الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشكو من قلق مصحوب بأعراض جسدية.. ما علاجه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة تعرضت في صغري لتحرش في مكان مهجور، كنت متفوقة في صغري، وطليقة اللسان، وفي المرحلة المتوسطة أصبحت أكره المدرسة، إذا ذهبت إليها أصاب بتشنج في الوجه والرقبة، وأصبت بوسواس الموت، وأكملت هذه المرحلة بتفوق -الحمد لله-، وفي المرحلة الثانوية أصبت بوسواس الطهارة، واستطعت التخلص منه، واستمرت التشنجات حتى دخلت الجامعة، والأعراض مستمرة معي تختفي وتظهر، وأصبت بنوبات الهلع، وتحرشات في النوم.

عملت حجامة، وخفت التشنجات كثيرا، وأحضرت ماء زمزم وقرأت فيه الفاتحة 40 مرة، مع سماع الرقية، فاستفرغت رغوة، ومادة لونها أصفر يميل إلى البرتقالي، ولها رائحة كريهة، مع إسهال فيه أشياء خضراء ونقط سوداء، وإلى الآن تنزل تلك النقط، بعدها تعبت، وشعرت أنني بلا طاقة، وشعرت بالنوم الثقيل.

استمررت عليها لمدة أسبوع، وانقطعت بسبب الامتحانات، وبعد فترة استخدمت برنامجاً علاجياً، وأحسست بحركة في جسمي وقت الرقية وقدمي تتحرك، وألم في الرأس، وأسفل الصدر من الجهة اليسرى، ونبض متنقل، وأصبحت أفزع من النوم، وعندي كتمة وخفقان، وكأن أحدا يضغط على قلبي، ذهبت إلى المستشفى، وفحصت الطبيبة نبضي بالسماعة، وقالت: لا تحتاجين إلى تخطيط.

أحيانا أكره رائحة الأكل، وإذا أكلت أشعر أنني أغص، وأشعر بضيق التنفس، وثقل في الرأس، وألم بالرقبة، وأشعر كأنني في حلم، وأصبحت أنسى كثيرا، وكلامي أصبح ملخبطا، ويحدث معي شي غريب عندما أنظر إلى بعض الأشخاص، فلا أحس بنفسي، كأن شيئا يغطي عيني، وأرى ردة فعلهم غريبة، ويخافون مني، وأحيانا نظري يكون إلى مكان العورة، لكن بلا قصد مني، فأشعر بالحرج لأَنِّني إنسانة أخاف الله قبل كل شيء.

علما بأنني عند سماع الرقية أشعر بألم في عيني، وكأنها تنبض، وعندما عملت الحجامة أصبحت عيني حمراء، وفيها غمص دائما، ويأتيني الجاثوم، وأحيانا أشعر عند النوم مثل الكهرباء تدخل من رأسي إلى جسمي، ومرتين أحسست مثل الكهربا في الرأس، وتشنجت ولم أستطع الحركة، وأغمي علي.

أرى خيالات سوداء في البيت، وأشعر بالخوف ليلا، ولا أستطيع النوم في الظلام، وأعاني من انتفاخ كبير في البطن منذ صغري، وقبل كان البراز أسودا، وأصبت بإمساك شديد جدا، وما زال مستمرا.

أعتذر أنني لم أطرح مشكلتي بشكل مرتب، وأرجو منكم إخباري عن تفسير حالتي، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ وردة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

حالتك -وبوضوح شديد- هي أنك تعانين من قلق نفسي مصحوب بوساوس قهرية وأعراض نفسوجسدية (سيكوسوماتية Psychosomatic) هذه الأعراض التي تحدثت عنها -وأقصد بذلك الأعراض الجسدية - من الواضح أن القلق والتوتر قد لعب دورًا كبيرًا.

الأسباب قد لا تُحدد، لكن ربما يكون أصلاً شخصيتك لديها نوع من القابلية لهذه التوترات، وهذا ليس ضعفًا أو هشاشة في شخصك الكريم، إنما هو نوع من البناء النفسي الإطاري، الذي جعلك تكونين قابلة للقلق وللتوتر.

وقطعًا حادثة التحرش والامتهان الذي تعرَّضت لها في الطفولة لها أثر سلبي، لكن -إن شاء الله تعالى- مثل هذه الجراحات يتم شفاؤها تمامًا، فادفعي نفسك دفعًا إيجابيًا، لا تتأسفي على الماضي، لا تتحسَّري عليه، انطلقي انطلاقة إيجابية، كوني إيجابية في تفكيرك، كوني إيجابية في أفعالك، كوني إيجابية في تطويرك الاجتماعي، مهما كانت الأعراض، ومهما كانت الصعاب، ومهما كانت المشاعر والأفكار سالبة، فالإنسان لا بد أن تكون أفعاله إيجابية حتى يتغيَّر، وحين يتغيَّر الفعل ويُصبح إيجابيًا سوف يتغيَّر الفكر وكذلك الشعور، أنصحك بذلك.

وكخطوةٍ أولى أريدك أيضًا أن تذهبي وتقابلي الطبيبة - طبيبة المركز الصحي، طبيبة الرعاية الصحية الأولية - لتقوم بفحصك؛ لأن الفحص الإكلينيكي الجسدي وإجراء الفحوصات الطبية اللازمة (فحوصات للدم، فحوصات للبراز - فحوصات للبول)، هذه كلها فحوصات أساسية تُسمى بالفحوصات الروتينية الدورية - أي في كل ثلاثة أو أربعة أشهر، أي ثلاث مرات أو أربع مرات في السنة - وعلى ضوئها تستطيع الطبيبة أن تُحدد وضعك الصحي الجسدي.

أنا لا أعتقد أن لديك أي علة جسدية، لكن نُحتِّم كإجراء طبي رصين وسليم وضابط مهني مهم هو أن يتمَّ هذا الفحص، وحين تظهر هذه الفحوصات الجميلة الإيجابية السليمة هذا نفسه سيدفعك بصورة جيدة ويشرح صدرك كثيرًا.

خطِّطي لأن يكون لك برامج يومية تُديرين من خلالها وقتك، اجتهدي في الدراسة، وقد أعجبني كثيرًا أنك سمعت الرقية، وأنك قرأت الفاتحة، وأريدك بالفعل أن تكوني ملتزمة بدينك، واجعلي ثقتك بالله تعالى مُطلقة، واحرصي على الصلاة في وقتها، وعلى الدعاء، وعلى بر الوالدين، وعلى الأذكار - خاصة أذكار الصباح والمساء - هذا كله مُهِمٌّ جدًّا لنا في حياتنا ولا شك في ذلك.

التمارين الرياضية التي تناسب الفتاة المسلمة نراها علاجًا مهمًّا وضروريًا، والرياضة لا تأخذ وقتًا من الإنسان أبدًا، يكفي نصف ساعة أو أربعين دقيقة مثلاً، مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع، هذه تكفي جدًّا.

الطبيبة يمكن أن تصف لك أحد مضادات القلق والوسوسة، ومن أفضل الأدوية الدواء الذي يُعرفُ تجاريًا باسم (زولفت Zoloft) ويسمى علميًا باسم (سيرترالين Sertraline) تناوليه بجرعة نصف حبة (خمسة وعشرين مليجرامًا) ليلاً، لمدة أسبوعين، ثم حبة ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة ليلاً لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة ليلاً يومًا بعد يوم لمدة شهرين، ثم يمكنك أن تتوقفي عن تناوله.

هذا هو الذي أنصحك به، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
-------------------------------------
انتهت إجابة: د. محمد عبدالعليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-،
وتليها إجابة: الشيخ/ أحمد الفودعي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
-------------------------------------
مرحبًا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله أن يُعجِّل لك بالعافية، وأن يُذهب عنك ما تعانين.

وقد أفادك الأخ الفاضل الدكتور محمد عبد العليم بما يُفيدك وينفعك -إن شاء الله تعالى- من الناحية الطبية، ونصيحتنا لك أن تأخذي بهذه الأسباب، فإن النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما أنزل الله من داء إلَّا أنزل له دواء) ويقول: (تداووا عباد الله)، فخذي بالأسباب، مُتْكِلَةً على الله، مُحسنة الظن به أن يعافيك، وستجدين الخير -بإذنِ الله-.

ونحن نأمل ألا تستسلمي للأوهام أنك مُصابة بشيءٍ من المسِّ أو غير ذلك، فإن هذه الأوهام إذا تسلَّطتْ على الإنسان أوقعته في عناء شديدٍ ومشقة بالغة، وقد يكون الأمر جسديًا ونفسيًا كما أرشد إلى ذلك الدكتور محمد، فخذي بالنصائح، واستعملي الأدوية، ولكن مع هذا ينبغي أن تجتهدي في رقية نفسك، فإن الرقية نوع من الدواء، بل هي خير الدواء.

وخير الرقية أن تقومي برقية نفسك بنفسك، فأكثري من قراءة آية الكرسي وسماعها، ولو فعلت ذلك لساعات طويلة في اليوم الواحد لمدة طويلة كالشهرين والثلاثة أشهر، ولا تملي من ذلك، اقرئيها وانفثي في يديك، وامسحي جسدك، واقرئيها في ماءٍ، واشربي ذلك الماء، واغتسلي به، واسمعيها كثيرًا لساعات طويلة، كما يُرشد لذلك الناصحون من الرُّقاةِ الشرعيين، وستجدين بذلك النفع -بإذنِ الله تعالى-.

أحسني ظنَّك بالله، وتوجهي بقلبك إليه، فإنه عند ظنِّ العبد به، كما قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (أنا عند ظنِّ عبدي بي، فليظن بي ما شاء)، وإذا أردتِّ أن تستعيني بالموثوقين من الرُّقاة الشرعيين فذلك أمرٌ جائز، واعلمي أن الرقية تنفع -بإذن الله تعالى- ممَّا نزل بالإنسان من الأمراض والمكروهات، وتنفع ممَّا لم ينزل به، فإنها تدفعه عنه -بإذن اللهِ-.

نسأل الله تعالى لك عاجل العافية والشفاء.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً