الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عملت ذنوباً كثيرة ومعاصي، كيف أتوب وأتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم

أنا بعمر 17 سنة، والحمد لله أول سنة أرى فيها حياتي بعد 3 سنين من التذمر والتدهور، وتذكرت أعمالاً كنت أعملها من قبل، والعياذ بالله، كدت أنسى نفسي!

لقد كنت أبكي بكاءً شديداً وأندم ولا أقوم عن السجادة والقرآن، وأدمع دمعاً شديداً، وجاءني ضيق، حتى أفكر في الانتحار، ثم أتراجع لأني خائف من الرحمن، ولأنه قال: (ولا تقتلوا أنفسكم) ومتردد لأني لا أقوى على العذاب.

لا دراسة مثل الناس، ولا مذاكرة ولا تركيز، بل ندم فوق ندم حتى في رمضان كنت أصلى العصر وأقرأ قرآناً إلى الإفطار، وكل ما أرى آية تذكر بالعذاب أحزن وأدمع، حتى إني كنت أحضر التهجد، وأستمع لآيات التوبة ولا أقتنع، وأتمنى أن محمداً صلى الله عليه وسلم أمامي لأحضنه وأقول له: بشرنا بما عند الله!

أحس أن الناس كلهم يكرهونني، أحس أن الرسول يكرهني، وأقول: لعل الرسول يكرهني وكذلك الله يكرهني بسبب ذنوبي، ولا أدري هل الندم هذا لأني رأيت العذاب في الدنيا أم ندم توبة إلى الله.

رغم أني كنت أعمل المعصية وبعدها ركعتين فقط، بعد المعصية، وفي آخر أيامي تركتها، وأقول أنا أكثرت في المعصية، ولن يغفر لي حتى ولو صليت، وكنت أقول: إني شقي!

صرت أعاني معاناة شديدة، علماً أني قبل الندم قررت الذهاب إلى المسجد، وبعدها أحسست وكان واحداً من الناس ينضح بالماء في وجهي، هل الله سيغفر لي؟ وهل سيسترني ولا يخزيني عند المؤمنين؟ لدي خوف من أن أفضح عند محمد صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام.

رغم الحب الذي في قلبي لله عز وجل، أحسه سيغفر لي ويرحمني، وأقول: محمد صلى الله عليه وسلم بشر لا يرضى بعملي فأنا منبوذ.

لا أحس بطعم اللعب، وأحس أني لو دخلت الجنة إن شاء الله سأكون وحدي لا أحد يكلمني، وهل الله سيعطينا الفردوس؟ لأني أحببتها، وأحب أن أكون مع الرسول، فأخلاقي مع الناس –الحمد لله- حسنة، ولكن مع نفسي والشيطان والعياذ بالله، سيئة.

علماً أني أغار جداً حين أرى واحداً أصغر مني أو بمستواي يعبد الله أكثر، وأقول ليتني كنت مثله!

شكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يثبتك على الحق، وأن يجعلك من صالح المؤمنين.

بخصوص ما ورد برسالتك -ابني الكريم الفاضل- فأُحِبُّ أن أقول لك: إن هذه الأفكار كلها إنما هي من كيد الشيطان، فالشيطان - لعنه الله - يعز عليه أن تكون عبدًا صالحًا وشابًا مستقيمًا، ولذلك يُثير أمامك هذه العقبات، ويوقعك في هذه الشبهات، ويجعلك تسيء الظنَّ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بل وبالله تبارك وتعالى - عياذًا بالله عز وجل - لأن الشيطان ليس له من هدفٍ أو غاية إلَّا أن يكون العبد عاصيًا فاجرًا بعيدًا عن الله ورسوله.

هذه الأفكار كلها التي جاءتك أفكار لا قيمة لها، فلا تُلقي لها بالاً، ولا تشغل بالك بها، ودعك من هذا الكلام الذي ورد في رسالتك كله، فإنما هي - كما ذكرتُ لك - سُموم شيطانية يقذف بها إلى قلبك وإلى عقلك.

ما دمت تحافظ على طاعة الله تعالى، وتقرأ القرآن، وتحافظ على الصلوات في أوقاتها، وتجتنب الحرام قدر استطاعتك، فاعلم أنك على خيرٍ وأنك إلى خيرٍ، وليس هناك أي داع أبدًا أن تفكِّر لا في الانتحار، ولا في أن الله يُحبُّك أو لا يُحبُّك، أو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يُحبُّك أو لا يُحبُّك، هذه المسائل كلها من الشيطان، لأن الله يُحبُّ الصالحين، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يُحبُّ الصالحين، وأن تعرف طريق الصلاح، فأنت صاحب صلاة وصاحب قُرآن، حتى وإن وقعت في بعض المعاصي ما دمتَ تتوب إلى الله تعالى وترجع وتندم وتعقد العزم على ألا تعود فأنت على خير، وأنت - الحمد لله تعالى - فيك صفة طيبة، فأنت عندما تقرأ القرآن وتمر بآيات العذاب تتأثّر، هذا يدل على أن قلبك قلب حيٍّ.

لذلك أتمنى أن تترك هذه السلبيات كلها بالكامل، وأن تُركز على الإيجابيات الرائعة التي أكرمك الله بها، حاول أن تُركِّز على العلاقة الحسنة مع الله، أن تعلم كيف تُرضي الله تعالى، مرضاة الله تعالى تكون بتنفيذ أوامر الله على طريقة النبي -عليه الصلاة والسلام-، مرضاة الله تكون بترك ما حرَّم الله حياءً من الله عز وجل، هذا هو المطلوب منك، وتدعُو الله تعالى أن يرزقك محبته ومحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ومحبة دينه، ومحبة كتابه، ومحبة صاحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومحبة الصالحين من عباد الله وعامة المسلمين.

بعد ذلك لا تشغل بالك بشيء آخر، إذا كنت طالبًا فالمفروض فيك أنك تحافظ على المذاكرة، وأن تجتهد - بارك الله فيك - في أن تكون متميِّزًا، لأن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، كما أخبر النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ونحن نحتاج إلى القوة العلمية كما نحتاج إلى القوة الإيمانية، وحاول إذا كنت تعمل في عملٍ أن تتقي الله تعالى فيه، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا: (إن الله يُحبُّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يُتقنه).

هذا هو المطلوب منك، أما ما سوى ذلك من هذه الأفكار فكلها - كما ذكرتُ لك -أفكارٌ شيطانية، يقذف الشيطان بها إلى قلبك، ليفسد بها علاقتك بربك وسيِّدك ومولاك، والأمر أبسط من ذلك بكثير، فاستعن بالله، وحاول أن تبحث عن صحبة صالحة، أن تجعل لك ورداً من القرآن الكريم يوميًا، تحافظ على أذكار الصباح والمساء، تحاول أن تتعلم شيئًا من العلم الشرعي ولو تقرأ في كل يوم صفحة في أي كتاب نافع من كتب الشريعة، ثم تدعو الله تعالى أن يثبتك على الدين، وأن يتوفاك عليه، وتترك هذه الأفكار السلبية، ولا تُلقي لها بالا.

أسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على الحق، إنه جوادٌ كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • رومانيا عبير

    أنا بعد مثلك بس ماأقول إلا حسبي الله ونعم الوكيل

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً