الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من العزلة والرهاب وأريد أن أتغير، فساعدوني

السؤال

السلام عليكم

عمري 20 سنة، بدأت مشكلتي قبل 3 سنوات بعد وفاة جدتي التي ربتني، وانتقالي لمنزل والدي في أول سنة جامعية.

تغيرت شخصيتي مع تغير حياتي؛ أصبحت هادئة، قليلة الكلام، منعزلة في غرفتي، امتنعت عن تكوين صداقات في الجامعة؛ لأني سرعان ما أنسحب تدريجيا من أي علاقة بسبب عدم ارتياحي مع الشخص، أشعر وكأن حملا ثقيلا على عاتقي، كيف سأُبلِي جيدا؟ وكيف سأتحدث؟ ماذا أقول؟ هل سأصمد فيها؟ هل سيتقبلونني؟

والمشكلة الأخرى هي عندما يطلب مني عرض تقديمي أمام كل من في القاعة؛ أتوتر ويربط لساني، ولا أستطيع التفكير، هذه حالتي مع الجامعة، أصبحت أشعر بالإحباط الشديد من نفسي، أحزن كثيرا لوحدتي، فأنا بدون الناس غير سعيدة، ومعهم أصبح في جحيم. ولكن لم تكن تلك بمشكلة كبيرة مقارنة حينما وصل بي هذا الحال مع عائلتي بفترة قريبة؛ ففي الاجتماعات العائلية القصيرة لم أجد مشكلة حيث إني أستطيع تمثيل الثقة أمامهم، والتحدث بدون خوف أو رهبة، ثم الرجوع بسرعة لمنزلي ولا أحد يلاحظ.

لكن في عيد الفطر القريب كان اجتماعنا العائلي في استراحة لمدة أسبوع، بالنسبة لي كان كابوسا، بدأت الأربعة أيام الأولى في غرفة مستلقية مع هاتفي، ولا أحضر الوجبات الرئيسية بحجة النوم أو الشبع، وكل من يتحدث معي أكتفي بالإجابة عن أسئلته فقط دون محاولة خلق حديث، لا أنظر مباشرة لعينه، أبدأ بلمس أذني، ويتضح التوتر علي.

مع عزلتي في الغرفة ازدادت المحاولات في إخراجي، وازداد معها توتري، أصبحت أشعر أني محط أنظار الجميع، الكل يتساءل: ما بي؟ عند الحديث مع أحد أشعر وكأن كل الدم يتدفق لرأسي، وكأنه سينفجر، لا أعلم لمَ كل هذه الدراما؟

بعد الأربعة أيام قررت الخروج ومواجهة مخاوفي، ولكن محاولاتي باءت بالفشل؛ لأن الجميع علم بأني أواجه مشكلة، أصبحت نظراتهم تعجبية، وبعضهم ابتعد عني احتراما لرغبتي، أشعر بأنهم يجدونني غريبة أطوار، أو (نفسية)، فاستسلمت، وخلقت عذرا للعودة للمنزل.

اجتمعوا مرتين بعد هذه، ولم أحضرها، وازداد قلقهم علي، والآن أنا خائفة من مواجهتهم، وماذا سأقول لهم عن انتكاستي وانعزالي عنهم؟ كيف سأواجه الأمر وأقنعهم بأني طبيعية؟ كيف سأواجه العروض التقدمية في الجامعة؟ وكيف سأكون صداقة؟

أريد أن أتغير، لا أحب شخصيتي المتقلبة الضعيفة، أكبر مخاوفي أتفه شيء هو مواجهة الناس، وقد قرأت عن الشخصية التجنبية بالصدفة، هل تعتقدون بأنها شخصيتي؟ وماذا أفعل، فكل يوم يزداد حزني؟

أعتذر بشدة عن الإطالة، وأريد مساعدتكم؛ لأني لا أستطيع الذهاب لاستشاري متخصص.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Fay Za Mo حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على أن كتبت لنا بما في نفسك، وأبدا لم تطيلي في السؤال، فكل ما ذكرت أمور هامة يفيد أن نعرفها، أعانك الله ويسّر لك الخير والنجاح.

إن ما تعانين منه ليس ضعفا في الشخصية أو خللا فيك، وإنما هو الارتباك والرهاب الاجتماعي، وما أكثره بين الناس! إلا أن الكثير منهم يستطيع أن يخفيه، ويحاول أن يسيطر عليه، ليس بتجنب اللقاء بالناس، وإنما عن طريق مواجهتهم، وكما يقال: داوني بالتي كانت هي الداء.

من الطبيعي في الأسبوع الذي قضيته مع الأسرة أن يتجنبك أفراد الأسرة بعد أن عزلت نفسك عنهم أربعة أيام...، وذلك تقديرا منهم لك ولمشاعرك، وربما يشير هذه لموقفهم النبيل منك.

تريدين تغيير نفسك، فهذا شيء طيب ومناسب، وخاصة أنك في المرحلة الجامعية، ولا شك أنك ستتعرضين لمواقف كثيرة تضطرك لمواجهة الناس، سواء الآن في الجامعة، أو بعد التخرج...

تغيير النفس، المطلوب منك، هو -وبكل بساطة- تغيير السلوك. إن تغيّر ما نفعله ونقوم به من سلوك، يمكن بعد فترة أن يغيّر أفكارنا ومشاعرنا.

حاولي أن تقتحمي ما تخافينه وتخشينه، وهو اللقاء بالناس والحديث معهم، نعم لن يكون الأمر سهلا في البداية، إلا أنني متأكد من أنه سيصبح أيسر وأيسر. وإذا أحببت ابدئي بالجلسات المصغرة، مثلا مع أسرتك أو صديقاتك المقربات، تحدثي معهن، وانظري في وجوههن...، ورويدا رويدا ستشعرين بالثقة الكبيرة في النفس، وعندها يمكنك الانتقال للتجمعات الأكبر من الناس. ويمكن حتى أن تبدئي بالحديث المباشر مع صديقة واحدة قريبة منك، ثم الثانية فالثالثة...

إن التجنّب لا يحل المشكلة، وإنما يضاعفها، فكلما تجنبت موقفا؛ دعاك هذا لتجنب المواقف الأخرى، حتى يصل الإنسان لحالة يصبح فيها أسير بيته أو غرفته. وإذا صعب عليك كل هذا، فربما من الحلول هو اللجوء للأخصائية النفسية في الجامعة، ولعلها تقوم معك ببعض الجلسات العلاجية النفسية متبعة العلاج المعرفي السلوكي، مما يساعدك على الجرأة واقتحام ما تخافين.
وإلا فالحل الأخير هو زيارة الطبيب النفسي؛ ليؤكد التشخيص، ومن ثم يمكنه أن يصف لك أحد الأدوية المساعدة على تجاوز الرهاب الاجتماعي، إلا أن العلاج السلوكي الذي ذكرته لك في الأعلى هو الأساس والعلاج الأفضل.

وفقك الله، وفتح لك باب التغيير، وجعلك من المتفوقات.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً