الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أذنبت في الماضي كثيراً وتبت إلى الله.. وأشعر أني في عقاب

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة 23 سنة، لقد فعلت الكثير من الذنوب منذ سنوات، وتبت منها جميعاً، وتقربت إلى الله، ورزقني الله العمرة والحج، وبدأت أعيش في راحة بال ورضا عن نفسي وعن حياتي، وكنت لا أفكر إلا في الآخرة.

منذ عدة شهور وأنا لا أعرف لماذا أعيش؟! فأنا لا أمتلك وظيفة ولا زوجاً ولا حياة زوجية، وأشعر أن الله يعاقبني بسبب ذنوبي الكثيرة السابقة، بأن يؤخر زواجي، وخصوصاً أن جميع من في سني معظمهن تزوجن، ومعظمهن خطبن، وأسمع كلاماً من الناس وتلميحات، وإهانات بعض الأوقات، كلما تزوجت فتاة في سني أو أصغر مني، وأنا لا يتقدم لي أحد، وأشعر أن الله يعاقبني في هذا الموضوع، خصوصاً بسبب ذنوبي.

أنا أعلم أن ذنوبي كانت كثيرة جداً، ولكني تبت منها، وفي الفترة الحالية بدأت بالرجوع لبعض الذنوب ثم أندم وأستغفر، لا أعرف ماذا علي أن أفعل، حالياً لا أشعر بالحياة، ولا أريد وظيفة، ولا أريد زوجاً، حتى إذا امتلكتهم لا أعرف إذا كنت سأفرح أم لا!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هدى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

كونك تتألمين من تراجع وضعف إيمانك بعد توبتك الصادقة والنصوح، والتي استمرت لعامين جميلين كاملين، أحسستِ فيها براحة البال والرضا عن النفس والتعلق بالآخرة، فهذا دليل صدق وصحة إيمانك وجمال دينك وخلقك وتربيتك، وهو من نعمة الله عليك، والتي تستوجب الشكر بالثبات عليها والزيادة منها، (ولئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد).

هذه رسالة واضحة من الله تعالى لك، فيها بيان أن السعادة تكون بالقرب من الله، وأن الشقاء بالبعد عنه، وهو سر شعورك الآن بعد بعض الغفلة الصادرة منك، وابتلاؤك بكونك لا تشعرين للحياة طعماً ولا معنىً؛ ذلك أن الإيمان بطبيعته يزيد وينقص، فيزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.

يكون حال الإنسان في زيادة الإيمان في راحة ورضاً وسعادة، وأما في نقصانه فيكون في عناء وتعاسة وشقاء، ولذلك فإن الواجب عليك الحرص على العمل بأسباب زيادة الإيمان، وذلك بالذكر والفكر والشكر وطلب العلم والعمل الصالح والصحبة الطيبة.

قال تعالى : (ومن يؤمن بالله يهد قلبه)، (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) وفي المقابل فقد تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى) والعياذ بالله تعالى.

كما أن الضيق والهم أمر طبيعي يخالج الإنسان السوي أحياناً ويعود لأسباب كثيرة منها غالباً بأنك لا تشعرين بالاستقرار والأمن النفسي والعاطفي والمادي، كونك – كما ذكرتِ - ليس لك وظيفة ولا زوج، فقد شرع الله تعالى الزواج سكناً لتحقيق هذه المقاصد الفطرية والطبيعية والإنسانية فقال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).

كما أن توفر الوظيفة لدى الإنسان يملأ عليه فراغه إذ الفراغ قاتل ومفسدة عظيمة، كما قال الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدة * مفسدةٌ للمرء أي مفسدة.

كما أن الوظيفة تؤمن للإنسان مصدراً مالياً، لاسيما للمرأة التي يشعرها المال بقيمتها، والأمن الاقتصادي على حاضرها ومستقبلها، لاسيما في مثل هذه الأزمة التي تمر بها مجتمعاتنا، وقد سمى الله المال (قواماً) في قوله سبحانه: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً) أي بأموالكم تقوم أموركم.

لذا فإني أوصيك بالحرص على توفر الزوج الصالح، وإكمال الدراسة إذا أمكن، وكذا السعي لتوفير الوظيفة المناسبة.

لا تقلقي - أختي الطيبة – ولا تستعجلي تحقق مصالحك؛ كونها مرتبطة بقدرك (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، ولكن اعملي لتحقيقها ببذل الأسباب اللازمة لتحصيلها، ولا تبالي بكلام الناس وجرحهم بمشاعرك فإنه لا يقدم ولا يؤخر ولا ينفع ولا يضر، فمهما فعلتِ فإن الثرثرة والنقد ستبقى فاكهتهم لأن: (رضا الناس غاية لا تدرك ورضا الله غاية لا تترك).

احذري من العودة إلى بعض الذنوب فإنك لن تجدي فيها سعادتك بل العكس فالذنوب شقاء للقلوب كما قال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى).

احرصي على لزوم الصحبة الطيبة التي تذكرك إذا نسيت، وتعلمك إذا جهلت، وتنبهك إذا غفلت، وتكون لك خير عون وعدة في وقت الرخاء والشدة.
(أخاك أخاك إن من لا أخا له ** كساعٍ إلى الهيجاء بغير سلاحِ).

كما أن الصديق الصالح محل طيب لبث الهموم وعلاج المشكلات.
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة ** يواسيك أو يسليك أو يتوجع.

لا تنحصر الصحبة الصالحة في صحبة الأبدان بل وتشمل كل ما يلازمك ويصاحبك من البرنامج والمحاضرات والخطب والدروس ووسائل التواصل الاجتماعي شريطة أن تكون هادفة ونافعة ومفيدة.

كما يمكنك تفريغ طاقة الحزن والضيق السلبية بإعطاء النفس حقها من الراحة والنوم وممارسة الرياضة والخروج إلى المتنزهات ونحو ذلك.

احذري الإصابة بداء وآفة اليأس والإحباط والقنوط (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) تحلي بالثقة بالله ثم بالنفس وحسن الظن والتفاؤل والأمل والصبر والإيمان والرضا بالقضاء والقدر ولازمي الذكر وقراءة القرآن والدعاء والقراءة النافعة والمفيدة.

حاولي أن تتكيفي وتتعايشي مع الحياة الدنيا لأنها دار ابتلاء ودار ممر وقد طبعت على الكبد والنكد (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، (يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فملاقيه) (ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف الجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم).

أنصحك بقراءة كتب السيرة النبوية وكتاب: (جدد حياتك) للشيخ الغزالي، وكتاب: (لا تحزن) للشيخ عائض القرني، وكتاب: (استمتع بحياتك) للشيخ العريفي.

هذا وأسأل الله تعالى أن يفرج همومنا ويغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا ويشرح صدورنا وييسر أمورنا ويعيننا على ما فيه طاعته ومرضاته ويرزقنا سعادة الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً