الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجني يكرهني لما رآه من عنادي وقلة عقلي، فماذا أفعل معه؟

السؤال

كنت أتعرض للتعنيف والضرب الشديد من أمي وأنا صغيرة، ومن والدي ووالدتي عندما أصبحت مراهقة. وأثر ذلك بي كثيرا عندما كبرت، وأصبحت غير متزنة، وليس هناك دليل على النضج.

تزوجت من رجل يكبرني بـ (6) سنوات، وعمري (24)، كرهني زوجي لما رآه من عنادي وقلة عقلي، والحق أني غير كاملة العقل، فاجتنبني اجتنابا كليا حتى عندما انتهت الخلافات، وأصبح ينام بغرفة ثانية، ولا يتواصل معي إلا إذا أراد طلب الطعام، وذلك أن يقول لي: أحضريه. ويعاقبني بالضرب المبرح على سفاهتي، ويقضي كل وقته خارجا لا يأتي إلا للأكل والنوم مباشرة، ولا يحدثني إلا في كل فصل مرة. وكل نصائح الخبراء بالعلاقة الزوجية لم تفد بإصلاح العلاقة؛ لأنه كرهني بالكامل.

السؤال: ماذا أفعل مع زوجي؛ كي لا أجعله يتعذب أكثر معي بهذه الحياة؟ هل أزوجه؟ أو هل يجوز لي طلب الطلاق مع أني أحبه جدا، ولكن لا يحبني؟ وهل يأثم على الضرب المبرح الذي يلقنني إياه عند الاختلاف في وجهات النظر، فذلك يحدث ربما مرة كل (3) شهور؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Shoosh حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أختنا الكريمة- في الشبكة الإسلامية، وشكر الله لك سؤالك وحرصك على لم الشمل مع زوجك، وردا على استشارتك أقول:

- من خلال قراءتي أكثر من مرة لاستشارتك تبين لي أنك صاحبة عقل راجح وناضج، وأنك لا تعانين من أي شيء، فمن الذي قال لك أو أوهمك أنك قليلة عقل، فتأسفك وسؤالك وحرصك على زوجك دليل على أنك لا تعانين من شيء.

- ما بك من الصفات السلبية موجود في كثير من النساء اللاتي لم يعانين ما عانيته في صغرك، ونقصان العقل صفة جبلت عليه النساء، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) والعناد قد يوجد في بعض النساء، بل وفي بعض الرجال، وهو صفة سلبية في النساء، وفي الرجال كذلك.

- أنت بحاجة إلى أن تدربي نفسك على ترك العناد، والصبر، والتحمل، فالأخلاق التي يتخلق بها الإنسان إما أن يكون مجبولا عليها، أو أنه يكتسبها، قال عليه الصلاة والسلام لأشج عبد القيس: (إن فيك لخلتين يحبهما الله: الحلم والأناة) فقال : أخلقين تخلقت بهما أم خلقين جبلت عليهما؟ فقال: (بل خلقان جبلت عليهما) فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله تعالى.
ويقول في الأخلاق التي تكتسب ويتعود عليها الإنسان: (إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم) وقال: (ومن يتصبر يصبره الله).

- الحياة الزوجية لا يقوم بنيانها إلا على التسامح والتغافر في حال حدوث أي خطأ من أحد الطرفين، وعلى التغافل عن كثير من الزلات، فالمشاحة والمحاسبة على كل صغيرة وكبيرة تورث الحقد في القلوب، وقد يوصل إلى ما لا تحمد عقباه، وقد يندم الإنسان في وقت لا ينفع فيه الندم.

- لا يجوز لزوجك أن يضربك الضرب المبرح لأي سبب من الأسباب، وإنما رخص الشرع في حال تأديب الزوج لزوجته أن يضربها ضربا غير مبرح، قيل: يضربها بمثل السواك، كما لا يجوز له أن يهجرها في المضجع هذه المدة الطويلة ويترك الحديث معها ...إلخ ما ذكرت، بل لا يجوز له أن يجعل زوجته كالمعلقة، فلا هي مزوجة ولا هي مطلقة.

- أنصحك أن تقتربي من زوجك، وتتجملي له، وتغريه، وابدئيه بالكلام، وخاطبيه بعبارات الحب والغزل والاشتياق، وقومي بخدمته على أكمل وجه، وأحسني من استقباله وتوديعه، وأشعريه بتغيرك، واستنهضي كل صفاتك الأنثوية التي بها تستطيعين سحر زوجك وجذبه إليك كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) وإن شاء الله يلين الله قلبه، وتعود المياه إلى مجاريها.

- اطلبي من زوجك جلسة ودية للتصالح والتسامح، وكوني متأهبة لتلك الجلسة بحيث تكونين بأبهى حلة، وابدئي الجلسة ببث عبارات الحب والاشتياق لزوجك، ولا تبقي عبارة حبيسة صدرك، واتركي الخجل جانبا، ومن ثم اطلبي منه العفو والصفح عنك، واعترفي له بخطئك، وسامحيه عما بدر منه فيما مضى، وصفيا قلبيكما، وابدأا صفحة جديدة في حياتكما.

- اطلبي منه نصحك ووعظك، وتوضيح ما يحبه ويكرهه، وعديه أنك ستفعلين ما يحبه وتتركين ما يكرهه، وجاهدي نفسك من أجل تحقيق ذلك، وكوني على يقين أن الله سيوفقك، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} وقيمي نفسك، واطلبي منه أن يقيمك ما بين الحين والآخر.

- وثقي صلتك بالله، فحافظي على الفرائض، وأكثري من الأعمال الصالحة التي تقربك من الله، فذلك من أسباب جعل الحياة في غاية من السعادة وهادئة، كما قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

- تضرعي إلى ربك بالدعاء وأنت ساجدة، وفي أوقات الإجابة أن يصلح الله ما بينك وبين زوجك، وأن يلهمك رشدك، وأن يهديك لأحسن الأخلاق، ويصرف عنك سيئها، وكوني على يقين أن الله سيستجيب لك، فالله الذي أمرنا بالدعاء وعدنا بالإجابة، فقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.

- أصلحي ما بينك وبين الله؛ يصلح الله ما بينك وبين زوجك، فعن معقل بن عبيد الله الجزري قال: كان العلماء إذا التقوا تواصوا بهذه الكلمات، وإذا غابوا كتب بعضهم إلى بعض أنه: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن اهتم بأمر آخرته كفاه الله أمر دنياه.

- للمعاصي أثر عظيم في إيقاع العداوة والبغضاء بين الناس، فإذا وقعت معصية من أحد أثرت على من حوله، وورثت العداوة والبغضاء، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} وقال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفس محمد بيده؛ ما تواد اثنان ففرق بينهما، إلا بذنب يحدثه أحدهما) ففتشي في نفسك فلعل ذنبا وقعت فيه ولم تتوبي منه، وما منا إلا وله ذنوبه، وقد يكون في نظرنا صغيرا ولكنه عند الله عظيم.

- الكلمة الطيبة صدقة، وتحدث في النفس أثرا طيبا، والكلمة الخشنة تحدث أثرا سيئا، ولذلك أمرنا الله بإنقاء أطايب الكلام من أجل إبقاء الألفة ودرء البغضاء والشحناء، قال تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} فانتقي الكلام مع زوجك انتقاء تفوزين برضى الله ثم بحب زوجك.

- لا تفاتحيه بمسألة تزويجه في هذه المرحلة، ولا تطلبي الطلاق، ولا تتعجلي بذلك، ففي الحديث الصحيح: (التأني من الله والعجلة من الشيطان).

نسعد بتواصلك في حال استجد جديد، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يصلح ما بينك وبين زوجك، وأن يسعدكما، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً