الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وسواس النجاسة فأصبحت لا ألمس الأشياء، فماذا أفعل الآن؟

السؤال

السلام عليكم

أنا أعاني من الوسواس القهري المتعلق بالطهارة، وفي يوم ما والدتي قامت بإجراء عملية، وكانت تحت تأثير التخدير فتبولت -أعزكم الله- على السرير، فمسحت الممرضة فقط مكان الحدث على السرير بالمفرش، وقد لمست المخدة أثناء المسح، ووضعت مفرش جديد بدون فرده، ثم بعد ذلك غسلت يدها ومسحتها بالديتول، وقامت بوضع الفراش على السرير، أنا أعلم أن النجاسة لا تطهر إلا بالماء، وخائفة أن يكون المكان ما زال نجسا، فوالدتي بعد الاستحمام نامت على السرير، وكانوا يلمسون الأشياء كالموبايل، والمناديل، والأطباق وبعد رجوعهم من المستشفى، أصبحت أوسوس بالنجاسة في كل شيء، فأنا لا أعلم إذا كانت الأشياء قد انتقلت إليها النجاسة أم لا؟ ولكنني أعلم أن السرير نجس، لأنه لم تتم طهارته بالماء، فما العمل الآن؟

أصبحت لا ألمس شيئا في غرفتي، وأصبح الحال شاقا علي، فأرجو أن تفيدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

أيتها الفاضلة الكريمة: هذا وسواس مكتسب، نسبةً للخبرة التي مررت بها مع والدتك، والوساوس من هذا القبيل تُعالج من خلال إخضاعها للمنطق.

هذا وسواس لا شك في ذلك، وقطعًا تشعب الوسواس واستحواذيه ليس منطقيًا، فيجب أن تصدِّي هذه الفكرة، يجب أن تُحقِّريها دون دخول في حوار مع الوسواس، وأقْدمي على لمس المكان الذي تعتقدين أنه نجسًا، سوف تُصابين بقلقٍ وتوتُّرٍ شديدٍ في بداية الأمر، بعد ذلك كرري هذا اللمس عُدة مرات، وسوف تشعرين أن مستوى القلق والاستحواذ قد خفَّ عنك كثيرًا.

أيتها الفاضلة الكريمة: بما أنك طبيبة ولديك خبرة في تناول مثل هذه الحالات، فيجب أن تتناولي أحد الأدوية المضادة للوسواس، وإنِ استطعت أن تقابلي طبيبًا هذا أيضًا يُعتبر أمرًا جيدًا ومفيدًا بالنسبة لك.

من الأدوية الممتازة والراقية جدًّا والسليمة والتي تعالج الوساوس القهرية - أفكارًا، طقوسًا، أو أفعالاً - هو عقار يعرف تجاريًا باسم (بروزاك Prozac) ويسمى علميًا باسم (فلوكستين Fluoxetine) وهو معروف ومشهور، يوجد مستحضر محلي يعرف باسم (فلوزاك Flozac) أعتقد أنه جيد جدًّا.

الجرعة يجب أن تصل إلى أربعين مليجرامًا في اليوم، لكن البداية تكون بعشرين مليجرام - أي كبسولة واحدة - يوميًا لمدة أسبوعين - تناول الدواء بعد الأكل أفضل - بعد ذلك ارفعي الجرعة - أي بعد أسبوعين من الجرعة الأولى - إلى كبسولتين في اليوم -أي أربعين مليجرامًا - وهذه يجب أن تستمري عليها لمدة أربعة أشهر، ثم خفضيها إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهرٍ، ثم توقفي عن تناول الدواء.

وهنالك عدة أدوية أخرى كلها ممتازة، منها الـ (لسترال Lustral) والذي يسمى علميًا (سيرترالين Sertraline)، وكذلك الـ (زيروكسات Seroxat) والذي يسمَّى علميًا باسم (باروكستين Paroxetine) والـ (سبرالكس Cipralex) والذي يعرف علميًا باسم (استالوبرام Escitalopram).

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، وأشكرك على التواصل مع إسلام ويب، وكل عامٍ وأنتم بخير.
------------------------------------------------
انتهت إجابة د/ محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
------------------------------------------------
مرحبًا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله أن يتولى عونك للتخلص من هذه الوساوس، واعلمي -بارك الله فيك-أن أنفع طريق وأحسن وسيلة للتخلُّص من هذه الوسوسة هو الإعراض عنها وعدم الاشتغال بها، ثم اعلمي ثانيًا أن دين الله تعالى يُسْر، لا مشقة فيه، وقد قال سبحانه وتعالى في آية الطهارة في سورة المائدة: {ما يُريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يُريد ليُطهركم}، فلا يصح أبدًا أن نُصَيِّر أحكام الطهارة سببًا للعناء والمشقة والعنت.

وما ذكرته من أن الطهارة لا تُطهَّر إلَّا بالماء، وإن كان كلامًا صحيحًا، لكن ينبغي أن تعلمي بأن كثيرًا من الفقهاء يقولون بأن النجاسة إذا أُزيلتْ بأي وسيلة كانتْ من الوسائل التي لا يُحكم عليها بأنها مُطهِّرة، فإن الذي يبقى بعد زوال هذه النجاسة هو حكم النجاسة، وحكم النجاسة لا ينتقل من محلِّها إلى محالٍّ أخرى، وهذا قول يقول به كثير من فقهاء الإسلام، وهو مذهب المالكية وجماعة من العلماء، ولا حرج على الإنسان أن يأخذ به، لا سيما إذا كان ذلك عونًا له على التخلُّص من هذه الوسواس، وبه تعلمين أن كل ما تتوهمين من انتقال النجاسات إليه لا يُحكم بتنجُّسِه، لأن الأصل عدم انتقال النجاسة، هذا أولاً، ولأن حكم النجاسة على فرض مُلاقاة أشياء أخرى لمحلِّها بعد إزالتها بالديتول -أو غير ذلك- أن انتقال هذا الحكم غير وارد عند كثير من العلماء -كما قلنا- ويسعك العمل بهذا، وبه تتخلصين -بإذن الله تعالى- من هذه الوسوسة.

فاصبري واثبتي على تجنُّب الانجرار وراءها والبحث عن إجابات لاستفساراتها، فإذا فعلتِ ذلك ذهبتْ عنك بإذنِ الله.

نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً