الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبت بالإحباط وقلة الثقة بالنفس بعد أن تركني أحد الشباب، فما العمل؟

السؤال

السلام عليكم

إخوتي في الله: لم أجد أحدا من بعد الله يسمعني غيركم، أشعر بوحدة كبيرة في حياتي وفراغ كبير بعدما أنهيت المرحلة الثانوية، ولم يتسن لي دخول الجامعة بعد؛ لظروف الحرب في بلدي ثم السفر بعد ذلك.

بدأت بنشاطات أساعد فيها الناس على قدر ما أستطيع، ولله الحمد توفقت في ذلك، ودائما ما أسمع دعواتهم لي. لكني للأسف في اكتئاب دائم، صديقتي المقربة جدا والوحيدة تخلت عني، وليس لي علاقات بالغربة سوى عائلتي، حياتي بشكل عام أني دائما ما أساعد الناس ولا أحد يساعدني، وأسمعهم ولا أحد يسمعني، وأخفف عنهم ولا أحد يهتم لأمري، هل لي أن أعرف السبب؟ لماذا أشعر بأن الدنيا تحاربني وأبوابها مقفلة بوجهي؟ لم أستطع إكمال الدراسة ولم أتزوج رغم أن معظم صديقاتي تزوجن وأنا على هذه الحال منذ ثلاث سنوات.

جدير بالذكر أن أخبركم أن إرادتي ضعيفة جدا لا أعرف لماذا؟! لم أقدم على شيء وأكملته تماما، وثقتي بنفسي معدومة كذلك، وأنا في الأصل أخذت دواء يساعد على التركيز؛ لكي أنجح في الثانوية ولكني نسيت اسمه، ومنذ فترة أخذت دواء فافرين ولم يفدني كثيرا، والآن أشرب لوسترال وأشعر بتحسن لكن ليس كثيرا، وكثيرا ما أبكي بلا سبب وأُحبط فجأة.

تعرفت على شاب على الإنترنت -ويعلم الله أني لم تكن نيتي سوى الحلال، وأن أملأ الفراغ العاطفي الذي أشعر به بالزواج- ولكنه تركني لعدم توافقنا وخطب غيري، وأنا إلى الآن أراقبه على وسائل الاتصال، وهذا يضايقني كثيرا، وكثيرا ما يراودني أن أعود للتحدث إليه، ولا أعرف كيف أتخلص منه وأزيله من قلبي وعقلي؟.

دعوت الله كثيرا أن يكون من نصيبي، وابتعدت عنه بالحرام؛ لكي أُرزق به بالحلال، ولكن لم يحدث شيء سوى أنه تركني وخطب غيري.!

أريد منكم الدعاء فأنا بأمس الحاجة إليه، وأريد النصيحة، ماذا أفعل؟ ولماذا لم يستجب الله دعائي؟! أنا متعبة جدا ومحبطة، وأشعر بوحدة قاتلة وكسل شديد، وأرجو إن كان هناك دواء يساعدني أن تعطوني اسمه؛ لأنه من الصعب الذهاب لطبيب في هذه الفترة.

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زهرة حفظها الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أيتها الفاضلة الكريمة: أنت لست مريضة مرضًا يُعالج دوائيًا، كل الذي بك هو الهشاشة النفسية، افتقاد الثقة في الذات، وشيء من السلبية في التوجُّه والتفكير ونمط الحياة، وهذا يُعالج من خلال الإصرار والتصميم على أن تكوني يدًا عُليا، على أن تكوني ذات همَّة، على أن ترفعي من قدر ذاتك، وهذا يتأتَّى من خلال الإصرار على تقييم النفس بصورة صحيحة، وألا تقعي في أخطاء تعرفين أن نتائجها سلبية.

كوني صادقة مع نفسك، كوني صابرة، كوني صالحة، احرصي على الصلاة في وقتها، كوني بارة بوالديك، عليك بالاهتمام بالشؤون الأسرية، نظّمي نومك، النوم المبكر مهم جدًّا، الاستيقاظ لصلاة الفجر في وقتها، وضع خطة كاملة لإدارة اليوم بصورة صحيحة، لأن هذا هو المفتاح الأساسي لتُديري حياتك، ابحثي عن نوعٍ من التعويض الدراسي بأي طريقة، اسألي الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، ولا تقعي في أخطاء، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع الشباب.

هذا هو المطلوب منك، ليس أكثر من ذلك، لا أرى أن هنالك حاجة لأي نوع من الدواء، والتغيير يأتي من الذات في مثل حالتك، فإن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم.

أيتها الفاضلة الكريمة: أنت صغيرة في السن، وحتى إن ضاع منك أو من عمرك بعض السنين فالمستقبل أجمل، والحاضر أفضل، وكوني صارمة وصادقة مع نفسك في أنك أنت الذي يجب أن تتغيري، وهذا ممكن جدًّا بشيء من الترتيب على الأسس التي ذكرتها لك.

والأمر واضح جدًّا، ليس هنالك مرض طبي تعانين منه حتى تعتمدي على الأدوية، لا أعتقد أن هنالك حاجة للفافرين أو للسترال، أمرك في المقام الأول يتعلق بترتيب أمورك بصورة أفضل، وإدارة حياتك بصورة أكثر إيجابية، وهذا ممكن ومتاح، لكن التغيير يأتي منك أنت.

أرجو أن تعيشي على الأمل والرجاء، مع الاجتهاد والجدية في التغيير.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
+++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة د/ محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان،
وتليها إجابة الشيخ/ موافي عزب مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
+++++++++++++++++++++++
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يُفرِّج كربتك، وأن يقضيَ حاجتك، وأن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة- فالذي يبدو أنك في حاجة إلى تغيير حقيقي تُدخلينه على حياتك، فأنت لم تذكري شيئًا يتعلق بعلاقتك مع الله تبارك وتعالى أكثر مما أنت عليه، ولذلك أنصحك بداية:

أولاً: أن تجعلي لك وردًا من القرآن الكريم يوميًا، وأن تحافظي على ذلك، وكلما زدت من قراءة القرآن تحسّنتْ حالتك بنسبة عالية وبطريقة ملحوظة ومركزة، وهذا أمرٌ مجرب، لأن الله تبارك وتعالى يقول: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.

ثانيًا: كم أتمنى أن تفتحي بابًا أيضًا على بعض القراءات الهادفة، وليكن في قصص الأنبياء وقصص الصالحين، في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياة صحابيات، تستطيعين أن تُدخلي على نفسك نوعا من التغيير العلمي، لتقوم بتغذية روحك وعقلك بأشياء جديدة مُنشِّطة، لأن هذه الأشياء تُنشط الذاكرة حقيقة، وتُعيد للإنسان توازنه الروحي.

فأنا أنصح بقراءة وردٍ من القرآن يوميًا، ثانيًا على ذلك قراءة شيء من القصص المفيد، لأن نفسك الآن أشبه ما تكون مجروحة أو متهالكة، فتحتاج إلى نوع من إعادة نسيجها من جديد، ولن يُعيد نسيجها ولن يُعيد إليها أمنها واستقرارها إلا كلام الله تبارك وتعالى وكلام النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

لذا أنا أنصح –باركَ الله فيك– بوردٍ من القرآن يوميًا، وكلما زادتْ مدة القراءة زاد النفع، الأمر الثاني: قراءة شيء من السِّير أو سير النساء الصحابيات، حتى تشعري بأنك تعيشين مع مجتمع آخر، ما دام الكل يتنكر لك، وما دمت تقدمين المساعدة ولا يُقدم لك أحد أدنى مساعدة، وما دمت تضحين من أجل الناس ولا يُضحي أحد من أجلك، فتعاملي مع هؤلاء الأحياء، الذين يُعطونك ولا يأخذون منك شيئًا، حتى تعوضي هذا الأمر. أنت الآن تقدمين ولا تأخذين شيئًا، هؤلاء الأخيار الأبرار من صحابيات النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمهات المؤمنين أو حتى من الشخصيات الإسلامية سيعطونك ولا يأخذون منك شيئًا، ستجدين علمًا، وتجدين خبرة، وتجدين أُنسًا ومودةً ومحبةً ومعلومات نافعة وسِيرا رائعة، هذه ستنشط نفسك -بإذن الله تعالى- وتُعيد إليك الثقة.

فيما يتعلق بضعف إرادتك وضعف ثقتك في نفسك: هذه مسألة تحتاج إلى أن تبدئي بمشاريع صغيرة تحاولي تطبيقها، ابدئي بمشاريع بسيطة، بإذنِ الله تعالى تنجحين فيها، لا تدخلي في الأعمال الكبيرة لعل نفسك لا تُطيعك في الأعمال الكبيرة، وإنما ابدئي بأشياء صغيرة في مستوى حجمك، كأن تكوني -مثلاً- كما ذكرت الآن، ابدئي كل يوم بنصف جزء من القرآن الكريم، لا تبدئي مثلاً بجزئين أو ثلاثة أجزاء أو أربعة، لأن هذا قد يكون حجمًا كبيرًا وتشعرين أمامه بعدم النجاح والتوفيق فتصابين بنكسة، ولكن ابدئي مثلاً بنصف جزء من القرآن الكريم.

حافظي على أذكار الصباح والمساء ولو بنسبة خمسين بالمائة، ستشعرين بتحسُّنٍ، لأنك أصبحت تحققين إنجازًا. ثم بعد ذلك –كما ذكرت لك– القصص الإسلامي، أيضًا مثلاً قراءة صفحتين، ثلاث صفحات، أربع صفحات، ضعي لنفسك أولاً إطارًا، بمعنى أن تقولي: إن شاءَ الله تعالى سأقرأ فقط اليوم خمس صفات فقط، عندما تقرئينه ستشعرين بنجاح، لأنك وضعتِ سقفًا أعلى ووصلت إليه، مع تكرار هذه الأشياء سوف تقوى عندك ملكة الثقة في النفس والثقة بالذات، والشعور بأنك تحققين إنجازات.

ثم فيما يتعلق بالزواج، الزواج هذا قسمة، رزق من الله تعالى، ليس بيدي ولا بيدك ولا بيد أحد، وقد يتم عقد القران على الفتاة سنوات ورغم ذلك تُطلق قبل الدخول، بل وقد تتزوج ويكون لديها أولاد وتُطلق أيضًا، فهذا كله قدر الله تعالى، ولكن كل الذي عليك أن تسألي الله أن يمُنَّ عليك بالزوج الصالح.

أنصحك بالرقية الشرعية، أو الاستماع إليها عن طريق الإنترنت، خاصة الرقية الشرعية للشيخ محمد جبريل، وهي موجودة بالإنترنت (الرقية الطويلة) حاولي أن تستمعي إليها، لأنك ستشعرين معها بسعادة وسكينة رائعة، وسيحدث عندك نوع من التجدد المذهل في حياتك، وتكونين في أطيب حال.

هذا، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • رومانيا Lamia

    جزاك الله خير كلاااام نافع يثلج الصدررر الله يكتبه في ميزان حسناتك

  • السعودية bebo0o

    الحياة لاتقف عند احد

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً