الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ماضي خطيبي تسبب في تعاستي، فكيف يمكنني نسيانه وتجاهله؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة عمري 27 سنة، تقدم لخطبتي شاب قبل عام ونصف، ووافقت عليه، واكتشفت بعد فترة أنه لم يكن سيئا، ولكنه قام بأشياء سيئة 3 مرات لا أكثر، لم تصل حد الزنا، سامحته ولم أشغل بالي بذلك الموضوع مطلقا، ولكن بعد 6 أشهر أصبحت أفكر في كل شيء قاله أو فعله، وأشكك بأفعاله، مع أنني أعلم تماما أنه لم يفعل ذلك، ثم أصبحت أفكر في ماضيه طوال الوقت، وأتخيله يفعل تلك الأشياء، أفكر من الصباح حتى المساء، منذ أن أستيقظ وحتى أنام، نومي قليل لذا أفكر كثيرا، مما زاد الأمر سوء، حتى أصبح يتردد في رأسي عبارة: أنا لا أريده، مع أنني أعلم أنني أريده ولا أريد غيره، حتى عندما أقابله أجد أنني أريده، ولكن الأفكار تحدثني أنني لا أريده.

ذهبت إلى شيخ للرقية، فتحسنت قليلا، وأصبحت أقاوم تلك الأفكار والعبارات، ولكن كل فترة تظهر فكرة جديدة.

استخدمت حبوب الباروكستين، وتحسنت كثيرا، خصوصا أنه يجلب النوم، لذا أتوقف عن التفكير، استخدمته لمدة شهر، ثم توقفت عن أخذه، اختفت فكرة أنني لا أريده، ولكنني أصبحت أردد في رأسي أنه سيء، مع أنني أعلم أنه غير سيء، وأناقش مع نفسي ذلك، وأجد أنني أكرر: لقد كان سيئا طوال الوقت حتى أثناء العمل.

أحاول أن ألهي نفسي، ولكن ما زالت تأتيني تلك الفكرة، عندما أكون مع الناس أفكر طوال الوقت هل هؤلاء الفتيات إذا علمن أن أزواجهن أو خُطَّابهن قاموا بأخطاء في الماضي، هل سيوافقن عليهم؟ أفكر كثيرا جدا في ذلك الأمر، مما جعل فكرة أنني لا أريده تعود إلى رأسي مجددا، مع أنني ما زلت أريده، وتتردد تلك الأفكار كثيرا أثناء الصلاة، حتى أنني أحس أنني أثناء نومي أفكر، أستيقظ بهلع وأبدأ في التفكير مباشرة.

الزواج سيكون بعد سنتين، هل سأعيش طوال السنتين هكذا أصارع الأفكار؟ وهل سيتوقف ذلك الأمر بعد الزواج أم سيستمر؟ فقط أريد خطيبي وأريد أن أتوقف عن التفكير، وأعود كما كنت سابقا.

جزاكم الله خيرا، ووفقتي وإياكم لفعل الخير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رميثاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحل الأمثل لعلاج التفكير السلبي هو قطعه مباشرة ونسيانه والاشتغال بفكرة أخرى؛ لأن الاسترسال معه يزيده، ومن أنجح العلاجات لذلك الاشتغال بذكر الله تعالى والتسبيح وقراءة القرآن والدعاء.

وأنصحك بالاستمرار بالسماع للرقية الشرعية لأنك وجدتي تحسنا منها، ففيها علاجك -إن شاء الله-، وعليك بصلاة الاستخارة فإن اطمأنت نفسك له فالحمدلله، وإن نفرت منه فالخيرة فيما اختاره الله لك.

ولا تحاكمي خطيبك إلى ماضيه فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، طالما أنه تاب وأقلع منها، والصحيح أن العبد لا يخبر غيره بمعاصيه بل يسترها ويتوب منها.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك مما فيك، وأن يختار لك الخير.
---------------------------------------------------------------
انتهت إجابة: د. حسن شبالة - مستشار العلاقات الأسرية والتربوية-،
وتليها إجابة: د. محمد عبدالعليم - استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-.
---------------------------------------------------------------
نرحب بك في استشارات الشبكة الإسلامية وكل عامٍ وأنتم بخير.

بعد أن اطلعتُ على رسالتك وحاولتُ أن أضع الاحتمالات الأساسية التي تدفعك نحو هذا التفكير، أستطيع أن أقول أن الذي توصلتُ إليه – وأنا على قناعة كبيرة – أن هنالك مخزون كبير جدًّا من الأفكار السلبية حول خطيبك، هذا المخزون على مستوى العقل الباطني، أما على مستوى العقل غير الباطني فهنالك قبول وتوافق تام من جانبك حول هذا الخطيب.

وأصبحت الآن الأفكار السلبية طاغية، لأنها أخذت الطابع الوسواسي، والفكر الوسواسي – كما يمكن أن نُعرِّفه – هو فكر مستحوذ، يُسيطر، يُلح على الإنسان، ومهما تسعين لدفعه والتخلص منه فإنه يفرض ذاته ويأتي مرَّاتٍ ومرَّاتٍ في شكل اجتراراتٍ ليسيطر على كيانك، ومن ثمَّ يؤدي إلى القلق وإلى التوتر، بل المزيد من القلق والتوتر، والمزيد من الوسواس.

إذًا الفكرة هذه هي فكرة وسواسية، وحدث نوع من التضخيم والتجسيم والتجسيد لهذه الأفكار، لأنها تتعلق بأمرٍ حسَّاسٍ جدًّا، المسلك الخاطئ قطعًا يتضخم أحيانًا لدى الطرف الآخر، خاصة إذا كان الإنسان حسَّاس ولديه منظومة قيمية عالية مثل شخصك الكريم.

إذًا الفكرة هي فكرة وسواسية، وإن كانت فيها جوانب تُلامس الحقيقة، يعني أنها ليست فكرة خاطئة كلها، وفي نهاية الأمر علاج هذا الموضوع هو من خلال تحقير الفكرة، وتثبيت أنك الحمد لله تعالى قد أدركت هذه الأخطاء، والآن تودين تجاوزها، وهذا الخطيب رجلٌ ممتاز ورجل صالح وقع في هذه الأخطاء في وقت مضى، والحمدُ لله تعالى هو الآن في وضعٍ الذي يظهر عليه أنه قد تاب، وأنه قد طبَّق شروط التوبة المعروفة. ابنِي هذا التصور في داخلك.

والخطوة الأخرى هي التعجيل بالزواج، وإن شاء الله تعالى لن تستمر هذه الفكرة بعد الزواج، ودليلي هو دليل علمي، أن الوسواس يُكسر ويُزال من خلال التطبيقات المضادة له، والانتقال إلى واقع جديد، أنت الآن تعيشين في واقع أن هناك خطوبة ولكن حتى الآن لا يوجد زواجًا، لا يوجد رباطًا شرعيًا، بمعنى الخروج من هذه الدائرة – أي دائرة الخطوبة – ممكن، وهذا أصبح تربة خصبة لتوليد الوسواس.

أنا أنصح ألا تنتظري مدة السنتين، عجَّلوا بالزواج، أتفقا معًا على ذلك.

النقطة الأخيرة هي: لا مانع من استعمال البروكستين لفترة أطول، ويمكن أن يكون ذلك بجرعة صغيرة، تناوليه بجرعة عشرة مليجرام فقط - أي نصف حبة – لمدة شهر، ثم اجعليه حبة واحدة لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم توقفي عن تناول الدواء.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السودان رميثاء

    جزاكم الله خيرا كثيرا د.حسن و د.محمد .. حقا لا ادري كيف أشكركم .. و سآخذ بنصائحكم بإذن الله تعالى .. د.محمد أجد أنك قد فهمتني تماما و ذلك بالضبط ما يحصل معي ..
    جوابكم اراحني كثيرا ..
    (من نفس عن مؤمن كربه . نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامه)
    نفس الله عنكم كرب يوم القيامه.
    حفظكم الله.

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً