الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الخوف من مواجهة الآخرين ومن الصلاة بالناس!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
جزى الله القائمين على هذا الموقع الطيب خير الجزاء.

أنا بعمر 39 سنة، أعاني من الخوف والرهبة بشكل غير طبيعي، وهذه المشكلة لم تكن عندي من قبل، فأنا كنت منذ صغري أعاني من الخجل، ولكنه لم يصل إلى حد الرهبة.

كنت منذ كنت في ال 19 من عمري أؤم الناس في الصلاة بدون أي رهبة أو خوف، بل كنت أصلي بالناس بعض المرات صلاة التراويح, وكنت في الفصل أثناء الدراسة أقرأ بصوت طويل أمام زملائي بدون مشاكل.

عندما تخطيت الثلاثين من عمري وبالتحديد عندما كنت أناقش مشروع التخرج أصبت برهبة شديدة أصبحت تلازمني دائماً.

لقد زادت المشكلة عندي خاصة عندما أؤم بعض الناس في الصلاة، وعنما نخرج للتنزه أو نكون في المخيم تصيبني رهبة شديدة أحس قلبي يرجف بشدة تكاد تكسر قفصي الصدري، وترتعد فرائصي، ويضيق تنفسي إلى أن يكون صوتي مرتجفاً غائراً، ويصبح وكأني أبكي من شدة الرهبة، ويصاحب ذلك ارتجاف في اليدين بل حتى الرجلين في الوقوف، حتى إن أحد أقاربي انتقدني في ذلك، وبين لي أن الرهبة واضحة علي!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ جابر .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
جزاك الله خيرًا، ونحن نرحب بك في الشبكة الإسلامية.

الذي تعاني منه أمر يسير، هو نوع من الرهاب الاجتماعي الظرفي، أي الذي يحدث عند المواجهات، وهذا النوع من الرهاب مكتسب، والدليل على ذلك أنك لم تكن تعاني منه، لكنه ظهر عليك في الآونة الأخيرة، وغالبًا يكون ظهر نسبةً لتجربةٍ ما تعرَّضتَّ فيها لشيءٍ من الخوف دون أن تعيرها اهتمامًا في ذاك الوقت.

هي خبرة سلبية مكتسبة، وليس أكثر من ذلك، وما هو مكتسب يمكن أن يُفقد من خلال التعلُّم المضاد، هذا هو منطق الأشياء - أيها الفاضل الكريم -، وأنت - جزاك الله خيرًا - حريص على الصلاة، وأن تُصلي بالناس، نسأل الله تعالى أن ييسِّر لك أمرك.

أيها الفاضل الكريم: نحن أوضحنا لك التشخيص، وهذا يُساعدك على العلاج.

النقطة الثانية: هذا الذي تمر به من خوف ليس جُبنًا، وليس ضُعفًا في إيمانك، إنما هو خوف منعزل ذو خصوصية خاصة، وهو مكتسب - كما أوضحتُ لك - وأنا دائمًا أقول: إن الإنسان يمكن أن يكون مروضًا للأسود لكنه يخاف من القط.

لا تلم نفسك، ولا تعتبر نفسك هشًّا من الناحية النفسية، إن شاءَ الله أنت قوي، وأنت صلب، ومهاراتك السابقة محفوظة، لم تذهب، ولن تذهب سُدىً، هي موجودة، وسوف تستفيد منها كثيرًا، وأقصد بذلك: مهارات المواجهة حين كنت تُصلي بالناس وأنت في سِنٍّ صغيرة.

النقطة الثالثة أخِي الكريم: ما يُهيأ لك من توتُّرٍ أو السقوط أمام الناس أو التلعثم أمام الناس أو الرجفة، هذا كله شعور وليس حقيقةً، وإن كان فيه حقيقة فهي بسيطة جدًّا.

إذًا هنالك تضخيم وتجسيم للأعراض، فأنت تحسُّ بها بهذه الطريقة المركَّبة والمضخمة، والآخرون لا يشعرون بها، هذه نقطة مهمة جدًّا.

رابعًا: العلاج الأساسي - بجانب ما ذكرته لك - هو التجاهل والتعريض، يجب أن تُعرِّض نفسك لمواقف خوفك، والتعريض يكون في الخيال أولاً، مثلاً تصوَّر أنك تُصلي بالناس في مسجد الإمام محمد عبد الوهاب بالدوحة، أو في مسجد سيدنا عمر بن الخطاب، تصور هذا الموقف، وهذا يمكن أن يحدث، وعليك بالتطبيقات: اذهب وصل في الصفوف الأولى، خاصة في المساجد الكبيرة، ونوِّع مساجدك، لا ترتبط بمسجدٍ واحد، وذلك يساعدك في العلاج.

الأمر الآخر: لا بد أن تمارس رياضة جماعية مع بعض أصدقائك مثل رياضة المشي، أو كرة القدم، هذه أيضًا فيها فائدة كبيرة جدًّا.

مهاراتك الاجتماعية الأساسية -أخِي- مثل تحية الناس، وتبسُّمك في وجوههم، وأن تكون دائمًا مبادرًا في الخيرات وفي المجاملات وتلبية الدعوات، هذا يجب أن يكون ديدنك، وأنا أثق -إن شاء الله تعالى- سوف تكون حريصًا على ذلك.

بقي بعد ذلك العلاج الدوائي: إنْ ذهبتَ إلى طبيبٍ في الرعاية الصحية الأولية، أو قدَّمت نفسك إلى قسم الطب النفسي، سوف يصف لك العلاج، ومن أفضل الأدوية التي تُفيد عقار يعرف تجاريًا باسم (زولفت Zoloft) ويسمى علميًا باسم (سيرترالين Sertraline)، الجرعة في حالتك هي أن تبدأ بخمسة وعشرين مليجرامًا ليلاً - أي نصف حبة - تتناولها لمدة عشرة أيام، ثم تجعلها حبة واحدة ليلاً - أي خمسين مليجرامًا - تستمر عليها لمدة شهرٍ، ثم تجعلها حبتين ليلاً - أي مائة مليجرام - وهذه هي الجرعة الوسيطة العلاجية، تستمر عليها لمدة أربعة أشهر، ثم تخفضها إلى حبة واحدة (خمسين مليجرامًا) يوميًا لمدة أربعة أشهر أخرى، ثم تجعلها نصف حبة (خمسة وعشرين مليجرامًا) يوميًا لمدة شهرٍ، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهرٍ آخر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

هذا دواء رائع، قليل الآثار الجانبية، فقط ربما يفتح شهيتك قليلاً نحو الطعام، كما أنه ربما يؤخِّر القذف المنوي قليلاً عند الجماع، لكنه لا يؤثِّر على صحتك الذكورية.

الدواء الآخر يعرف تجاريًا باسم (إندرال Inderal) ويعرف علميًا باسم (بروبرانلول Propranlol)، أريدك أن تتناوله بجرعة عشرة مليجرام صباحًا ومساءً لمدة شهرين، ثم عشرة مليجرام صباحًا لمدة شهرٍ، ثم تتوقف عن تناوله.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً