الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وسواس التكرار والشك وتداخل الأفكار، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم

أنا أعاني من الوسواس القهري منذ مدة طويلة، ولكن مؤخرا ازدادت جدا الوساوس الدينية، حتى أن الأذكار أصبحت مهمة شاقة من كثرة التكرار، وأيضا مشكلة السرحان، وأعني بذلك أنني فجأة أجد نفسي أفكر في أي شيء آخر، وأنسى ما كنت أقوله، ولا أدري ماذا أفعل؟

أحيانا أقول لنفسي: أنا لا أحتاج لكل هذا التكرار، ومرة تكفي، ولكن الوساوس تنتقل من التشكيك في النطق الخاطىء، أو أنني لم أكن أركز فيما أقول، أو عقلي شرد في فكرة أخرى، إلى أن الشيطان هو من يوسوس لي أن لا أكرر، حتى لا أصحح خطئي، وهذا كسل، ولن يقبل مني.

أنا الآن أحس بالضياع، ولم أعد أستطيع أن أفرق بين أفكاري، وأفكار الوسواس القهري، والأفكار التي قد تكون من الشيطان الرجيم، فماذا افعل؟

عندما أقرأ الأذكار، وتذاع في محطة القرآن الكريم مدائح نبوية مثلا، فهل أكمل الدعاء الذي أقوله، أم أتوقف لأصلي على الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟

أعتذر إن كان السؤال يبدو ساذجا، ولكن كما قلت من قبل أنا لم أعد أثق في أفكاري، وأريد التأكد من أنني لا أرتكب أي خطأ، فإن لم أتوقف، قد يكون ذلك خطئا في حق الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وإن توقفت وأنا أدعو الله، قد يكون إساءة أدب مع الله.

وهذا مثال واحد من الأفكار التي تدور في عقلي طوال الوقت عن أشياء قد تبدو بديهية للآخرين، وجزاكم الله خيرا عن كل من تساعدونه من خلال موقعكم الرائع.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Suffering حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك – أختنا العزيزة – في استشارات إسلام ويب، نسأل الله لك العافية من هذه الوساوس، ونصيحتنا لك أن تكوني جادة في مدافعتها، والأخذ بأسباب التخلص منها، وأحسن دواء لها وأمثله هو الإعراض عنها بالكليَّة، وعدم الاهتمام بها، أو الالتفات إليها، وإذا صبرت على هذا الطريق واستعنت بالله -سبحانه وتعالى- فإن الله تعالى سيُذهبها عنك قريبًا.

وما ذكرتيه من شأن الشك في وقوع الأذكار على الوجه المطلوب أو لا، هو نوع من هذه الوساوس، ينبغي ألا تلتفتي إليه، فأدِّي الأذكار بطريقة عادية، ومهما وسوس لك الشيطان بأنك لم تقرئيها بحضور ولم تنطقيها بشكل صحيح أو غير ذلك، لا تلتفتي إليه، ولا تُعيديها لتلك الأسباب، واعلمي أنك إذا فعلت هذا فإنك تتبعين الطريقة التي يُحبها الله سبحانه وتعالى ويرضاها.

وليس من إرضاء الله تعالى اتباع خطوات الشيطان والانجرار وراء وساوسه، وعدم إعادتك للأذكار ليس كسلاً، ولا زُهدًا في العبادة، وإنما هو حرص على تحقيق مرضاة الله تعالى باجتناب خطوات الشيطان، وقد حذرنا الله تعالى في كتابه من اتباع الشيطان وخُطواته، فقال سبحانه وتعالى: {يا أيهَا الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان}.

وأما السؤال الثاني وهو ما ذكرتيه من أنك تكونين مشغولة بقراءة الأذكار ثم تسمعين ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهل تقطعين هذا الذكر للصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- أو لا؟ الجواب: نعم، يُستحب لك في هذه الحالة أن تقطعي الذكر لتصلي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم ترجعين بعد ذلك إلى إكمال الأذكار، وهذا ليس قطعًا لها، ولا مُلغيًا للمتابعة والموالاة فيها، وقد ذكر العلماء أحوالاً كثيرة تعرض للذاكر تسوِّغُ له قطع الذكر ثم العوْدِ إليه، ومن ذلك أن يُسلِّم عليه الإنسان فيردَّ عليه السلام، أو إذا عطس عنده عاطس فيُشمِّتْهُ ثم يرجع إلى الذكر، وكذلك إذا سمع المؤذِّن أجابه في كلمات الأذان، أو رأى منكرًا فينهى عن المنكر، أو نحو ذلك من الأحوال، وهذا الحال الذي أنت فيه من هذا القبيل.

وبهذا يتضح لك أنك -إن شاء الله تعالى- على الطريق الصواب فيما تفعلين، ونؤكد لك ثانيةً ضرورة مُجاهدة النفس للإعراض عن هذه الوساوس وعدم الاكتراث والاهتمام بها.

نسأل الله تعالى لك التوفيق والإعانة.

--------------------------------------------------
انتهت إجابة: الشيخ أحمد الفودعي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
وتليها إجابة: د. محمد عبدالعليم - استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-.
--------------------------------------------------

نرحب بك في استشارات إسلام ويب، ورسالتك واضحة جدًّا، بالفعل نعم أنت تعانين من وساوس قهرية، وبفضل من الله تعالى هي وساوس أفكار، وليست وساوس أفعال أو طقوس أو أنماط، لأن وساوس الأفكار علاجها أسهل كثيرًا من بقية الوساوس.

أحد الإشكاليات التي تعانين منها - وهي تؤدي إلى تدعيم الوسواس – هي أنك تحاورين هذه الوساوس، أنت مثلاً تقولين لنفسك: (لا أحتاج لكل هذا التكرار، ومرة تكفي) هذا أمرٌ جيد، لكن فيه نوع من الحوار الوسواسي، والحوار الوسواسي يُدعم الوساوس، قولي لنفسك منذ البداية: (هذه وساوس حقيرة لن أتبعها، وأنت أيهَا الوسواس تحت قدمي، أنت مُهان، لن أناقشك، لن أحاورك، لن أتبعك). بهذا الحسْم وبهذه الكيفية تكونين قد أغلقت على الوسواس، وهذا يؤدي إلى إضعافها كثيرًا.

إذًا المبدأ العام: هذه وساوس قهرية، يجب ألا تُحاور، يجب ألا تُناقش، يجب ألا تُخضع للمنطق، لأن الوسواس مرض ذكي، إذا حاول الإنسان أن يحاوره أو يناقشه أو يحلله، أو يستقر معانيه العميقة والدقيقة، هنا يتشابك الوسواس ويؤدي إلى المزيد من الوسوسة في جوانب قد تكون غير موجودة.

إذًا العلاج يكون من خلال القهر التجاهلي – كما أحب أن أسميه -.

بالنسبة لدور الشيطان في الوسواس: هذا لا أحد يُنكره، لكن ليس في كل الوساوس، الوساوس الخنَّاسيَّة، وساوس الإغواء، وساوس الشهوات والشبهات، هذه قطعًا شيطانية، ولذا نقول للناس دائمًا: أكثروا من الاستغفار، أكثروا من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، أن يقرأ الإنسان سورة الإخلاص والمعوذتين وآية الكرسي، ويكون لك القناعة أن الله تعالى إذا ذُكر، فالشيطان سوف يخنس ويصبح كالذبابة، وإذا سمع الشيطان الأذان فر وله ضراط.

لكن بعد أن يخنس الشيطان، نحن نرى – وهذا نوع من الاجتهاد العلمي -إن شاءَ الله تعالى- المقبول – هو أن الشيطان ربما يؤدي إلى قذفة كيميائية تؤدي إلى تغيُّرٍ في الموصلات العصبية في الدماغ، وهذه هي التي تؤدي إلى استمرارية الوسواس، وهذا يُحتِّم أن العلاج الدوائي علاج ضروري، وأثبتتْ التجارب أن الأدوية تكسر شوكة الوسواس وحِدتها، وتزيل القلق والتوتر، وأنت من الواضح أن هذا السرحان الذي يأتيك هو جزء من القلق النفسي المصاحب للوساوس القهرية.

أريدك إذًا – أيتها الفاضلة الكريمة – أن تذهبي وتقابلي الطبيب النفسي؛ ليصف لك الدواء، وإن كان ذلك صعبًا – أي الذهاب إلى الطبيب – بعد التشاور مع أهلك، إذا كان عمرك أكثر من عشرين عامًا يمكن أن تبدئي في تناول أحد الأدوية المضادة للوساوس ومن أفضلها عقار يعرف تجاريًا باسم (بروزاك Prozac) ويسمى علميًا باسم (فلوكستين Fluoxetine).

الجرعة هي أن تبدئي بكبسولة واحدة يوميًا بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم تجعلينها كبسولتين في اليوم – أي أربعين مليجرامًا – وهذه هي الجرعة الوسيطة التي تعالج هذا النوع من الوساوس، تستمرين على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، ثم تجعلينها كبسولة واحدة يوميًا لمدة ستة أشهر، ثم كبسولة واحدة يوميًا لمدة شهرٍ، ثم تتوقفين عن تناول الدواء.

إذًا هذه هي المراحل العلاجية، المرحلة التمهيدية، ثم المرحلة العلاجية، ثم مرحلة الاستمرار والوقاية والتوقف التدريجي من الدواء.

التحسُّنِ يبدأ بعد أسبوعين إلى ثلاثة من تناول الدواء، سوف يختفي القلق، يتحسَّن التركيز، تضعف الوساوس، ومن ثمَّ من خلال التحقير الذي تكلمنا عنه وكذلك التجاهل وعدم مناقشة الوسواس سوف ينتهي الوسواس تمامًا بإذنِ الله تعالى.

أيضًا من المهم أن تصرفي انتباهك من خلال حسن إدارة الوقت، هذا أمرٌ جميل جدًّا وطيب ومفيد، تمارين الاسترخاء والتمارين الرياضية أيضًا مفيدة.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • روسيا الإتحادية أشرف شكرا لك

    شكراً لك

  • السعودية نواف

    انا أعاني من تكرار الأحداث مثال في شهر

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً