الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بضعف إيماني ويقيني بالله، ولا أحس بطعم الحياة!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكر لكم اهتمامكم، وحرصكم، ونصائحكم، جعلها الله في ميزان حسناتكم.

أنا شاب عمري 18 سنة، نشأت منذ صغري على حب الدين والقرآن -فلله الحمد- أحب ديني جدًا وأحب أن أسمع للمشايخ، حريص على رضا الله عني، وأتمنى أن أخدم ديني.

منذ سنة تقريبًا ابتليت بوسواس الشرك والكفر، ثم بعد ذلك بمدة قصيرة أصبت بوسواس الرياء، وتعذبت كثيرًا، لكن -الحمد لله- تقربت أكثر من الله، ثم جاء رمضان وزادت عليّ الوساوس والخواطر وعند انتهاء رمضان خفت، لكن حدث لي شيئا قلب موازين ديني ودنياي، وأنا أعاني منه منذ 4 أشهر، وسأسرد الذي يحدث معي بالتدقيق، فأرجو أن تتمعنوا حالتي جيدًا.

ذلك اليوم الذي تغير فيه كل شيء، وبعد محاربة بعض الوساوس والخواطر شعرت بانغلاق في جسدي، واختفاء مفاجئ للوساوس.

مررت باكتئاب عجيب لمدة 20 يومًا، كنت لا آكل ولا أشرب ولا أنام، ثم ذهبت كل هذه الأعراض تدريجيًا، لكن ظهر ما هو أسوأ، فقد تبلدت مشاعري كليًا لا أشعر بالفرح، ولا بالحزن، ولا بالهم، ولا الغم، ولا ضيق الصدر، وكأنني جسد بلا روح، حتى أسرتي لا أجد الحب تجاههم، حتى ولو ماتوا جميعهم بما فيهم أمي، والله اشتقت لنفسي، اشتقت للدموع وللهم والغم.

أصبحت أرى نفسي غريبًا بين الأصدقاء، كما أنني أصبحت أحب الوحدة، لكن ما هو أسوأ بكثير هو اختفاء إيماني ويقيني بالله وتوكلي عليه، وكل شيء، كما أنني أشعر أنني إنسان بلا عقيدة، الصلاة بدون روح، وكذلك الأذكار وتلاوة القرآن، حتى النوم لا أجد فيه راحتي، بل أستيقظ وأنا متعب.

كرهت نفسي فأنا أعيش بدون هدف، لا أمل لي في العودة إلى ما كنت عليه، أنا قانط ويائس، حتى الدعاء تركته ليس لأن الله لا يستجيب، بل بسبب ذلك الفراغ والقنوط الذي أشعر به عند الدعاء، وعند سائر العبادات.

إلى الآن ما زلت محافظًا على كل صلواتي في المسجد، وأذكار الصباح والمساء، وورد من القرآن.

وفي الختام: كل ما أريده هو الرجوع إلى الله، وإلى نور الإيمان، لا أريد دنيا فانية، بل أريد جنة قطوفها دانية.

أعلم أن الله هو الشافي هو الهادي، فأسأله سبحانه أن يجعلكم سببًا لذلك.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نصر الدين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
أنا اطلعتُ على رسالتك وتفهمتها تمامًا.

أيها الفاضل الكريم: الحمدُ لله الذي جعلك تنشأ على حب القرآن وحب الدين، نسأل الله تعالى أن يثبتك ويثبتنا جميعًا على المحجة البيضاء.

أيها الفاضل الكريم: الوساوس عادية جدًّا في فترات اليفاعة، وغالبًا ما تكون عارضة، والوساوس حول الأمور الدينية كثيرة جدًّا، -الحمدُ لله تعالى- أنت تغلبت على هذه الوساوس، وبعد ذلك دخلت في هذه الحالة الاكتئابية التي استمرت لمدة عشرين يومًا، ثم ذهبت عنك الأعراض، بعد ذلك ظهرت لديك الحالة الحالية، والتي هي بالفعل مؤثِّرة، وهي التبلُّد أو التجرُّد من المشاعر أيًّا كان نوعها.

وهذه الحالات معروفة - أيها الفاضل الكريم – وتندرج تحت نطاق الاكتئاب النفسي، حتى وإن كنت لا تشعر بالكدر أو الحزن، تبلُّد المشاعر بهذه الكيفية وعدم وجود أي استجابات وجدانية – كما نسميها – دليل على أنك في مزاج اكتئابي، وهذا -إن شاء الله تعالى- يزول عنك كما زالتْ عنك النوبة السابقة، وأنا أرى أنه من الضروري جدًّا أن تذهب وتقابل طبيبًا نفسيًا، اذهب وقابل طبيبًا نفسيًا، فأنت محتاج لأحد مُحسِّنات المزاج، ولا شك في ذلك.

يوجد الآن دواء جديد يُسمى تجاريًا باسم (فالدوكسان valdoxan)، والذي يسمى علميًا (اجوميلاتين agomelatine) من الأدوية الجيدة جدًّا لمساعدة الناس على استعادة مشاعرهم المتوازنة في حالات وجود اكتئاب نفسي، لكن الفالدوكسان لا يمكن تناوله إلَّا تحت إشراف طبي.

أريدك أن تذهب لتقابل الطبيب - أيها الفاضل الكريم – وسوف يصف لك الفالدوكسان، أو أي دواء آخر يراه مناسبًا بالنسبة لك، -والحمدُ لله تعالى- أنت متمسِّكٌ بصلاتك، وهذا أمرٌ عظيم، ولا تدع للشيطان أي مجال، أغلق عليه كل الطرق، وعليك بالدعاء، واحرص على بر والديك، -إن شاءَ الله تعالى- هذا سيُضيف لك إضافات إيجابية جدًّا، وتعود مشاعرك كما كانت سابقًا.

أريدك أيضًا أن تنام النوم الليلي المبكر، مهما كانت المشاعر سالبة احرص على النوم الليلي المبكر، وتجنَّب النوم النهاري، وعليك بممارسة الرياضة، وأيضًا التوازن الغذائي، هذا مهمٌّ جدا جدًّا، وحاول أن تُسقط على نفسك المشاعر الإيجابية، تأتي بها، تصطنعها، وتغرسها في نفسك، -وإن شاء الله تعالى- تأتيك بعد ذلك تلقائيًا.

الحالة من وجهة نظري هي حالة اكتئابية، قائمة على خلفية الوساوس السابقة التي أتتك، وسوف تزول -إن شاء الله تعالى-.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • روسيا الإتحادية أم عبد الله

    جزاكم الله خيرا

  • رضوان رضوان

    اسأل من الله أن يوفقك فيماتحب وترضة

  • المغرب هشام

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  • المملكة المتحدة هبة

    سبحان الله
    نفس حالتي في هذه الأيام
    اسأل الله لي ولك ولكل مريض بالشفاء العاجل

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً