الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أثّرت عليّ قسوة أهلي الشديدة مع كوني مجتهدة وناجحة!

السؤال

السلام عليكم.

شكرا لكم على إتاحة الفرصة، سأبدأ أولًا بسرد مشكلةٍ لازمتني منذ عدة سنوات: وهي أني عانيت في طفولتي بسبب سوء المعاملة من والديْ، ضُربتُ كثيرا في الطفولة، وشتمت بشكل يومي، وهددت بالرمي في الطريق، رُميتْ ألعابي الجديدة في الشارع بسبب أن أحد إخوتي أراد اللعب بها ورفضت، وسبق أن عوقبت من قبل والدتي بالحرق، ولايزال أثر الحرق إلى الآن يشوّه يدي.

أبعدني أبي وإخوتي عنه، لم يكن يتحدث إلينا ولا يبتسم، فضلًا عن الاحتضان وغيره، باختصار لم يشعرنا بحنانه يومًا، كان وما زال غاضبا مستعدا للضرب والتوبيخ ولا يترك لك فرصة لمناقشته، حتى أننا لم نأكل على سفرة واحدة إلا عندما كبرت، ولم يسأل أحد من والدي عن علاماتي النهائية في المدرسة أو الجامعة، وهذا أثر علي في عدة نواحي:

1- بالرغم من أن إخوتي عانوا معي إلا أنهم مفضلون علي دائمًا لأنهم ذكور، فعلاقتي مع إخوتي الآن رسمية جدا، لا نكاد نتكلم مع بعضنا.

2-نشأت على الكراهية والمقارنات، ولم أكن أحب عائلتي "الوالد بالذات".

3- انخفاض المستوى الدراسي، فقد حصلت أكثر من مرة على نسبة 100٪‏ إلا أنها انخفضت تدريجيا إلى أن تخرجت من الثانوية بنسبة 86٪‏ وبمعدل جيد جدا منخفض من الجامعة.

4- بُنيتْ شخصيتي مهزوزة ضعيفة مدفوعة لإرضاء الآخرين والخوف منهم، وعنيدة في نفس الوقت، وعندما دخلت الثانوية بدأت أدرك أي حال وصلت إليه، وعزمت على التغيير في حياتي وبناء شخصية مختلفة، واستطعت ذلك بحمد الله.

أصبحت إيجابية وجدية أكثر، وكونت شخصية أعتبرها ناجحة، إلا أنني انعزلت تمامًا عن المجتمع وكرهت مخالطة الناس "ليس بسبب الخوف" وكلماتي اليومية تعد على الأصابع، انطويت في غرفتي ولم أحب الخروج منها حتى مع العائلة، حاولت أن أشغل وقتي بأشياء مفيدة، حفظت القرآن بحمد الله، وتعلمت لغتين فضلا عن العربية، ثقفت نفسي وقرأت الكثير من الكتب، وعملت دواماً مسائياً بالرغم من دوامي في الجامعة، لشغل الوقت ولحاجتي لأن والدي لم يكن يصرف علينا.

إلا أن هذه الأعمال لم تكفي؛ فقد دخلت في نوبة اكتئاب وحزن شديدين، دمعتي لا تفارقني، فقد كنت أريد تكوين أصدقاء وفي نفس الوقت لا أحب الناس، إلى أن وجدت نفسي في أحد مواقع التواصل، كونت صداقات وتعرفت على شاب يكبرني سنتين دارت بيننا بداية حوارات في مواضيع عامة ثم لم ألبث حتى تعلقت به، وجاهدت نفسي لتركه خوفًا من الله واحترامًا لعائلتي ولعلمي نهاية ومصير هذه العلاقات عادةً.

وعندما تركته رجعت لاكتئابي وحزني، فأنا بشر أحتاج للحديث، والمسافة بيني وبين إخوتي كبيرة، حتى إن تكلمت لا أجد استجابة، وأنا الآن بين ترجيات الشاب لي للرجوع إليه وبين تعلقي به وحاجتي للبوح، وبين خوفي من الله ورجائي رحمته ومغفرته.

السؤال بالتحديد هو:

1- كيف أعالج هذا الاكتئاب بدون زيارة عيادات أو اندماج مع الناس؟ فأنا لا أحب الحديث معهم.

2- أخشى أن أعود إلى الشاب مرة أخرى؛ فماذا أفعل؟

3- كيف أسامح أبي؟ لا أستطيع مسامحته مع أنه خفف من حدته عن السابق، لكن لا أستطيع نسيان الماضي، فكلما حاولت النسيان لاحت لي صورة لعبتي المرمية بالشارع وألم حرق الملعقة ... إلخ، أعلم أنهم أرادوا لي المنفعة لكن بطريق غير مناسب.

أعتذر على الإطالة، كانت الكتابة هنا هي المتنفس لما كتمته في داخلي منذ الطفولة، وأتمنى أجد لديكم ما يرشد حيرتي ويهديني السبيل القويم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سما حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكراً لك على التواصل معنا والفضفضة إلينا، وأبدا لم تطيلي، فمثل هذه الأمور تحتاج لشيء من التفصيل، ومما يساعد السائل على البوح بما في نفسه، أعانك الله وخفف عنك شيئا من هذه المعاناة الطويلة.

من الواضح أن عندك فهما واستيعابا واضح للتجارب والمواقف التي مررت بها، وتأثيرها عليك وعلى شخصيتك وعلاقاتك، طبعا وكما تعلمين الكثير من الخصائص والطباع الموجودة عندك إنما مردّها تجارب الطفولة المؤلمة، في مجتمع ذكوري مع الأسف يقدّر الذكور أكثر من تقديره للإناث.

طبعا لا أحد يطالبك بالمسامحة، فهذا شيء خاص بك، وربما تصلين إليه في مرحلة ما من حياتك، وبالطبع حتى ولو سامحت فلن تنسي، فالنسيان أمر آخر.

ولكن ما شاء الله وبالرغم من كل هذه الصعوبات فقد حققت الكثير من الدراسة الجامعية واللغات والعمل على حفظ ما يمكن من كتاب الله.

لن أوجهك للعيادة النفسية لأنك لا تريدين أولاً، ولأنك ربما لا تحتاجين، ولكن قطعا تحتاجين للاختلاط بالناس والحديث معهم من أجل الخروج من الحالة التي أنت فيها، ولتتعرفي بأن هناك أناساً طيبون كثر، ولتستعيدي الثقة بالناس والإنسان، فالإنسان مخلوق اجتماعي، وهو يحتاج أن يتواصل معهم وتكون له مكانة بينهم.

ولا تنسي بأن بعض الأنشطة التي يمكنك القيام بها هي من مضادات الاكتئاب، كالصلاة والرياضة، وكذلك كل الأنشطة التي ترتاحين للقيام بها من هوايات فنية وغيرها.

والأمر الهام أيضا أنك في هذا العمر وفي هذه المرحلة من إنهاء الجامعة، فأنت على أبواب مرحلة جديدة من حياتك، من الزواج والعمل وتموين الأسرة، ولذلك فأنت في حاجة للخروج قليلا من نطاق الأسرة والتواصل مع المجتمع، ولكن ليس للتواصل مع الشاب الذي تعرفت عليه من خلال النت، فأنت من الواضح أنك تدركين طبيعة نهاية مثل هذه العلاقات، والتي ربما لا تبشر بالخير، فاحذري -يا رعاك الله- من الانسياق وراء نزوة أو خديعة يقوم بها الكثير من الشباب مع الأسف الشديد، فأنت أهم وأعقل من السير في هذا الطريق.

نعم لديك حاجات عاطفية ونفسية واجتماعية؛ ولكن ليس عبر هذا الطريق الذي أقل ما يُقال فيه بأنه غير المضمون.

استعدي للمرحلة الجديدة من حياتك، لتخرجي من أسْرِ الأسرة، والانفتاح على المجتمع ككل.
والله الموفق للسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً