الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معاناتي مع فقر الدم

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة أبلغ من العمر 21 عاما، بدأت معاناتي قبل ستة شهور، بسبب عارض بسيط تعرضت له وهو فقر الدم، فقد كنت أعاني من الخفقان بشكل يومي، مع أخذ نفس عميق لأتمكن من التنفس، ذهبت إلى الطوارئ وأجريت تخطيط القلب وكان سليما ومنتظما، مع وجود تسارع بسيط، فأجرى الطبيب تحليل شامل للدم، وأنزيمات القلب ليتعرف على سبب تسارع النبضات، والنتيجة سليمة -بفضل الله-، ما عدا هيموجلوبين الدم كان منخفضا وهو السبب.

عندما علمت بأن السبب فقر الدم شعرت بالراحة كثيرا، وأعطاني الطبيب كبسولات الحديد، وعدت إلى البيت، فطلبت أمي أن أتناول وجبة كاملة لأن فقر الدم يسبب السكتة القلبية، ومن هنا بدأت معاناتي من الكلمة التي قالتها أمي، في نفس اليوم استيقظت من النوم وأنا أرتعد ولا أستطيع التنفس، كأن شيئا يقول لي ستموتين الآن، ذهبت للطوارئ مرة أخرى وأكد الطبيب بأن ما أعانيه بسبب الخوف، ونتائج التحاليل سليمة.

حاولت نسيان ما حصل، ولكنني دخلت في مرحلة جديدة من الخوف الشديد والتوتر الدائم، وتخيلت ملك الموت، وبكيت بشدة، كنت أنام ثلاث ساعات فقط، فقدت شهيتي بالطعام، وكنت أتخيل أن أبي ميت، وأختي الصغيرة ستموت، استيقظت من نومي ورأيتها فبكيت بشده لأنني اعتقدت أن اليوم هو آخر يوم أراها فيه، لا أستطيع الجلوس مع عائلتي لأنني أتخيلهم أموات وأبكي أمامهم بحرقه بسبب خيالي.

تطورت حالتي وصرت أشعر بالنغزات في كل جسمي، نغزات في صدري وكأن شيئا يعصره، أشعر بهبات باردة في رأسي وكأنها قطرات ماء، ذهبت إلى الطبيب النفسي وقال بأن ما أعانيه وسواس قهري وقلق المخاوف، لم يكتب أي أدوية لأنه يتعامل بالجلسات فقط، تحسنت قليلا بعد ذهابي له، ثلاثة شهور وأنا في تحسن -بفضل الله-، لكنني اليوم أصبحت أتوهم الأمراض الخطيرة، صرت أوسوس بإصابتي بأمراض الرأس وكسر الجمجمة والنزيف، لا أحب أن يلمس أحد رأسي، أغضب كثيرا لأنني أخاف من النزيف.

عندما تلعب أختي الصغيرة فإنها تضربني على بطني ضربات خفيفة، لكنني أغضب وأقوم بضربها لأنني أظن بأن الضرب يسبب النزيف، أنتظر يوما كاملا وأنا في حالة حزن؛ لأنه لو كان نزيفا فستظهر الأعراض فأكون في حالة ترقب لما سيحدث لي، وإن لم يحدث شيء أشعر براحة وسعادة، وهذا هو حالي كلما لمس أحدهم رأسي أو بطني.

صارت تأتيني ضربات غريبة في قلبي ليست خفقانا لأنني أعرفه جيدا، هي ضربة قوية في منتصف الصدر أشعر بعدها وكأن قلبي توقف، أخاف منها كثيرا، ويأتيني بعدها ألم في صدري، أجريت تخطيط القلب ثلاث مرات، جميع الأطباء يقولون أن قلبي سليم، وقال أحد الأطباء بأنني كبرت الموضوع كثيرا، وطبيب آخر يقول هذه حالة نفسية.

أجريت تحليلا شاملا وكان سليما، وارتفع الهيموجلوبين -بفضل الله- ولكن فيتامين (د) منخفض، تعبت من هذه الأعراض، حياتي انقلبت تعيسة، كنت شخصية مرحة ’حب الضحك والاهتمام بمظهري، ولكنني كنت بعيدة عن الله ومتهاونة بالصلاة، وأسمع الأغاني، أما الآن فقد تبت والتزمت بالصلاة وتركت الأغاني، ولكن وجهي حزين ولا أحس بطعم الحياة، أعيش حالة الترقب ولا أهتم بمظهري، ويوميا يأتيني الصداع، وأخاف من الفرح، كأنني تبدلت إلى فتاة أخرى.

أتمنى منكم نصيحة تساعدني في تخطي ما أمر به، وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ afnan حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية وكل عامٍ وأنتم بخير، وتقبَّل الله طاعاتكم.
أيتها الفاضلة الكريمة: أتفق مع الأخ الطبيب النفسي الذي شخَّص حالتك بأنها قلق مخاوف، وهنالك جوانب وسواسية، أنا أُحب أن أسمي مثل هذه الحالات (قلق المخاوف الوسواسي)، وهي حالات كثيرة ومنتشرة، ولا تعتبر مرضًا نفسيًا حقيقيًا، إنما هي ظاهرة من الظواهر النفسية، وقد تكون مزعجة لبعض الناس.

موضوع فقر الدم الذي تعانين منه ربما يكون عاملاً مُحفِّزًا للقلق وللتوتر، يعني أعراضك كلها لا نستطيع أن نقول أنها ناتجة من نقصان الهيموجلوبين البسيط الذي تعانين منه، إنما قابليتك للخوف وللتوتر وما سمعتِه بعد ذلك حول السكتة القلبية وخلافه جعل هذه الأعراض تستشري وتتضخم وتظهر عندك في شكل أعراض نفسوجسدية، النغزات في الصدر، تسارع ضربات القلب، الأفكار حول الموت وخلافه: كلها ناشئة من قلق المخاوف الوسواسي.

أيتها الفاضلة الكريمة: أنت تسيرين على الخط العلاجي الصحيح، واصلي جلساتك مع الطبيب النفسي، لكن أنا أفضل حقيقة أن تتناولي أحد الأدوية المضادة لقلق المخاوف، العلاج النفسي يتكون من أربع محاور: العلاج الدوائي، العلاج النفسي السلوكي، العلاج الاجتماعي، والعلاج الإسلامي، هذه الأربع يجب أن تتكامل مع بعضها البعض لتُعطينا العلاج الصحيح، أنت الآن الحمد لله تعالى تحت العلاج السلوكي، واجتماعيًا أحسبُ أنك في وضع اجتماعي جيد، وإسلاميًا إن شاء الله تعالى أنت حريصة على دينك، بقي أن نُكمِّل الرزمة والمنظومة العلاجية من خلال تناول أحد الأدوية.

أنا لا أقول لك خالفي طبيبك وتناولي الدواء حسب رغبتي، لكن أقول: ناقشي هذا الأمر مع طبيبك، وقدمي له مقترحنا، وأعتقد أن تناول دواء بسيط مثل الـ (زولفت/سيرترالين) لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر وبجرعة صغيرة، أعتقد أن ذلك سوف يكون كافيًا جدًّا بالنسبة لك.

وبجانب الإرشادات السلوكية التي يقولها لك المعالج، لابد أن تمارسي الرياضة، الرياضة مهمة جدًّا، التمارين الاسترخائية مهمة جدًّا، حُسن إدارة الوقت مهمٌّ جدًّا، تجاهل الأعراض، التفكير الإيجابي، أن تكون لك خارطة تُديرين بها وقتك، أن تكون لك مشاريع وطموحات مستقبلية وتضعي الوسائل والسبل والآليات التي تُوصلك إلى مبتغاك. هذا كله يُزيح تمامًا هذه الأعراض.

ويا أيتها الفاضلة الكريمة: نصيحة غالية جدًّا، وهي: ألا تُكثري من التردد على الأطباء، هذا يؤدي إلى التوهم المرضي، يؤدي إلى العُصاب المرضي، ويؤدي إلى المزيد من الوسوسة وتشابك المخاوف. أنا لا أحرمك من الملاحظة الطبية، لكن قطعًا التكرار والتردد الكثير على الأطباء مشكلة كثيرة جدًّا، أنت في عمر صحي، عيشي حياة صحيَّة، وتعيشي بطمأنينة وأمان، وطبقي ما ذكرته لك، وهذا هو الذي أراه مناسبًا بالنسبة لحالتك.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً