الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي شخص مهمل في ذاته بسبب طفولته العنيفة، فكيف أتصرف معه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا سيدة متزوجة منذ أربع سنوات، ومشكلتي مع زوجي أنه فاقد الثقة في نفسه، منذ أول ليلة لاحظت أنه يتعرق بشكل غير طبيعي، وكان يبكي، وبعد مساعدتي له لفترة زمنية، أصبحت لدينا طفلة -والحمد لله-، وفي كثير من المواقف ألاحظ عليه التوتر والتعرق بشكل مفرط، فاعترف لي أنه كان في صغره يتعرض لضرب مبرح من والده قبل النوم يوميا، حتى ارتبط في ذهنه أن الضرب كالعشاء من الضروريات قبل النوم.

واكتشفت أنه يدخن، فاعترف لي أنه يدخن من أيام الدراسة، وأعتقد أنه لجأ للتدخين بسبب الضغوط النفسية، وبسبب معاملة أهله له، ومنذ سنتين وأنا أحاول مساعدته في الإقلاع عن التدخين، ولكن دون فائدة، حيث أنه يكذب عليَّ، ويدخن سرا، ويدعي عدم الاستطاعة على ترك التدخين.

تحملت شكله ورائحته، وتغاضيت عن الكثير لكي لا أؤثر على نفسيته سلبا، وأحاول أن أقنع نفسي أن ماضيه يكفيه، وطلبت منه أن يراجع طبيب الأسنان، وذلك بقصد تنظيف الأسنان من أثر الدخان، فربما يؤثر ذلك إيجابا على شكله، وبالتالي تتغير نفسيته، يوافق لكنه يسوف الأمر.

بدأت حالتي النفسية تسوء، وهذا الشيء يؤثر في معاملتي لطفلتي، حيث أصبحت عصبية، وأشعر بالاكتئاب منذ سنة تقريبا، ومعاملتي معها عنيفة بعض الشيء بسبب الضغط النفسي.

لا أريد أن أعاتبه، وأريد أن أكون لطيفة معه، حتى يقتنع ويذهب إلى الطبيب برغبته، وهو فوضوي لدرجة كبيرة، ولا يهتم بنفسه، وشكله لا يطاق، وبدأ حبي له يتلاشى، وأفكر في الانفصال، في نفس الوقت هو حنون ولطيف، يعاملني بحنان ورقة، ويحبني جدا، ولا أستطيع أن أنكر جمائله.

أفيدوني، ماذا أفعل؟ أشعر أنني محبطة بدرجة كبيرة، هل فعلا زوجي مريض ويحتاج إلى طبيب نفسي؟ هل الماضي أثر على نفسيته؟ هل الانفصال هو الحل؟ علما أنني أعاني منه طوال الأربع سنوات، هل أستخدم عقار زيروكسات، أم لا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أماني حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك -أيتها الفاضلة الكريمة- على مخاطبتك للشبكة الإسلامية.

حسب ما ورد في رسالتك فإن زوجك الكريم لديه بعض التصرفات التي لا تعجبك، وبإلقاء نظرة شاملة وفاحصة على تصرفاته لا أستطيع أن أقول أنه مريض، لا يوجد مرضًا نفسيًا أو عقليًّا حقيقيا نستطيع أن ننعته به أو نوسمه به، لكن ربما تكون هنالك ملاحظات أو ظواهر نفسية، كما تفضلت إنه رجل قلق، لديه ميول نحو المخاوف، وهذا واضح من أول ليلة التقيت به، وفي ذات الوقت - كما تفضلت - هو سار على نمط واحد ويجد صعوبة كبيرة في التغيير، مثل الاهتمام بمظهره مثلاً، التوقف عن التدخين، وشيء من هذا القبيل.

أنا أقول لك كإجابة أولى على سؤالك: هل فعلاً زوجي مريض ويحتاج إلى طبيب نفسي - كما تظنين - وأن الماضي أثَّر على نفسيته؟
لا أعتقد أنه مريض مرضًا نفسيًا حقيقيًا، لكن توجد ظاهرة نفسية، وإن ذهب قطعًا إلى الطبيب النفسي سوف يستفيد كثيرًا، لأنه يحتاج بالفعل إلى شيءٍ من التوجيه والإرشاد التي تُقدِّمه له سُلطة علاجية، ولا شك أن الطبيب النفسي يُمثِّل سُلطة علاجية محترمة، وفي ذات الوقت أرى أن تناوله لأحد مضادات القلق والمخاوف البسيطة سوف يفيده كثيرًا، وربما يحتاج أيضًا لإجراء تخطيط للدماغ، لأنك ذكرت أنه فيما مضى كان لديه بؤرة صرعية، فيجب أن نتأكد إن كان هناك أي نشاط صرعي أم لا.

بالنسبة لنشأته ولتربيته: ربما تكون قد أثَّرتْ عليه، لكن أنا دائمًا أرى أن نظرة الناس نحو المستقبل هي الأهم، وأن يعيش الإنسان حاضره بقوة، والنظر للماضي فقط من أجل العبرة والتعلُّم وليس أكثر من ذلك.

زوجك فيه ميزات كثيرة إيجابية ويجب أن تُركزي عليها، هذا مهم جدًّا، ومن الواضح أنك تُكنين له كل الاحترام، وهذا شيء أعجبني كثيرًا، المودة والسكينة والرحمة يجب أيضًا أن تكون متوفرة، ولا تنظري إليه بإحباط، والاهتمام بمظهره لا أعتقد أنه أمر يجب أن يُزعجك لهذه الدرجة، وحقيقة الحل -أيتها الفاضلة الكريمة- هي مع الذهاب إلى الطبيب النفسي، أعتقد أن زوجك من خلال نصحك وإرشادك يمكن أن يُعدِّل الكثير من سلوكه، وذلك من خلال أن يُغيِّر من بيئته، أن تكون له صحبة طيبة، أن يحرص على الصلاة في وقتها، ومن خلال الصحبة الطيبة يتعدَّل الإنسان كثيرًا.

ساعديه في شؤون الأسرة، إرشادك له ومثابرتك سوف تُعيد له -إن شاء الله تعالى- ثقته في نفسه، موضوع التدخين: اجتهدي في ذلك، انصحيه مثلاً لأن تكون لديكم حلقة قُرآنية في البيت - أنت وهو - مرة مرتين في الأسبوع، وهكذا، كل هذا يُعدِّل من سلوك الإنسان، ودائمًا دعيه يعيش على الأمل وعلى الرجاء.

ليس هنالك مجالاً للانفصال، ولا داعي أبدًا للانفصال، عيشي مع زوجك، والمرأة الصابرة المرأة المحتسبة قال فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَاْ أُخبِرُكُم بِنِسَائِكُم فِي الجَنَّةِ: كُلُّ وَدُودٍ وَلُودٍ، إِذَا غَضِبَت أَو أُسِيءَ إِلَيهَا أَو غَضِبَ زَوجُهَا، قَالَت: هَذِه يَدِي فِي يَدِكَ، لَاْ أَكْتَحِلُ بِغُمضٍ َحتَّى تَرضَى) روي من حديث أنس وابن عباس وكعب بن عجرة رضي الله عنهم.

بالنسبة لك: لا أرى أنه يوجد داعي لاستخدام الـ (زيروكسات Seroxat)، فأنت تمرين بظروفٍ وليس بك اكتئاب حقيقي، تناول أحد مضادات القلق ربما يكون كافيًا، عقار (فلوناكسول Flunaxol) ويعرف علميًا باسم (فلوبنتكسول Flupenthixol) بجرعة نصف مليجرام - أي حبة واحدة يوميًا لمدة شهرٍ، أعتقد أن ذلك سوف يكون كافيًا جدًّا، مع تنظيم وقتك ونومك، وممارسة شيء من الرياضة.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، نسأل الله لكم التوفيق، وأن يُصلح فيما بينك وبين زوجك، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً