الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصابتني صدمة عاطفية بعد انفصال خطيبي عني فجأة.

السؤال

السلام عليكم

مشكلتي حدثت منذ أسبوع، حيث أنني أصبت بصدمة عاطفية عنيفة جدا.

كنت مخطوبة لشخص كنت أحسبه على خلق ودين، وفوجئت بخيانته لي وانفصاله عني فجأة، وبدون أي مبررات، رغم أنني كنت متيقنة جدا من حبه الشديد لي، والذي كان يشهد عليه كل من حولنا.

ظل يغدق علي من حبه واهتمامه حتى أحببته بشدة، وتعلقت به تعلقا شديدا، ولم تكن هناك أي مشكلات، وكنا نعيش في هذه الفترة أسعد أيامنا، حتي فوجئت في الأسبوع الماضي بقراره بالانفصال دون سبب، ثم ارتباطه في نفس الأسبوع بفتاة أخرى.

حدثت لي صدمة عنيفة، وأشعر وكأن قلبي قد انخلع فعلا، حيث أشعر بآلام في الصدر ودوخة وقيء وغثيان، وبكاء دون توقف، وعدم قدرة على النوم، وإذا نمت قليلا تحاصرني الكوابيس والهلوسة!

من رحمة الله بي أنني والحمد لله لجأت على الفور إلى الله سبحانه وتعالى، أبكي وأنتحب على سجادة الصلاة، أصلي وأدعو الله بالصبر، وأقرأ القرآن، ولا أتوقف عن سماعه.

لذلك بدأت أشعر ببعض التحسن والحمد لله، وقد وصف لي طبيب بعض أدوية للمعدة والقولون، وبدأت أشعر معها ببعض التحسن أيضا، إلا أنني ما زالت أشعر ببعض الآلام في الصدر، وبعدم التوازن والإجهاد الشديد والبكاء وصعوبة النوم، ولا أستطيع التوقف أبدا عن التفكير ليل نهار في حجم الخيانة والطعنة التي أخذتها، وعن سعادتهم هم الآن، بينما أنا حياتي تنتهي.

أتخيل أنني أبداً لن أستطيع العودة إلى حياتي وصحتي بشكل طبيعي، وفكرت في أخذ أدوية العلاج النفسي إلا أنني أخشاها بشدة، نظرا لما سمعته كثيرا عن أعراضها الجانبية وإدمانها.

ماذا أفعل؟ وهل من الممكن أن أسترد صحتي يوما ما أم ماذا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أيتها -الفاضلة الكريمة-: أسأل الله تعالى أن يهب لك الزوج الصالح ويعوضك عمَّا فقدته، وأنا من جانبي لديَّ وجهة نظر قد تكون مختلفة بعض الشيء، وهي أن الذي حدث لك - إن شاء الله تعالى - فيه خير كبير وخير كثير، ونحن نعرف بدقة علمية شديدة أن خمسين إلى ستين بالمائة من العلاقات التي تتكون ما بين الشباب والشبات ليست علاقات جادة وليست رصينة، وغالبًا لا تنتهي بالزواج، النسبة عالية جدًّا.

ما أسميته بالخيانة لا أعتقد أنها خيانة، أعتقد أن هذا الرجل - مع احترامي الشديد له - أصلاً لم يكن جادًا، أنت كنت جادة ومتطبعة بصورة مختلفة جدًّا، فالذي أرجوه منك هو أن تنظري للأمور بعقلانية، وهذا الموضوع أصلاً لو كان فيه خير لتمَّ وانتهى بالزواج، وبما أنه يفتقد الخيريَّة فاختار لك من بيده الخير -وهو الله سبحانه وتعالى- ألا تستمر هذه العلاقة.

لا تأسي على ما فاتك، لأنه أصلاً لم يفتك شيء، الذي فاتك قد يكون هو الشر، والذي بقي لك قد يكون هو الخير، قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}. فانظري للأمور بهذا العقل.

تجربتك هذه -أيتها الفاضلة الكريمة- يُستفاد منها، يُستفاد منها بالنسبة لك ولغيرك، بالنسبة لك: يجب ألا تتكرر مثل هذه الأمور أبدًا، لا تبنِي علاقات على هذه الشاكلة، دعي الأمور تأخذ نطاقها الشرعي، من أتاك ليتواصل معك يجب أن يعرف أنه من الضروري أن تستأذني والديك، وألا تطول فترة الاتصالات هذه أبدًا، هذا مرفوض ومبغوض، ومن الواضح أن الإنسان الذي يريد أن يتزوج الفتاة الفطنة تعرفه من أول يوم، أما الذي يريد أن يتلاعب ويتنقل من فتاة إلى فتاةٍ في معرفته فهذا ليس أمرًا جيدًا.

كوني قويّة، كوني صلبة، وتذكري أن الذي حدث لك -إن شاء الله تعالى- فيه خير بكثير، فرُّب شرٍّ -نحسبه كذلك- جاء وراءه الخير، ورُبَّ خيرٍ -نحسبه كذلك- جاء من ورائه الشر.

ليس هنالك ما يدعوك للأسى وصعوبة النوم والبكاء الشديد، لا أريدك أن تكوني ضعيفة، لا أريدك أن تتناولي أي حبوب نفسية، حيث إنك لست مريضة، نعم هو تفاعل إنساني وجداني، هذا نُقدِّرْه تمامًا، لكن إذا ارتفعت بعقلك وسموت بمنطقك هذا الذي بك سوف يزول تمامًا.

عيشي الحياة بقوة وثقة، املئي وقتك بما هو مفيد، تواصلي مع صديقاتك، والحياة لا تسوى وجود شخص خدعك أو لم يكن صادقًا معك.

احرصي على صلاتك، وتلاوة قرآنك، وكوني بارة بوالديك، واسألي الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح الذي يعوضك عمَّا فقدت، ويسعدك وتسعدي معه.

بارك الله فيك وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً