الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنا في حيرة بين الإدمان على الزيروكسات أو المعاناة من احمرار الوجه غير المبرر عندما أُسأل!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي الدكتور العزيز، اتّبعتُ قبل خمس سنوات وصفة علاج من موقعكم -الشبكة الإسلامية- التي أفادتني كثيرًا -ولله الحمد-، وكنت أعاني من مشكلة احمرار الوجه غير المبرر عند أي ظرف يصيبني، مثل: أن أكون بقاعة محاضرات، ويوجه لي الدكتور سؤالًا، أو أكون بمجلس، ويوجه لي أحد الضيوف سؤالًا عن الحال، أو عند ما يسلَّط عليّ الضوء في أي حال من الأحوال، وكان هذا الأمر صعبًا جدًّا عليّ، حينما يشاهد الجميع احمرار وجهي الغير مبرر، وأودّ أن تنشقّ الأرض وتبلعني ولا يراني أحد بهذا الموقف! ويزيد الأمر صعوبة في نفسي، حينما يكون الاحمرار ليس له داعٍ أصلًا.

عانيت كثيرًا من هذا الاحمرار، لدرجة أنني تركت الدراسة بسبب الاحمرار فقط، مع العلم أنني شخص اجتماعي، وأحب أن أخالط الناس، وأذهب إليهم، وأتكلم معهم بكل عفوية، وأشارك مع المحاضِر برغبة كبيرة مني للمشاركة وإثبات وجودي في القاعة، لكنْ حينما يحمرّ وجهي، يضع لي حواجز في حياتي مع الكل، وأكثر ما أحزنني، أنه أعاقني عن إكمال الدراسة.

أنا لا يوجد لديّ رهاب اجتماعي، أنا فقط يحمرّ وجهي، وبعض الأحيان أجد صعوبة وضيقًا في التنفس فقط لا غير، وليس كما قرأت عن أعراض الرهاب الاجتماعي، ومنها: عدم الرغبة بمخالطة الناس، بالعكس تمامًا، أنا أشارك الجميع.

قبل خمس سنوات، وضعت استشارتي بموقعكم، وأفادني أحد الدكاترة بوصفة علاج، وهي استعمال دواء (الزيروكسات 20)، نصف حبة، لمدة شهر، ثم أرفع الجرعة إلى حبة واحدة، لمدة شهرين، ثم أرفع الجرعة إلى حبة ونصف، لمدة شهرين، ومن ثَمّ أرفعها إلى حبتين، لمدة ستة شهور، ثم نزّلتُها تدريجيًّا كل شهرين نصف حبة، إلى أن أنهيت فترة العلاج في تلك الفترة.

لله الحمد، تحسنتْ حالتي أثناء العلاج، وتحسّن احمرار الوجه لديّ بنسبة 80 %، وارتحتُ نفسيًا، لكنْ بعد أن أنهيت العلاج، رجعت حالتي كما كانت في السابق تمامًا، وكأنني لم أستعمل الوصفة من (الزيروكسات) أبدًا.

بعدها اضطررت أن أرجع وأُعيد استعمال الدواء تدريجيًا، وهي نصف حبة لمدة شهر، ومن ثَمّ إلى حبة، وظللت على حبة واحدة منذ سنتين إلى الآن وأنا مدمن على (الزيروكسات)، لا أستطيع أن أتركه، وحينما أقلّل الجرعة إلى نصف حبة، ومن ثَمّ إلى كل يومين نصف حبة تدريجيًا لكي أقطعه، تاتيني علامات الانسحاب، وهي أنني أشعر بصداع في الرأس، واكتئاب، ومزاج سيء جدًا، والأسوء من هذا أنّ الاحمرار يعود كما كان، فأضطر مرة أخرى للعودة للعلاج تدريجيًا، لكي ارتاح من أعراض الانسحاب والاحمرار الذي هو السبب الرئيسي لما أعانيه.

صرت أشعر الآن أنني مدمن على هذا الدواء، وحينما أقطعه تدريجيًا يرجع كل شيء كما كان، وزيادة على ذلك: صداع، وأعراض انسحاب.

منذ أكثر من 5 سنوات وأنا أستعمل (السيروكسات)، ولا أعلم ما هو الحل؟ هل أظل طيلة حياتي مدمنًا على هذا الدواء؟! أريد أن أرتاح من هذا الإدمان، ولكني أعلم بأنه ليس لديّ خيار سوى أنني: إما أن أختار الاحمرار غير المبرر مع صداع ومزاج سيء بسبب االانسحاب أو أظل أستعمل الجرعات من مخدِّر (السيروكسات) مدى الحياة!

أرجو منكم توجيهي، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ nawaf حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

(الزيروكسات) من الأدوية الجيدة والمفيدة، وهو يعالج الاكتئاب والقلق والوساوس والتوترات وجُلَّ المخاوف، وأتفق معك أن هذا الدواء في بعض الأحيان يصعب التخلص منه، هو ليس دواءً إدمانيًا بمعنى الإدمان، لكن التوقف منه يؤدي إلى ما يُعرف بالأعراض الانسحابية، والتي تستمر لمدة أسبوعين إلى ثلاثة بعد التوقف من الدواء، بعد ذلك تختفي تمامًا هذه الأعراض، لكن معظم الناس الذين يتوقفون عن (الزيروكسات) لا يصبرون حتى تختفي الأعراض الانسحابية. هذا من ناحية.

من ناحية أخرى: أنا أعتقد أنّ لديك شيئًا من الرهاب الاجتماعي، والدليل على ذلك، هو استجابتك (للزيروكسات) بصورة جيدة، والرهاب الاجتماعي ليس من الضروري أن يكون خوفًا واضحًا وتجنبًا شديدًا، حتى التغيرات الجسدية الفسيولوجية، هي دليل على وجود شيء من الرهبة والحساسية الاجتماعية، وقطعًا الاحمرار الذي يحدث في وجهك، هو ناتج من سرعة تدفق الدم في الشرايين الصغيرة السطحية.

الذي أود أن أقترحه عليك هو أن تكون أكثر قناعة أنك لست مريضًا، وأن هذا الاحمرار أنت تتصوره بصورة مبالغ فيها، هذا لا يعني أنني أقول لك أنك تتوهم، لا، حاشا أنت لا تتوهم، لكن التقليل من شأنه سوف يفيدك.

الأمر الآخر: أريدك أن تجعل جرعة (الزيروكسات) نصف حبة يوميًا، وفي نفس الوقت تبدأ في تناول (البروزاك)، والذي يعرف باسم (فلوكستين)، دواء رائع جدًّا، ويُحمد له أنه لا يؤدي إلى آثار انسحابية؛ لأن من خاصيته وجود إفرازات ثانوية تظل في جسم الإنسان لمدة سبعة أيام تقريبًا.

إذًا تناول كبسولة واحدة من (البروزاك) ونصف حبة من (الزيروكسات) معًا، استمر على هذا الوضع لمدة شهر، ثم بعد ذلك اجعل جرعة (الزيروكسات) نصف حبة يومًا بعد يوم، وأنت مستمر على (البروزاك)، بعد أسبوعين اجعل جرعة (الزيروكسات) نصف حبة مرة واحدة كل ثلاثة أيام لمدة أسبوعين، ثم توقف عن تناول (الزيروكسات) تمامًا، واستمر على (البروزاك)، وبذلك تكون قد تخلصت تمامًا من مشكلة (الزيروكسات)، وتتناول (البروزاك) الذي هو أيضًا مفيد في علاج المخاوف والتوترات الداخلية، وبعد ذلك استمر على (البروزاك) فقط، ويمكن أن تستمرّ عليه لمدة ستة أشهر، ثم اجعله كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهرين، ثم توقف عن تناوله.

في ذات الوقت يجب أن تكثّف من التمارين الرياضية، وتمارين الاسترخاء، وأنت -الحمد لله تعالى- أصلاً تحب التفاعل الاجتماعي، هذا أمر جيد، فأكثر من تفاعلك الاجتماعي، بشرط ألا تهتم كثيرًا بموضوع احمرار الوجه أو الخوف، وإن أردت أن تقابل أخصائي الجلدية فلا بأس في ذلك، ربما يعطيك نوع من المراهم التي تقلّل من هذا الاحمرار؛ لأنّ – كما ذكرت وتفضّلت – الخوف لديك، ليس هو الشكوى الجوهرية، إنما التفاعل الفسيولوجي، وهذا لا ينفي أن هناك جانبًا اجتماعيًّا، حساسية كانت أو رهبة.

نسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً