الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما اقتراحاتكم بشأن المال الذي جمعته من أجل الصدقة؟

السؤال

السلام عليكم.

أريد أن أخرج صدقة بسيطة كل شهر عند أخذ الراتب، وبما أنه مبلغ بسيط فأنا لا أعرف ماذا أفعل به؟ فأنا لا أعرف عائلة فقيرة أعطيها، وأخجل أن أعطي أحدا مالا، فأصبحت أجمعه منذ عدة أشهر، فأرجو أن تعطوني بعض الاقتراحات بهذا الشأن.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ المحبة في الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -ابنتنا الحريصة على الإنفاق والخير- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والسؤال، ونسأل الله أن يبارك في رزقك، وأن يصلح الأحوال، وأن يعيننا جميعا على رعاية المتعفف ذي العيال، وأن يحقق لنا ولك في طاعته الآمال.

فالذي يعطي الناس يسعد نفسه ويسعدهم، والصدقة برهان على صدق إيمان صاحبها، والمؤمنة في ظل صدقتها، فإن كانت ممن تخفيها دخلت -بفضل الله- في السبعة الذين يظلهم ربنا العظيم في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

فهنيئا لك بفكرة الصدقة، والنية بالخير خير، وقد قال عبد الله ابن الزبير ما رأيت أجود من عائشة وأختها أسماء -رضي الله عن الجميع وأرضاهم-، وكان جودهما مختلفا، أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء ثم تتصدق به، وأما أسماء فكانت لا تدخر شيئا ولا تبقي.

ولا عجب فتلك التربية النبوية، وقدوة الناس سيد الناس، رسول رب الناس الذي كان أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان جوده يتضاعف في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وأنت بالخيار في أن تأخذي بطريقة أمنا عائشة، أو بأسلوب أختها ذات النطاقين، وأجد في نفسي ميلا إلى طريقة أسماء -رضي الله عنها-؛ لكون حاجة الفقراء متجددة مع كل شروق شمس، كما أن من تنفق القليل في كل يوم تفوز بدعاء الملكين، فقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان، فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا"، وقال الشيخ بن باز –رحمه الله-: من يتصدق في كل يوم ولو بريال يفوز بدعاء الملكين، ونسأل الله من فضله.

وكم هي عظيمة هذه الشريعة التي تنمي في نفوسنا عناصر الخير، وتؤدب الآخذ والمعطي، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة"، قال العلماء: العادة أن فرسن الشاة -ظلفها- لا يهدى، ولكن في الحديث تربية للمتصدق بأن يخرج ما عنده مهما قل، وتربية لمن يتصدق الناس عليه بأن يقبل ما يأتيه ويشكر عليه.

وأرجو أن تعلمي –ابنتي الفاضلة- بأن الأجر يتضاعف عندما تصيب الصدقة مكانها الصحيح، وسوف تؤجرين على الصدقة وعلى اجتهادك في وضعها في موضعها، فالتمسي أصحاب الحاجات، واعلمي أن أولى الناس بالصدقة متعففة أو متعفف ذو عيال، لا يجد غنى يغنيه، ولا يقوم فيسأل الناس، (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، تعرفهم بسيماهم)، فتحسسي أحوال من حولك من الأقارب والجيران والزميلات، وستجدين أن أن لبعضهم راتبا متواضعا وأعدادا كبيرة من الأطفال، وقد يكون عليهم مصاريف علاج، أو إيجار منزل، فهؤلاء أولى من غيرهم، فليس المسكين الذي يسأل الناس ترده التمرة والتمرتان، أو اللقمة واللقمتان، ولكن المسكين من ذكرنا أحواله، وربما أيضا تجدين فقراء من طلاب العلم، فهم كذلك أولى من غيرهم، وخيرهم على الأمة أكبر.

وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

لقد سعدنا باستشارتك، ونسأل الله أن يبارك لك، وأن ينفع بك، ونكرر الترحيب بك في موقعك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات