الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشكو من تأخر زواجي وإصابتي بخلل هرموني.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مررت خلال الفترة السابقة بتجربة مريرة، جعلتني أتساءل عن ابتلاء الله للعبد وحكمه، فأنا فتاةٌ في التاسعة والعشرين من عمري ولم أتزوج حتى الآن، وأقسم بالله العظيم الذي لا إله إلا هو أن أهلي لم يتركوا باباً إلا وطرقوه في محاولةٍ للبحث عن الزوج المناسب لي، وأقسم بالله العظيم كذلك أننا لا نتعسف في متطلبات الزواج، بل نتبع سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولكننا نفاجئ بأن من أمامنا ينظر إلى تنازلاتنا الكثيرة بعين الطمع والجشع، فيطمع في أن نتكفل نحن بتكاليف الزواج من أولها لآخرها؛ حتى لا ينفق من أمواله الخاصة، وبالتأكيد هذا الأمر مرفوض شرعاً وعُرفاً.

وسؤالي هو: أنني قد بلغت التاسعة والعشرين من العمر بدون زواج، وبدأت أعاني من خلل في الهرمونات نتيجة لتأخر سن الزواج، وهذا أمرٌ كنت أعلم أنه سيحدث آجلاً أم عاجلاً، ولكن لماذا يبتليني الله بهذا الأمر وأنا طالبة للزواج وباحثة عن الزوج المناسب، ولم أرفض تطبيق سنة الحبيب المصطفى؟

لماذا يبتليني الله بهذه المتاعب الصحية بسبب أمر لا دخل لي فيه؟

ما ذنبي في أن أكون فتاة غير مرغوب فيها من قِبل الرجال؟

ما ذنبي في أنني فتاة تربيت على الأخلاق الإسلامية، ورفضت تجاوزات مُدعي التدين من الشباب المتقدم لخطبتي، فيتم رفضي بسبب التزامي الديني؟

ما ذنبي في أن الله لم يخلقني شبيهة بنانسي عجرم أو هيفاء وهبي وأن بشرتي ليست بيضاء وقوامي ليس فرنسياً؟

ما ذنبي في كل هذا حتى تزداد حسرتي بحدوث خلل هرموني بداخل جسدي نتيجة لعدم زواجي حتى الآن؟

أرجو أن تفيدوني لأنها مشكلة الكثير من الفتيات، ولكن القليلات منا من تستطيع التصريح بما تُعاني منه.

وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أ.ح.م حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك ويلهمنا جميعاً رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.

فإن المؤمنة ترضى بقضاء الله وتسلم لحكمه ولا يحدث في كون الله إلا ما أراده الله وعجباً لأمر المؤمن أن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له أو أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، ((فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا))[النساء:19].

ورحم الله سلف الأمة الذين كانوا يسألون ربهم فإن أعطاهم شكروه وإن منعهم رجعوا بالملامة على أنفسهم يقول أحدهم لنفسه مثلك لا يجاب أو لعل المصلحة في أن لا أجاب، فهم بالمنع راضون، وذلك لأن الإنسان عبد لله والله تبارك وتعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

وأرجو أن نتذكر أن نعم الله مقسمة فهذا أعطي عافية وحرم المال، وهذه تزوجت وحرمت الولد، وهذه لم تتزوج، وهذا ولد أعمى، وهكذا، والسعيد هو الذي يتذكر ما عنده من نعم ليؤدي شكرها، والشقي هو الذي ينظر إلى ما عند الناس وينسى ما يتقلب فيه من نعمة العافية، والمال والطمأنينة، فيمتلئ قلبه بالحسد والغل والعياذ بالله.

والمؤمنة ينبغي أن تنظر إلى من هم أسفل منها في العافية والمال والولد، ولا تنظر إلى من هم فوقها في أمور الدنيا، أما في أمور الدين، فتنظر إلى من هم أفضل لنتأسى بهم، والسعادة لا تكون بالمال ولا بالزواج ولا بالأولاد، ولكن السعادة بتقوى الله وطاعته والرضا بقضائه وقدره، فكم من إنسان أعطاه الله سيارة ليكون موته بسببها، وكم من فتاة رزقت بزوج أذاقها الويلات، وكم من إنسان أعطي من الأموال فكانت سبباً لشقائه وقطيعة رحمه.

واعلمي يا ابنتي أن لكل أجل كتابا وسوف يأتيك ما قدره الله في الوقت الذي أراده الله، وهناك فتيات بلغن الأربعين ولم يتزوجن، بل هناك من تقضي عمرها دون أن تتزوج.

ولا ينبغي للمسلم أن يقول لماذا؟ ماذا فعلت يا رب حتى يحصل لي كذا؟ لأن هذا اعتراض على أقدار الله وهذا فيه خطورة على الإنسان، ولكن المؤمن يفعل الأسباب، فيكثر من الدعاء ويزيل الأسباب المانعة لنزول الرحمات مثل الخطايا والموبقات، فقد يحرم الإنسان الرزق بالذنب يصيبه، وقد يبتلى المؤمن ليرتفع عند الله درجات (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب عبداً ابتلاه فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط) وأمر الله نافذ.

ولا داع للقلق فإن المرأة عندها قدرة على الإنجاب حتى مراحل متأخرة وقد تتزوج شابة ثم لا تجنب، فلا تصدقي كل ما يكتب عن الهرمونات، فإن الله أذا أراد شيئاً كان ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ))[يس:82].

وإليك بعض النصائح والوصايا:
1- نوصيك بتقوى الله وطاعته والرضا بقضائه وقدره.
2- لا تنظري إلى ما عند الناس، ولكن تأملي النعم التي أسداها الله إليك فإن الله قال في كتابه: ((وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى))[طه:131]، ورزق ربك من الدين والصلاح والتوفيق خير وأبقى؛ لأن سعادة الدنيا محدودة بخلاف سعادة الآخرة.
3- تذكري أن كل صاحب نعمة ممتحن ومبتلى.
4- لا تعودي لسانك مثل هذه العبارات: لماذا أنا كذا؟ ماذا فعلت حتى....
5- لابد أن تعرفي أن الجمال نسبي، فكل امرأة جميلة لأن مقياس الجمال مختلف فهذا يفضل الطويلة، وآخر يفضل البدينة، وثالث يفضلها سمراء وآخر يفضلها شقراء وهكذا..
6- تذكري أن الجمال الحقيقي هو جمال الدين والأخلاق أما جمال الشكل فعمره محدود وهو عرضة للزوال لمرض، أو حادث، أو بفعل مرور الوقت والعمر.
7- احمدي الله الذي لم يخلقك عمياء، أو قعيدة ومعاقة.
8- لا تظني أن الممثلات والفاسقات سعيدات، فلن يسعد الإنسان إلا بطاعته لله ورضاه بأحكامه، ولذلك فهؤلاء ينتشر بينهم الانتحار والمخدرات، واسألي من تابت منهن، وحتى الابتسامات على الشاشات لا تعتبر عن السعادة لكنها ابتسامات صفراء مدفوعة الثمن.
9- فاتقي الله واصبري ولا يحملنك استبطاء الرزق على طلبه بالحرام، أو مقابلة الأقدار بالاعتراض.
10- احرصي على صاحب الدين، فما كل متزوجة سعيدة، ولكن كل عيب فإن الدين يغطيه وليس لنقص الدين علاج.

والله ولي التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً