الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعض أصدقائي يستهزؤون بعذاب القبر وعذاب النار، فكيف أتصرف معهم؟

السؤال

السلام عليكم

بعض أصدقائي يستهزؤون بعذاب القبر، وعذاب النار، مثلاً يقول أحدهم: سأدخل النار دقيقتين فلن أهون على ربي، وسأعذب على جانب من النار، ويأتيني ملكان ليسألاني من ربك؟ وما دينك؟ ومن الذي بعث فيكم؟

ولا أستطيع أن أصرفهم عن ذلك؛ لأني كلما كلمتهم يستهزؤون بكلامي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يُبارك فيك، وأن يُكثر من أمثالك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهدينا وإياك صراطه المستقيم، وأن يجعلك من الدعاة إليه على بصيرة.

بخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل- فإنه ممَّا لا شك فيه أن هذا الكلام الذي ذكرته مؤلم جدًّا، وأن الإنسان المسلم الذي يُحب دينه يتألم لأي كلامٍ يُقال عن دينه من باب التنقيص أو التسفيه أو غير ذلك، وهذا شعور أنت مأجور عليه، لأن المسلم كما يغار على عرضه ينبغي بل يجب عليه أن يغار على دينه، وأن يغار على كلام ربه، وأن يغار على كلام نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأن يغضب لحرمات الله تعالى، كما كان هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أنه ثبت أنه لم ينتقم لنفسه قط، ولم يغضب لنفسه قط، ولكن يغضب إذا انتُهكتْ محارم الله عز وجل، وكان إذا حدث هناك شيء من المعصية يثور ثورة – صلواتُ ربي وسلامه عليه – لا يستطيع أحد أن يتكلم معه حتى يهدأ – صلواتُ ربي وسلامه عليه -.

هذا شأن المؤمن الصادق، وأسأل الله أن يجعلنا وإياك وسائر المسلمين من الصادقين.

أما فيما يتعلق بهؤلاء الشباب فممَّا لا شك فيه أنه لعلَّ قلة العلم لديهم هي التي تؤدِّي بهم إلى هذا الكلام، ولعلَّ أيضًا السِّن والعمر الذي هم فيه أيضًا فيه نوع من الطيش ونوع من عدم تقدير المسؤولية، ولعلَّ بيئتهم التي نشأوا فيها، أو التربية التي تلقَّوها أيضًا لم تصل بهم إلى ما أكرمك الله تبارك وتعالى به.

لذلك أنا أنصحك ألا تتكلم معهم في هذه الأمور، ما دمت حريصًا على صحبتهم، يعني إذا كان هؤلاء هم أصدقاؤك المقرَّبون وليس لك أصدقاء سواهم فأنا أرى ألا تتكلم معهم في هذه المسائل التي تؤدِّي إلى هذا الخلاف، والتي تؤدِّي إلى جُرأتهم على الدين، وقل لهم: (نحن لا نريد أن نتكلم في هذه القضايا) ولا تحاول أن تُثيرها أنت أصلاً، لأن إثارتك لها أمامهم يُوقعهم في المعصية، وهم لا يُدركون حجم المعصية التي يفعلونها، لأن الاستهزاء بالدين أمرٌ كما هو معلوم من الكفر إذا كان الإنسان يعلمه وكان معتقدًا له، وإذا فعله متعمدًا عالمًا.

أرى حتى لا نُوقعهم في حرج اتفق معهم على ألا تتكلموا في قضايا الدين مطلقًا، ما دام أنهم لا يعرفون، لأنك لا تتحمَّل مثل هذا الاستهزاء أو السخرية، خاصة وأن هذا والعياذ بالله تعالى يؤدِّي إلى كفر صاحبه إذا كان عالمًا عامدًا، وهذا إن لم يكن لك من أصدقاء سواهم وكان بينك وبينهم مثلاً علاقة قوية ويصعب عليك أن تتركهم.

أما إذا كان لك أصدقاء من الصالحين، المحترمين، فأرى حقيقة أن تُخفف من علاقتك مع هؤلاء من باب الهجر في الله تبارك وتعالى، لأن الإنسان يجوز له أن يهجر أخاه في الله، بمعنى إذا ارتكب معصية لا يتكلم معه ولا يتواصل معه، بل حتى لا يُلقي السلام عليه كما ورد في بعض الروايات، وكما حدث في قصة الذين خُلِّفوا عن غزوة تبوك كما هو معلوم.

هذا – كما ذكرتُ لك – إن كان ليس لك من أصدقاء سواهم وفيهم خير في بعض الجوانب الأخرى فأرى أن تتفق معهم على ألا تُثيروا هذه المسألة، وإن أثاروها فلا تمش معهم مرة أخرى بعد ذلك، حتى لا يحدث إيغار للصدور وتغيير للنفوس ويحدث بينكم خلاف أنتم في غنىً عنه.

إن قبلوا ذلك واستمرت العلاقة فلا مانع، وأنت عليك بالدعاء لهم أن يهديهم الله تبارك وتعالى، وتكتفي بأن تدعوهم مثلاً إلى الصلاة في الجماعة، عندما تسمعون المؤذن يؤذِّنُ إذا كنتم مع بعضكم، أن تذهبوا إلى المسجد تصلوا مع المسلمين جماعة، وإذا لم يقبلوا ذلك وكانوا ليسوا من أهل الصلاة ولا من أهل الجماعة فأرى أن تبحث عن غيرهم، لأنه لا خير فيهم، لأنه كما قال العرب: (الصاحب ساحب) وكما قال الحبيب المعصوم -صلى الله عليه وسلم-: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالل).

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً