الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يكون التعامل مع أناس يفتقدون لأبجديات التعامل؟

السؤال

السلام عليكم..

اتباع الطرق الصحيحة والسليمة في حل ما يعرض لنا من مشاكل يوميا يصعب تطبيقها، وقد نضيع حقوقنا أو نتخاصم في كل موقف مضطرين لقضاء حوائجنا فيها، فما العمل؟ هل نرضخ للضغوطات أم نكذب ونراوغ لتفويت الفرصة لكل من يتربص بنا، أم نقاوم حتى ولو فقدنا شيئا من كرامتنا واهتزت ثقتنا، أم من الممكن أن نضيع منصبنا عند الوقوف في سلوكيات سيئة، أم يخصم من راتبنا في موقف ما لا يرضي المسؤول؟

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سعيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:

الأصل في التعامل الصدق وهو المبدأ الذي لا ينبغي للمسلم أن يحيد عنه يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).

من حق المرء أن يدافع عن حقه وأن يخاصم من يريد أن يأخذ حقه؛ فقد كان بعض الصحابة الكرام يخاصم من أجل أخذ حقه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولربما تدخل عليه الصلاة والسلام فحل الخلاف القائم بأمر صاحب الحق أن يتنازل عن شيء من حقه من أجل أن يقوم المدين بالسداد؛ ففي صحيح البخاري: عن كعب بن مالك، أنه كان له على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي مالا، فلقيه، فلزمه حتى ارتفعت أصواتهما، فمر بهما النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا كعب، فأشار بيده كأنه يقول النصف، فأخذ نصف ما له عليه وترك نصفا)، والمعنى أنه أشار على كعب أن يتنازل عن النصف، فقبل كعب حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أحيانا قد يتنازل المرء عن حقه بالكامل إن رأى أن الدخول في الخصومة والمطالبة ستذهب هيبته ومكانته، وهذا لا يعني ضعفا منه؛ وإنما ذلك مقتضى الحكمة والترجيح بين المصالح والمفاسد.

المراوغة ومدح من بيده حقوقك بما فيه، وتليين الكلام معه اتقاء لشره، والقيام بالحيل المشروعة لأخذ حقوقك، وتفويت الفرصة على من يتربص بك أمر مشروع، ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-، أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (ائْذَنُوا لَهُ، فَلَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ) [الْمُرَاد بِالْعَشِيرَةِ قَبِيلَته, أَيْ بِئْسَ هَذَا الرَّجُل مِنْهَا]، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ، قَالَ: (يَا عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ)، ومعنى (اتقاء فحشه) أي لأجل قبيح قوله وفعله.

وقال النووي: "وَفِي هَذَا الْحَدِيث مُدَارَاة مَنْ يُتَّقَى فُحْشه، وَلَمْ يَمْدَحهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَلَا ذَكَرَ أَنَّهُ أَثْنَى عَلَيْهِ فِي وَجْهه وَلَا فِي قَفَاهُ, إِنَّمَا تَأَلَّفَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا مَعَ لِين الْكَلَام".

نحن نعيش في وقت ضعفت فيه القيم للأسف الشديد، ولذلك فلا بد أن يكون عندنا فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد، فالشرع إنما جاء لجلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها، وعلى هذا لا بد من أن نتحمل أقل الخسائر إن لم نستطع مداراة الناس.

هنالك فرق بين المداراة والمداهنة، ولا بد أن نتنبه لهذا، يقول العلامة ابن القيم: المداراة: التلطف بالإنسان لتستخرج منه الحق، أو ترده عن الباطل.

والمداهنة: التلطف به لتقره على باطله، وتتركه على هواه فالمداراة لأهل الإيمان، والمداهنة لأهل النفاق.

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: المداراة: هي خفض الجناح للناس والرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإِغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألف، وهي من أخلاق المؤمنين ومندوب إليها.

والمداهنة: مأخوذة من الدهان، وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه: كمعاشرة الفاسق، وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، وهي محرمة منهي عنها.

أنصحك بالمحافظة على أربع ركعات أول النهار فإنها تقيك من الظلم بإذن الله تعالى، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: ( يا ابن آدم صل لي أربع ركعات أول النهار أكفك بهن آخره) وأما نوعية الكفاية فقد قال في عون المعبود: يَحْتَمِل أَنْ يُرَاد كِفَايَته مِن الْآفَات وَالْحَوَادِث الضَّارَّة، وَأَنْ يُرَاد حِفْظه مِنْ الذُّنُوب وَالْعَفْو عَمَّا وَقَعَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ أَوْ أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ. اهـ.

وجاء في مرقاة المفاتيح لملا القارئ: أي أكفك شغلك وحوائجك وأدفع عنك ما تكرهه بعد صلاتك إلى آخر النهار، والمعنى فرغ بالك بعبادتي في أول النهار أفرغ بالك في آخره بقضاء حوائجك .. . اهـ.

أكثر من الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فذلك من أسباب تفريج الهموم ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها، قال: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

أكثر من تلاوة القرآن الكريم، وحافظ على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، يقول تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗأَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً