الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأفكار الوسواسية تتسلط على عقلي، فكيف الخلاص منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم على هذا الموقع المفيد، وجعله الله في ميزان حسناتكم.

هذه المشكلة تعاني منها صديقتي، وهي عزباء، عمرها (23) وها هي تكتبها على لسانها:

إن مشكلتي تكمن أنه دائما تراودني أفكار وكلام لا أستطيع أن أستبعده من عقلي، ولا أعرف كيف أشرح الإحساس الذي يأتيني، ولكنني أحس أنني أقع بالكفر!، وأنا أقسم بالله الذي لا إله إلا هو أن هذا يحدث فوق طاقتي.

يراودني إحساس أو لا أعلم ماذا يمكن أن أصفه، وهو أن أسب إلهي أو أنسب إليه ألفاظا بذيئة -جل وعلا-، ولكن هذا يكون في عقلي فقط، أي أنني لا أنطق الكلام، ولكن في العقل فقط، ولا أستطيع السيطرة على ذلك بالرغم أنني أقرأ القرآن كل يوم، وأصلي وأصوم وأتصدق بما أقدر عليه، وأستغفر، وأسبح ربي، وأقرأ آية الكرسي، وأسمع القرآن، والرقى الشرعية في بعض الأوقات، ولا أكفر، وعندما أسمع أحدا يكفر؛ أستغفر ربي على ما يقوله، وأدعو الله أن يهديه.

أرجوكم هل أعتبر في هذه الحالة كافرة أو مشركة بالله؟ فهذا الحدث يقع دون سيطرتي، وأحاول أن أفقد تركيزي عندما يأتيني هذا الشيء؛ حتى لا أقع في هذه المعصية أو أفكر بالأمر، لكن دون فائدة، ومن ثم أستغفر ربي بعد كل مرة، وأحاول أن أتناسى الأمر، أرجوكم ما الحل؟ ماذا أفعل؟ وما سبب ذلك؟

أريد أن أعترف أنني أمارس العادة السرية مرتين أو ثلاثا شهريا، وأشاهد الأفلام، هذه هي المعصية الوحيدة التي أرتكبها، ولم أستطع أن أتركها رغم توبتي ألف مرة، وأعد نفسي وربي ألا أعود، ولكنني أعود إليها، ولم أف بوعدي، ولكنني أمارسها عندما أكون في ضيقة ما، أو متضايقة كثيرا، وتركتها فترة جيدة، ولكنني عدت إليها من جديد، ولكن بشكل خفيف. فهل سيقبل الله توبتي؟ فأنا وعدته كثيرا ولم أوف بوعدي له، وفي كل مرة أفعلها وأشاهد أبكي بكاء شديدا، وأعاقب نفسي، وأقرف من نفسي، وأقول إن ما يحدث لي من مشاكل وهموم يكون بسببها، وأنني أستأهل ما يحدث لي؛ لأنني أعصي ربي، وأتوجه إلى ربي أن يسامحني ويغفر لي، ويساعدني على التخلص منها.

ومشكلة أخرى تراودني: أنه دائما أو أغلب الأوقات يخيل لي أنني أحاول أن أقع بنفسي من مكان عال، أو مثلا يخيل إلي أنني أدفع بابن أختي أو بنت أخي من مكان عال، أو أعمل على إضاعة أوراق هامة عمدا، وأجلب الهم والغم لنفسي.

هذا الإحساس يأتيني بكل وقت، وليس في وقت نوم، بل وأنا مستيقظة، أو حتى في المكان الذي أتخيل أن أفعل فيه ما أراه، يعني مثلا إذا كنت على سطح المنزل، وكانت معي طفلة صغيرة يخيل إلي أنني أوقعها من سطح المنزل، وفي الوقت نفسه أخاف وأرتجف من ذلك، بالرغم أني لا أفعلها، ولكن بعض الأحيان أرى نفسي أنني سوف أوقعها بجدية؛ حيث أجلسها على سطح المنزل، وفي لحظة أريد أن أوقعها، ولكن أتمسك بها جيدا؛ خوفا من أن تقع.

كذلك بالنسبة للأوراق المهمة، فمثلا: أنا أملك شيكات أو أوراقا مهمة جدا، وأكون ذاهبة لكي أعطيها لأصحابها في السيارة، وفي هذا الوقت يخيل إلي في لحظة أنني أرمي هذه الأوراق من شباك السيارة، ويصيبني قلق شديد، فما هذا الإحساس؟ وما سببه؟ وماذا أفعل؛ لكي أتخلص منه؟

أيضا لا أعرف لماذا أحب أن أحزن نفسي دائما، وأن أفكر بالأشياء التي تحزنني فقط، ولا أفكر بشيء يسعدني، وأحس نفسي أنني أحب الحزن والنكد، وأن أكون عرضة للشفقة، أرجوكم لا أريد أن أكون كذلك.

إحساس آخر: أنني أشفق على الناس كثيرا لدرجة البكاء، ولا أستطيع أن أتمالك نفسي إن رأيت فقيرا أو شابا يعمل، أو رجلا كبيرا، أو أي شخص لديه هموم، حتى لو كان عدوي، وأجهش بالبكاء، وأحس أن في قلبي غصة.

أرجوكم فسروا لي هذه الأحداث، وما أسبابها؟ وكيف أتخلص منها؟

وجزاكم الله خير جزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ميرا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

كالعادة نرحب بك جدًّا في الشبكة الإسلامية، ونشكرك على اهتمامك بأمر صديقتك هذه، وقطعًا ما ورد في الرسالة هو من صميم تخصص الشبكة الإسلامية، وهذه الأخت –حفظها الله– بالفعل تُعاني من أفكارٍ شديدة، أفكار مستحوذة، أفكار متسلطة، أفكار سخيفة، أفكار مؤلمة للنفس، وهذه وساوس قهرية ولا شك في ذلك.

صاحب الوساوس –كما أفاد علماؤنا ومشايخنا جزاهم الله خيرًا– هو إنسان مُكره على ما يقع عليه، ولا شك أنه لا حرج على المكره -والله أعلم-، وسوف يفيدك الشيخ أحمد الفودعي كثيرًا في هذا المجال، فأرجو أن تأخذي بما سوف يرد على لسانه.

أيتها الفاضلة الكريمة: هذه الأخت بالفعل لديها أفكار وسواسية، وأفكار متسلطة، وكما ذكرتِ هي لا تريد أن تتعايش مع هذه الأفكار، لكن الفكر يتسلط عليها ويستحوذ عليها، وبالرغم من إكثارها من الاستغفار وسماعٍ للقرآن إلَّا أن الأفكار تظلُّ كما هي.

أيتها الفاضلة: كما تُلاحظين أن تعريف الوسواس ينطبق على هذه الفتاة بحذافيره، أفكار سخيفة متسلطة مستحوذة، تعرف سخفها، وتحاول أن تردَّها ولكنها لا تستطيع، ويتسلط الفكر ويؤدي إلى المزيد من الألم النفسي، وحتى بقية الوساوس غير دينية، مثلاً إذا كانت على سطح المنزل وكانت معها طفلة صغيرة يُخيل لها أنها سوف تُوقعها من سطح المنزل، هذا وسواس، وبفضلٍ من الله تعالى صاحب الوساوس –خاصة ذات المحتوى العنيف والسخيف– لا يقوم بتنفيذه أبدًا، حتى إننا لا نجد الموسوسين كثيرًا في ساحة الجريمة، وهذا أمرٌ مُلاحظ.

موضوع الحزن والتوتر الذي يأتيها هذا قطعًا ناتج من هذه الوساوس، أما شعورها بالشفقة على الناس كثيرًا فهذه رحمة في قلبها ولا شك في ذلك.

وصاحب الوساوس يتعرض لكثير من الأفكار، ولكثير من المشاعر الوجدانية، حتى إنها في بعض الأحيان تكون متقلبة جدًّا، وحتى الفكر المُفرح ربما يُحزن صاحب الوساوس في بعض الأحيان، وربما يكون هذا من الشيطان.

الشيء المؤسف قطعًا أن هذه الفتاة –حفظها الله– تُمارس العادة السرية وتُشاهد الأفلام، وربما تقصدين الأفلام العادية أو الأفلام غير العادية، وفي تلك الحالتين أعتقد أن هذا خطأ جسيم، هي لا شك أنها فاضلة وذات منظومة قيمية جيدة وأرادتْ أن تجمع بين ما هو متنافر، أرادت أن تجمع ما بين الطاعة ومخافة الله، وفي ذات الوقت تقوم بأفعالٍ لا تُرضي الله تعالى. الجمع بين الاثنين لا يمكن أن يتم في حيِّزٍ معرفيٍ واحد، هذا أمر معروف، وإذا حاول الإنسان أن يجمع بين المتضادات –وأقصد بذلك المتضادات العقدية والمعرفية والفكرية– في هذه الحالة سوف يحس بتوترات وألم نفسي شديد، وربما شيء من الكدر والكرب. هذا هو الذي ينطبق على هذه الفتاة.

أيتها الفاضلة الكريمة: انصحي هذه الفتاة بأن تذهب مباشرة إلى الطبيب النفسي؛ لتتلقى العلاج اللازم، ومضادات الوساوس في هذه الحالة تعتبر رائعة جدًّا، تفتح لها الطريق -إن شاء الله تعالى- لتحقير هذه الوساوس وتحطيمها ومقاومتها وهذا هو الخط العلاجي الرئيسي في هذه الحالات.

أرجو ألا تتأخر أبدًا عن العلاج؛ حتى لا يُطبق عليها الوسواس، وعليها أن تُكثر من الاستغفار والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وتُكثر من ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن، حتى يخنس الشيطان؛ حيث إنه يُساهم كثيرًا في هذه الوساوس، وإن كانت ذات طبيعة طبية.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة د/ محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان، وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي المستشار الأسري والتربوي
++++++++++++++++++++++
مرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله لك العافية.

هذه الوساوس التي تجدينها إنما هي مكر من الشيطان وكيد، يريد أن يصرفك بها عن سبيل الله، وعلاجها أن تُعرضي عنها وألا تشتغلي بها، وأن تستعيذي بالله سبحانه وتعالى كلما طرأتْ عليك، وبذلك ستزول عنك -بإذن اللهِ- عن قريب، وكوني على ثقة من أنها لن تؤثِّر على دينك وعلى إسلامك ما دمتِ كارهة لها خائفة منها، فإن النفور منها والقلق بسببها إنما هو بسبب وجود الإيمان في القلب الذي يُخالف ويُناقض هذه الوساوس، وهذا العلاج الذي وصفناه لك هو الدواء النبوي الذي وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن يُعاني الوسوسة، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأن الموسوس: (فليستعذ بالله ولينتهِ).

واعلمي -بارك الله فيك- أن الشيطان إنما يتسلط عليك بسبب الذنوب والمعاصي، فتوبي إلى الله من ذنبك، وخذي بالأسباب التي تُعينك على الثبات على طريق التوبة، وبذلك تُريحين نفسك من شرورٍ كثيرة، ومن أعظم الأسباب في الثبات على طريق التوبة: الرُّفقة الصالحة، فحاولي أن تتعرفي على النساء الصالحات والفتيات الطيبات؛ لتقضي معهنَّ أوقاتك، وتُمارسي معهنَّ الأنشطة النافعة التي تشغلك في الخير، فإن النفس إن لم يشغلها صاحبها بالحق شغلته بالباطل، واحفظي سمعك وبصرك من المُثيرات، فإن ذلك يُحقق لك الطهارة في نفسك وفي أخلاقك، كما قال الله سبحانه وتعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم}.

نصيحتنا لك أن تُكثري من ذكر الله، وتواظبي على الأذكار الموظفة، أي التي لها أوقات معينة كأذكار الصباح والمساء، والاستيقاظ والنوم، ودخول الخلاء والخروج منه، ودخول المنزل والخروج منه.

نسأل الله لك التوفيق والهداية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الحزينة

    السلام عليكم

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً