الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شح والدي في الدعم العاطفي جعلني عاجزة عن الاندماج مع الناس

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعاني من الخوف الشديد من أبي، وذلك لأنه عصبي جداً، خصوصا عندما كنت صغيرة لم أكن أتلقى منه إلا الصراخ والانتقاد، وأمي لم تكن تستطيع الدفاع عنّا أو حتى مواساتنا، دائما نحن مخطئون وأبي هو المحق بالنسبة لها! بعد أن كبرت لم تعد معاملة أبي لي بتلك الحدّة، بل إنه يحاول التقرب مني أكثر الآن، لكني أتوتر كثيرا عند الحديث معه وأتمنى أن أنهي الحوار بأسرع وقت، وحتى أني لا أستطيع النظر إلى عينيه!

إضافة إلى أنه وفي عمر المراهقة حدثت بيننا بعض المواقف، والتي أسيء فهمي فيها، مع أنها بسيطة وانتهت إلا أني لا أزال متأثرة بها. وعندما كنت صغيرة لم يشعرني والداي بطفولتي كغيري من الفتيات في سني، كانا يدللانني ويعملان جاهدين لإسعادي لكن بطريقتهما، بأشياء لم أكن أحبها ولا أستمتع بها، مرات قليلة هي التي أذكر أني حظيت بالمرح بالشكل الذي أحبه.

أنا أقدر لوالديّ كل ما يفعلان من أجلي ومن أجل إخوتي، وأقدّر أنهما تربيا في بيئات لم تنعم بذلك القدر من الترف -إذا صح أن نقول- لكي يمتدّ إلي من تربيتهما تنمية استقلالي وهويتي، وجعلي قادرة على فهم نفسي، أكثر ما يهتمان به هو أكلنا وغذاء أجسادنا، أما غذاء الروح فهو ترف زائد لا يحرصان عليه، ومع وجود شخصية لا تجيد التعبير عن نفسها مثلي، فمن الصعب أن يصل لهما ما يضايقني أو يفرحني حتى!

ما يضايقني أكثر في هذه الفترة، هو أن والديّ يعاملانني كطفلة حتى الآن بينما أنا أصبحت في الجامعة وأتحمل مسؤولية نفسي، لكن في نظرهما أنا دائما صغيرة وعاجزة عن تدبير أمري حتى في أتفه الأشياء من حولي. أنا أحبهما وأسأل الله لهما جنته على ما قدماه لي ولإخوتي، ولكن كل ما ذكرت أثر على شخصيتي وجعل بيني وبين أهلي وإخوتي وأقربائي مسافات شاسعة، لم أعد أستطيع الاندماج مع أحد.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على الكتابة إلينا، مع شيء من الفضفضة عما مرّ معك في طفولتك وحياتك حتى الآن.

لا تستغربي أن هناك الكثير من الآباء والأمهات ينظرون إلى أبنائهم وبناتهم على أنهم أطفال صغار ولو بلغوا الجامعة وسن الرشد! لا شك أن النيّة حسنة في معظم الحالات، إلا أن الوعي ومهارات التربية قليلة، ويبدو أن هذا واضح لك ولذلك فأنت مازلت تدعين لوالديك بالجنة والخير، بالرغم من اعتراضك على طريقة تربيتهما، وبالذات حرمانك من الرعاية العاطفية.

أطمئنك أن غالبية الشباب والشابات ممن حرموا العاطفة في الطفولة ينمون ويكبرون ويتجاوزون ما حرموا منه، أو بسبب عوامل المناعة والقوة التي وضعها الله في الأطفال والشباب، وثانيا: بسبب النضج المعرفي والعاطفي الذي يمرّ به هؤلاء الشباب، حيث يعوضون ما فاتهم من خلال العلاقات الأسرية الأخرى كالإخوة والأخوات، وعلاقات الصداقة الطبيعية التي تنشأ بينهم وبين من حولهم.

وثالثا: أن الكثير من آباء هؤلاء الأطفال قد يتغيّرون ولو قليلا في طريقة تعاملهم مع أولادهم الذين أصبحوا في سن الشباب.

وأخيرا: بسبب سير الكثير من هؤلاء الشباب إلى مرحلة الخطبة والزواج التي يمكن أن يعوضهم عن الحرمان العاطفي الذي مرّوا به في الطفولة.

حاولي أن تركزي على جوانب القوة في شخصيتك وفي حياتك، فهذه العوامل مع توفيق الله تعالى لك وقوة التعلق به تعالى، كل هذا سيعينك ويحملك من الحال الذي أنت فيه إلى حال أفضل. تابعي رعاية نفسك وتنمية مواهبك وقدراتك، وتابعي دراستك كما تحبين وتتمنين.

أرجو أن تقرئي جوابي هذا عدة مرات، وخاصة حول مصادر التعويض العاطفي، وحاولي أن تفكري في كيف يمكنك الاستفادة العظمى من هذه المصادر المختلفة؟

وفقك الله ويسّر لك الخير والفلاح.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً