الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد إصابتي في إحدى المشاجرات تأثرت نفسيا.

السؤال

السلام عليكم

أنا شاب مسلم، ملتزم بديني -والحمد لله-.

كنت شغوفا بالعلم بدرجة عالية جدا، فتفوقت في دراستي، وكنت الأول دائما حتى الماجستير، ورزقني المولى بالتيسير والتوفيق في كل شيء، حتى أني لم أكن أخشى شيئا: لا فقر، لا أي شخص، حتى أنني أعفي لحيتي في بلد يتم التضييق فيه على الملتزمين، ولم أتعرض لأي مضايقة قط. كان الجميع يهابني ويقدرني، ورزقني الله بقوّة وشجاعة تصل إلى العنف في بعض الحالات.

مؤخرا أنكرت على أحد الناس سب الجلالة؛ فتطورت إلى عنف شديد، أصبت فيها بجروح بالوجه، واعوجاج بالأنف، في بادئ الأمر عدت إلى المنزل وصلّيت ركعتين لله، ثم عدت؛ لأنتقم من الذين تشاجرت معهم فلم أجدهم، ثم لا أدري ما أصابني، حيث أصبح الجميع يشمت بي، ويلمزني سرا وجهرا، حتى أصحابي وجيراني، حتى في المسجد كثر الهمز والتغامز؛ فتعكرت حالتي النفسية جدا، وشعرت بالمهانة لأول مرة، حتى إنني فكرت في قتل أحد الذين يستهزئون بي، انقطعت -ولأول مرة- عن بعض الصلوات في المسجد، ثم -والحمد لله- غيرت المسجد.

فجأة أصبحت حياتي جحيما، أصبحت أكره كل شيء، أخاف من كل شيء، ففقدت عملي، وتنكر لي الناس حتى أهلي، وتعكرت حالتي المادية، وفقدت القدرة على التركيز في أي شيء، وانحطت همّتي من تحرير بيت المقدس إلى مجرد العيش بأمان.

كأن الماضي كان حلما، وكأن الله أراد أن يكشف للناس عن شخصيتي الوضيعة التافهة، وفي الأخير قابلت الذين تشاجرت معهم، فلم أجرؤ حتى على القصاص منهم.

أشعر كأن الله غاضب مني؛ لأنني لم أقتص من الذين تشاجرت معهم، وأنني شوهت صورة الملتزمين بأنهم جبناء، خاصة أن الذين تشاجرت معهم هم من الفساق.

تحسنت حالتي قليلا بعد أن واظبت على قراءة القرآن، لكنني لست قادرا حتى الآن على التركيز على أي شيء، تكثر علي الوساوس خاصة في الليل، وأبدأ بالبكاء المر كأنني طفل صغير، ورغم مرور 6 أشهر، لم أستطع استعادة نفسي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ zied حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على التواصل معنا على هذا الموقع، وأكيد أن المرحلة السابقة لم تكن سهلة أبدا، أعانك الله، ويسّر لك الخروج من هذه الحالة، والعودة لما كنت عليه.

أمران أفكر فيهما، مما يمكن أن يفسر أو يشرح ما حدث أو يحدث معك الآن.

من الواضح أنك أصبحت الآن شديد الحساسية، وخاصة لأي شيء يصدر من الناس عنك، وربما أنت الآن تُرجع كل ما يقولونه أو يشيرون إليه على أنه موجه نحوك، وليس هذا بالضرورة، فعليك أن تقلل من حساسيتك من الناس وكلامهم، وأن تدع الخلق للخالق.

الأمر الثاني: أنك تعاني مما نسميه عادة بالصدمة النفسية، حيث تعرضت -كما يبدو- لحادث ليس بالقليل، مما أصابك ليس فقط في جسمك، وإنما أيضا في نفسك وكبريائك، بعد أن كنت -كما وصفت في سؤالك- مما أنعم الله به عليك من البسطة في العلم والجسم.

الوقت خير معين للإنسان على تجاوز ما يمكن أن يكون قد مرّ به، كما يقولون، فأعط نفسك بعض الوقت للتعافي مما حدث، ماديا ومعنويا، وخلال هذه المدة، حاول قدر الإمكان أن تنسَ ما حصل، ومن قام بهذا العدوان، والتفت لنفسك بالرعاية والنقاهة، وأرجو أن تبتعد عن أي فكرة تعرض فيها نفسك والآخرين للأذى.

وإذا كان لا بد من اتخاذ إجراء ما في المستقبل، فليس إلا تقديم الشكوى للشرطة؛ ليأخذ العدل مجراه، وخاصة إذا شعرت أن هناك قضية يمكنك أن تربحها.

وتذكر قول المولى تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}، فحياتك وطموحاتك وأحلامك... أهم من هؤلاء الذين قد لا يأتي من متابعة أمرهم إلا تضييع الوقت والجهد.

وفقك الله، وأعانك على تجاوز هذه المرحلة، وربما فيما جرى بعض الدروس، يفيد أن نتعلمها.
+++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة د/ مأمون مبيض استشاري الطب النفسي، وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
+++++++++++++++++++++++++++++++++
مرحبًا بك -أيهَا الولد الحبيب والأخ الكريم- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى لك العافية، وأن يثبتنا وإياك على الحق حتى نلقاه -سبحانه وتعالى-.

نحن من الناحية الشرعية نُوصيك -أيهَا الحبيب- بأن تُهوّن على نفسك، وألا تُعطيَ ما حصل لك حجمًا أكبر من حجمه، فكثيرٌ من الناس يُبتلى ويُصاب ببعض المصائب بسبب دينه، لا سيما بسبب إنكار المنكرات، وقد ذكر لنا ربنا -سبحانه وتعالى- وصيَّة لقمان الحكيم لابنه، إذ قال له: {وأْمُرْ بالمعروف وانهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}.

فعادة ما يقترن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالإصابة بما يكره الإنسان في بدنه، أو ماله، أو ولده، أو غير ذلك، وليس هذا دليلاً على ضعفك، ولا على نزول مكانتك، فلا تدع للشيطان وسيلة وسبيلاً إلى قلبك؛ ليملأه بالحزن، فهذا غاية ما يتمناه، كما أخبر الله عنه بقوله: {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا}.

فما تعرضت له احتسبه عند الله تعالى من جُملة البلاء الذي تعرضت له من أجل الله، وينبغي أن تجعل هذه الحادثة نقطة تحول في حياتك؛ لتزيدك بصيرة، وتوسِّع مداركك وفهمك للأمور، وكيف تُؤتى، فربما كنت في حالة من عنفوان الشباب وقوته، فأراد الله تعالى لك الخير بأن أوقعك في مثل هذا الحادث، وهو يسير إذا ما قارنته بمصائب كبيرة أكبر منها.

فاتخذ من هذه الحادثة وسيلة للاستفادة، ومعرفة كيفية طرائق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيف يُؤتى الناس، وما الذي ينبغي أن يُفعل إذا رُؤيَ المنكر، لا أن تجعل ذلك سببًا للإحباط واليأس، ولا تبال بنظرات الناس، هذا على فرض أنهم فعلاً يلْمزونك أو يتنقصونك، ونحن لا نظن ذلك، ولكن على فرض وقوع ذلك فلا تبال بهم، ما دمت تفعل ما يريده الله تعالى منك ويُحبه منك.

وينبغي أن تتعلم -أيهَا الحبيب- وسائل إنكار المنكر ومراتبه، ومتى يتعين على الإنسان أن يسكت إذا رأى المنكرات، ومتى يتكلم، وبهذا تدخر قوتك بالعمل المثمر النافع الذي تنفع به نفسك وتنفع به أمتك ودينك.

نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يتولى عونك، وأن يُجزل مثوبتك، وأن يعجل لك بكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً