك أن الوالدة وأن الوالد – رحمه الله تعالى – لم يحالفهم الصواب عندما دللوا الأخ الأكبر على حسابكم، وقد أحسنت في حسن تعاملك معهم حتى مضى الوالد إلى الله – نسأل الله أن يغفر له وأن يرحمه – وأنت ولله الحمد رغم الصعوبات وصلت مرحلة تستطيع أن تعتمد فيها -بعد الله- على نفسك، فلا تحاكمهم بما مضى، واسأل الله لهم المغفرة.

لا مانع الآن من أن تبحث عن مصالحك، وكن مستمعًا جيدًا للوالدة، وافعل ما يُرضي الله أولاً ثم ما يحقق لك المصلحة، فليس من الضروري أن تظلم نفسك لتعين الآخرين، ولكن لا مانع من أن تنفع نفسك والآخرين، وأرجو أن تأخذ الأمور بمنتهى السهولة، ولا ننصح بالدخول في مواجهة مباشرة وخصام مباشر مع الوالدة، ولكن لا مانع من أن تحتال وتخطط، وتسعى في مصلحة نفسك، وتساعد الوالدة أو غيرها من الأرحام بقدر ما تستطيع، لكن لا تكلف نفسك فوق طاقتها، واعلم أن الإنسان إذا أدى ما عليه – وإن لم ترض الوالدة – فإن الله غفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحًا، وهو القائل بعد آيات البر: {ربكم أعلم بما في نفوسكم} من البر والإخلاص والصدق {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورًا}.

نسأل الله لك التوفيق والسداد، ونتمنى أن تسعد في بيتك، ولا ننصح بالانقطاع عن الوالدة، وإنما زيارتها وتوفير احتياجاتها من حين إلى آخر.

ونشكر لك هذا الحرص، وهذه الروح التي دفعتك للسؤال، فهي دليل على الخير الذي فيك، ونتمنى ألا تيأس من الأخ الأكبر خاصة في جانب الدعوة إلى الله والنصح له، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً