الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إهمال الزوجة وسوء معاملتها ومرضها والزواج عليها

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

أرجو منكم الرد علي وعدم إهمال رسالتي هذه لما تحمل بين طياتها من معاناتي وألمي!

تزوجت في سن العشرين، ولم يشأ الله أن يرزقني بالأطفال، زوجي هو قريبي، ولكن للأسف فقد أساء معاملتي وإهمالي! فهو لا يهمه غير السهر والخروج والسفر بدون معرفة أي شيء عنه، أو حتى على المكان الذي يسافر إليه! يكذب علي كثيراً، غامض لا يبوح لي بأسراره، أو حتى بأسباب غضبه أو فرحه! صامت، شارد الذهن، لا يتكلم معي إلا قليلاً، أو على رد أسئلتي فقط، وبعد عناء.

لا يشتاق إلى كثيراً، لا يحب المداعبة والمزاح معي! وقته فقط لأصدقائه، فهو يخرج دائماً، أنا لا ألومه، ربما لضيقه من البيت أو مني! المهم أنه تعامله معي محدود، المهم أني الآن تعبانة جداً، سواء تعب جسدي أو نفسي.

بعد عشر سنوات من المعاناة مع زوجي أصبت بالأمراض التالية: قرحة معدة، التهاب قولون، وقرحة قولون عصبي، الكبد الوبائي، تآكل في فقرات الظهر، مع عرق النسا، بالإضافة إلى توتر نفسي حاد مع نوبات هلع مع اكتئاب حاد.

انعزلت عن الناس، وتركت وظيفتي، قدمت استقالتي لعدم تحملي ضغوط العمل والمنزل! ماذا أفعل!؟ أرشدوني! أنا بحالة يرثى لها! فقدت فيها طعم المرح والسعادة، وارتسم على وجهي الحزن والهم! وكسا جسدي الهموم والآلام.

وبعد كل هذا أتى لي زوجي بقرار زواجه من أم لثلاثة أبناء؛ لأنه يشعر بالوحدة بدون الأطفال! وأنا، ألم يفكر بي، وبمرضي، وهمومي، وآلامي ووحدتي!؟ علماً بأن سبب المانع منه، فكيف يفكر بالزواج، وتربية أبناء رجل غيره؟ وأنا ليس لي سبب به.

أرجو منكم مساعدتي! وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هيف حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام، وأعاننا جميعاً إلى ما فيه الخير والرضا.

قرأت استشارتك، ووقفت على مشكلتك كاملاً، وهي تتكون من عدة جوانب، مردها هي المشاكل التي حصلت بينك وبين زوجك، وأول ما أشاركك فيه أن ندعو الله لك في الشهر الفضيل بأن يكتب لك الصحة والعافية، ويحل هذه المشاكل جميعها.

أختي، لابد من عرض بعض الحقائق التي يجب ألا تغيب عن بال المسلم، وهي سنن الله في أرضه التي تسري على جميع عباده الطائعين المؤمنين، وهي سنة الابتلاء والامتحان، فهذه سنن حتمية لا سيما في حياة المؤمنين جميعاً، إذ يقول الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}، ويقول تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ{

ولهذا كلما ازداد إيمان العبد كلما زاد بلاؤه، وكلما أحب الله عبده زاد بلاؤه، والابتلاء يكون بأشكال شتى، منها المرض، والفقر، والعقم، وغيرها، فإذا علمتِ ذلك فاعلمي أنه على قدر صبر العبد على الابتلاء يكون أجره وثوابه، كما جاء في الحديث: ((أكثر الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل))، وهذا ناتجٌ من أن الدنيا في حساب الله لا تساوي شيئاً، فهي ليست دار تمتع، إنما هي دار ابتلاء وامتحان، وقد أراد الله بك خيراً إن شاء الله.

واسمعي إلى هذه الصحابية الجليلة التي كان لها ابتلاء من نوع آخر، جاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الصرع، فقال لها: ((إن شئت دعوت الله فشفاك، وإن شئت صبرت ولك الجنة، فقالت: بل أصبر ولي الجنة، لكن اسأل الله لي إن صُرعت ألا أتكشف، فدعا لها صلى الله عليه وسلم))، ولهذا فإن الحل في مشكلتك أراه في الآتي:

1- بالنسبة للأمراض العضوية، لابد أن تواصلي علاجك مع الأطباء، وهذا واجبٌ عليك حتى لا تلقي بيدك إلى التهلكة.

2- لا أرضى لك هذا الضعف الإيماني، بأن تكوني في حالة نفسية صعبة، تضيق الدنيا في عينيك، وتتحطم حياتك، وتتركي وظيفتك، فهذا انهزامٌ نفسي أمام مشاكل الدنيا، ولا يليق هذا بمؤمنة أبداً، فعليك الرجوع إلى الله فوراً، والتوبة إليه، وأكثري من العبادة، من صلاةٍ وذكر ودعاء؛ حتى يتقوى الإيمان في قلبك، وتؤمني أن كل ما يصيبك هو من الله تعالى.

3- أمرٌ طبيعي أن يحرم إنسانٌ من الولد، وأمرٌ طبيعي أن يتزوج الرجل على زوجته، فهذا الأمر لم يبدأ بك ولم ينته عندك، ولكن على المؤمنة أن تكيّف حياتها، وتعلم أن أكبر المصائب هي المصيبة في الدين لا مصائب الدنيا.

4- لا أبرّر ما فعله زوجك، فقد ارتكب في حقك محرّماً، من عدم العدل، ومن معاملته لك التي لا يجيزها الشرع.

5- الحل العاجل هو الإقبال على الله في شهر رمضان، بكثرة العبادة والدعاء لا سيما عند السجود، حتى يطمئن قلبك بالإيمان، وواصلي برنامجك التربوي بعد رمضان بصيام الست من شعبان، مع المحافظة على نوافل الصلاة والدعاء، وستشعرين إن شاء الله بالطمأنينة والراحة.

6- اتصلي على زوجك بعد رمضان، واطلبي منه أن تجلسا سوياً وتطرحا مشاكلكما، ولا تظهري له غضبك وانزعاجك من زواجه، لكن اطلبي منه العدل، وأن يقوم بواجبه، وأن تفتحا صفحةً جديدة، وتواصلا حياتكما الزوجية، وإن شاء الله سيرزقكما الله ولداً صالحاً، ولا تيأسي من رحمة الله.

وإن لم ينفع الاتصال به، فأدخلي بعضاً من الأهل ليكون في شكل حكم بينكما، ممن تظنين فيه الصلاح والخير.

7- أرى إن كان لك ابن أخت أو ابن أخ أو بنت أخت، فاحضنيهما إن كنت وحيدة لتبددي وحشتك، وإلا إن كنت مع أهلك فأحثك على ملأ فراغك بوضع برنامجين تلتزمين بهما: أولهما أن تلتحقي بأحد مراكز التحفيظ للقرآن وعلومه، والثاني: الالتزام بكثرة العبادة.

ولابد من الرجوع لوظيفتك فوراً، أو البحث عن وظيفةٍ أخرى، كل ذلك لملأ الفراغ.

وفقك الله لما فيه الخير والرضا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً