الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بسبب الرهاب الاجتماعي فشلت في الدراسة، وأرفض الزواج.. فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة حياتي شبه مدمرة، لست ناجحة في أي شيء، ولدي مشاكل كثيرة لا حدود لها، وكل مشاكلي محورها الرهاب الاجتماعي، بالنسبة إلى دراستي، فأنا فاشلة ومتأخرة دراسيا بسبب الرهاب، فمن المفترض أن أكون في السنة الثالثة من الجامعة، لكنني قمت بإعادة الصف الثالث الثانوي أربع مرات؛ لأنني في كل سنة أحاول أن أجتهد فلا أستطيع، لأنني أتعرض لمواقف محرجة كثيرة تسبب لي التوتر والقلق، فلا أركز في الدراسة، كما أجد صعوبات في التعامل مع الأساتذة، وأخجل من السؤال، أو تفسير أي شيء لا أفهمه، وأحس أن أسئلتي غبية وبلا معنى؛ لذلك لا أسأل في الصف، ولا أستطيع المذاكرة في البيت عند وجود الضيوف، وأشعر بالقلق حتى يذهبوا.

كما أنني مصابة بضعف النظر منذ ثلاث سنوات، ولم أذهب إلى الطبيب؛ لأنني أخاف من المستشفى، ولا أدري كيف أتعامل مع الموجودين هناك، من أين أبدأ، وماذا أقول، من بداية الاستقبال إلى أن أصل إلى الطبيب، ولا أعرف كيف أشكو مرضي للطبيب.

كما أعاني من ألم الضرس، وبسبب انشغالي بالدراسة أهملت أسناني، فصارت سيئة جدا، وأتحاشى أكل الأشياء الصلبة، وهذا أثر على دراستي بشكل أكبر.

أما طبعي فأنا إنسانة أحب الراحة، لا أشتغل في المنزل كثيرا، وأشعر بالقرف من أي عمل له علاقة بالماء كالغسيل ونظافة الأرضية؛ لأنني أشك أن كل شيء في المنزل منحوس بسبب تصرفات أخواني، وحياني ليست منظمة، لا أهتم بنفسي ومظهري، غير مرتبة، ليس لدي نشاط وحيوية، مملة وباردة وصامتة، مع أنني فتاة كبيرة في العمر، لكن مهاراتي الحياتية معدومة، والبنات اللاتي في مثل عمري متزوجات، ويقمن على جميع احتياجات بيتهن، وأنا لا أستطيع تحمل المسؤلية.

تقدم لي شاب حافظ القرآن، وحسن الأخلاق، ووضعه المادي ممتاز، إلا أنني رفضته؛ لأنني لست مستعدة للزواج، وهو عندي صعب كالجهاد، فأبسط شيء فيه أنني لا أعرف الطبخ، ولا أستطيع التسوق لجلب احتياجات المنزل، وأخاف جدا من زيارة الطبيب، وربما في المستقبل يموت طفلي ولا أستطيع الذهاب به إلى الطبيب.

أحب العزلة، ولا أخرج لزيارة أو ترفيه، وأخاف إذا أنجبت أطفالا أن يصبحوا مثلي، ويعانون من الرهاب الاجتماعي، وأيضا من الأشياء التي تخيفني من الزواج زيادة صلة الرحم والأقارب، فأنا لا أزور أقاربي بسبب الرهاب، ولا أعرف كيفية التعامل مع الضيوف، وأشعر بحرج كبير عندما يزورنا أحد، أظل صامتة، ولا أعرف أن أتصرف أو أحسن الاستقبال.

والآن تقدم لي شاب ممتاز، وأخاف أن أخسره، فهل أخبره عن مشاكلي النفسية؟ وكيف أحل مشاكلي وأعتمد على نفسي؟ أريد أن أعيش حياة طبيعية، فماذا أفعل؟

شكرا جزيلا على ما تقدمونه من النفع الكثير للمسلمين، وأتمنى أن تجيبوني سريعا، لأن حالتي حرجة، والشاب الذي تقدم لي ينتظر ردي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سماح حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على التواصل معنا، بهذه الأسئلة، ولا أكتمك أني كنت أسأل نفسي لماذا تأخرت كل هذه السنوات على الاستشارة مع أن الأمور كانت لا تسير بالشكل السليم منذ سنوات، والآن نريد حلا سريعا؟!

إن ما كتبت في سؤالك لهو دليل كيف أن مشكلة نفسية كالرهاب الاجتماعي الذي تعانين منه يمكن أن يؤثر على كامل حياة الإنسان النفسية والأسرية والدراسية والاجتماعية والصحية.

لقد وردت في رسالتك نقاط متعددة كخوفك من الطبيب والمستشفى وطبيب الأسنان والمعلمين، فكيف الحل؟ لا شك أن الحل الأهم يكمن في علاج لبّ المشكلة وهي الرهاب الاجتماعي، والذي وصفت أعراضه بشكل جيد، ومن الطبيعي أن بعض الناس ليس عندهم شيء من الخوف أو الخجل والارتباك في الظروف العادية إلا أنهم يشعرون بالحرج والارتباك، الذي يصل للرهاب الاجتماعي، فما هو الحلّ؟
مما يعينك بعد الفهم المناسب للرهاب الاجتماعي، أن تأخذي بعض الوقت لتختلطي بالناس، وبشيء من التدريب والتدرّج ستجدين نفسك أكثر جرأة وأقل ارتباكا في مواجهة الناس والحديث معهم، ولكن حاولي أن تتحلي ببعض الصبر، وستجدين تغيّرا كبيرا وفي وقت قصير -إن شاء الله-.

ولا بد مع الرهاب الاجتماعي من وضوح التشخيص، فهو من أول مراحل العلاج، وربما من دونه قد يستحيل العلاج، ومن أهم علاجات الرهاب والخوف والأكثر فاعلية هو العلاج المعرفي/السلوكي، وكما أنه واضح من اسمه أن لهذا العلاج النفسي جانبين، الجانب المعرفي، والذي يقوم على التعرف على الأفكار السلبية التي تحملينها، مثل "أنا لن أستطيع الحديث مع الدكتور"، والعمل على استبدالها بأفكار أكثر إيجابية، مثل "غيري يستطيع الحديث معه، وأنا أيضا سأتمكن من الحديث معه".

بينما يقوم الجانب السلوكي على إعادة تعليم المصاب ببعض السلوكيات والتصرفات الصحيّة كبديل عن السلوكيات السلبية، فبدل تجنب الأماكن والمواقف المخيفة أو المزعجة، يقوم المصاب بالتعرض والإقدام على هذه المواقف والأماكن حتى "يتعلم" كيف أن هذه المواقف والأماكن ليست بالمخيفة أو الخطيرة كما كان يتصور سابقا.

ويشرف عادة على هذه المعالجة الطبيب النفسي أو الأخصائي النفسي، والذي يحتاج أن يكرر جلسات العلاج عدة مرات، وبالإضافة لهذه المعالجة المعرفية/ السلوكية يمكن للطبيب النفسي أن يصف لك أحد الأدوية، لا أقول التي تعالج الرهاب، وإنما تحسن من ظروف العلاج، ويبقى العلاج الرئيسي هو العلاج السلوكي، وهناك العديد من الأدوية المفيدة، ويتحدد الدواء المناسب بعد تقييم الطبيب النفسي لحالتك بالشكل الشامل والمناسب.

إنها حياتك وصحتك وسلامتك وأحلامك، فأرجو أن لا تطيلي معاناتك، وأن لا يمنعك كونك تركت الموضوع سنوات حتى أثرت على صحتك العامة وأسنانك، أن لا يمنعك هذا من مراجعة طبيب نفسي صاحب خبرة عالية في أقرب فرصة ممكن، وواضح من سؤالك لأنك تفكرين بكل شيء، وإلى الأمام والمستقبل، فأنت قلقة على أطفالك حتى قبل أن تتزوجي!

وباعتبار أنك تفكرين بالزواج، فالأفضل لك أن تبدئي بالعلاج الفعال للرهاب الاجتماعي، ومن ثم تقدمين على الزواج، فبعض التأخير ربما أفضل من الدخول في تجربة وشروط نجاحها غير متوفرة حاليا -وكما يبدو من رسالتك- إلا إذا كنت تعتقدين بأنه يمكنك تجاوز كل هذا والدخول في الزواج.

وأدعو الله تعالى لك بالعافية والشفاء في أقرب فرصة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً