الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معاناة ولدت اكتئاباً، فبماذا تشيرون علي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أرجو من حضرتكم تفسير ما يحدث لي: منذ طفولتي أحببت الدراسة حباً جما، فقد كنت كثيرة التفكير فيها، وأعمل كل ما في وسعي للحصول على المراتب الأولى، وكلما فشلت في ذلك أبكي بكاء شديداً حتى إني أبكي دون سبب، أبكي بمجرد رؤية الآخرين، ولا أتوقف عن فعل هذا حتى أعوض ما فاتني، وكنت أحقق ما أريده، مع تشجيعات والدي لم أكن أعرف الفشل.

وعندما انتقلت إلى الإكمالية أصبحت متفوقة في مادتي الرياضيات والفيزياء اللتين تعتبران أصعب المواد بالنسبة للآخرين، فقررت دراسة الرياضيات عندما أحصل على شهادة البكالوريا، ولما انتقلت إلى الثانوية بدأت المشاكل تتهاطل على عائلتي الواحدة تلو الأخرى، حيث توقف إخوتي عن الدراسة، مما أحزنني كثيراً بسبب عدم قدرة والدي على تغطية مصاريف الدراسة، واشتد بنا الفقر وكان مؤلما جداً رؤيتي لإخوتي وهم دون دراسة، دون أكل، دون ملبس، فأخي الكبير انحرف، وأختي الأخرى أصيبت بفقر الدم، والآخرون صغار لا يعون ما حولهم.

عذاب عائلتي ورؤية الآخرين يستهزئون بوالدي كان يزيد من إرادتي، وكان أبي يشجعني، فكنت أعمل ما بوسعي لكي أدرس، في العطل أعمل الأعمال الشاقة لكي أتحمل مصاريف الدراسة، تحملت سخرية الآخرين مني: من لباسي، من المنزل الذي أسكن فيه، ولم أكن أبالي بأي شيء، حتى وصلت إلى العام الذي أجتاز فيه شهادة البكالوريا، حيث شاء الله أن يتوفى والدي قبل 3 أشهر من تاريخ امتحان شهادة البكالوريا؛ مما كان لهذا تأثيرا كبيرا على نفسيتي، حيث لم تعد لي رغبة في العيش ولا الدراسة.

ومما كان يزيد في عذابي رؤية أمي التي تبكي ليل نهار، ومعاناتها مع ولد متعاطي المخدرات، وعدم القدرة في تحمل المسئولية، وهنا أصبحت أعاني من آلام في الرأس، ومن قلق شديد، وأعصاب منهارة، فلم أعد أستطيع التركيز في دراستي، وأصبحت أشعر بالملل وبدأت أفقد الأمل في الحصول على شهادة البكالوريا، لكنني تحصلت عليها وبمعدل ضعيف فلم أتمكن من التسجيل فيما كنت أرغب فيه، فسجلت في فرع آخر، طبعاً لم أكن أحبه، وهنا بدأت أعاني من اضطراب في الشخصية، فلم أعد أملك الثقة بالنفس، وأصبحت أخاف من كل شيء، وأخجل من نفسي خاصة أمام زميلاتي اللاتي تحصلن على نتائج أحسن مني، وأصبحت معقدة وعنيفة وغيورة.

أصبت بالاكتئاب مدة دراستي في الجامعة، وكنت أبكي كلما سمعت بالمتفوقين، وبعدها رضيت بقضاء الله وقدره، وقررت السفر لفرنسا، وعند وصولي أردت إكمال دراستي، وفعلاً سجلت في الجامعة، وعند دخولي تفاجأت، ولكن الخوف بقي مسيطرا علي والخجل، وبما أنني لا أتقن جيداً اللغة الفرنسية اشتد بي الخوف، ونظراً للنتائج السيئة أصبحت أخجل من رؤية الأساتذة والتكلم معهم، فقد أصبحت كالحمقاء لا أبالي بالدراسة أفعل أي شيء لكي أنسى هم الدراسة، لكن كلما أتذكر الدراسة وأهميتها ترتفع درجة حرارتي وأحس بالضياع، لا أبذل أدنى جهد وأقول لا بأس، ومن جهة أتأسف على حالتي.

لم أفهم ما العمل؟ لماذا أحياناً لا أبالي وأحياناً أخرى أندم كثيراً وأحزن، ما سبب كل هذا؟ هل هي تضحيات الماضي التي ذهبت هباء منثورا أم تغير المجتمع وعدم الثقة بالنفس؟ ولماذا أصبحت أعاني من كل هذه الاضطرابات؟ وما هو الحل؟ أخاف إن توقفت عن الدراسة أن أندم، وأحس أني لا أستطيع المواصلة لأني ضعيفة وفاشلة، أخاف من الزواج برجل متفوق ولا أريد الزواج بالفاشلين مثلي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نادية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

لا شك أنك قد تحملت الكثير من الأعباء النفسية والجسدية، والتي أدت في نهاية الأمر إلى ضعف الدفاعات النفسية لديك، مما ترتب عليه ظهور بعض الأعراض الاكتئابية، واهتزاز الثقة بالنفس، ولكنك قطعاً أيتها الأخت المباركة لا تعاني من أي اضطرابات في الشخصية كما ذكرت في رسالتك.

أما بالنسبة لطرق العلاج: فأنت في حاجة إلى مضادات الاكتئاب، ومن أفضلها الدواء الذي يعرف باسم إيفكسر، أو الدواء الآخر الذي يعرف باسم بروزاك، حسب ما هو متوفر في المنطقة التي تعيشين فيها، وجرعة الإيفكسر هي 75 مليجرام لمدة شهر، ثم ترفع إلى 150 مليجرام، وتستمري عليها لمدة تسعة أشهر، ثم تخفض هذه الجرعة بمعدل 37.5 مليجرام كل أسبوعين، حتى التوقف منها.

أما بالنسبة للبروزاك، فجرعته كبسولة واحدة في اليوم، لمدة شهر، ثم ترفع إلى كبسولتين في اليوم، لمدة ستة أشهر، ثم تخفض إلى كبسولة واحدة لمدة شهرين (هذه الأدوية بإذن الله مفيدةٌ جداً، وفعالة في علاج الاكتئاب والمشاعر السلبية ).

الحمد لله، فأنت واضحة الأهداف والخطى، وهذا في حد ذاته أمراً إيجابياً، كما أن ما قمت به في الماضي من تضحيات سوف يكون ذخراً لك بإذن الله في يوم الحساب، كما أنه يُعتبر دافعاً نفسياً قوياً لك من أجل التخلص من الاكتئاب، حيث أن المهمة التي قمت بها ليست بالسهلة، ففيها بإذن الله خيراً كثيراً.

الشيء الذي سيكون مفيداً لك بإذن الله تعالى هو الالتزام بمقتضيات الدين، ويا حبذا لو استعنت ببعض الأخوات أو الإخوة المشايخ الموجودين في فرنسا، ويا حبذا لو حضرت حلقات العلم والتلاوة، ففيها إن شاء الله الكثير من التدعيم لك، كما أن ذلك سوف يساعد في الأخذ بيد أخيك الذي لديه صعوبات، تتطلب الكثير من الجهد والعناية والرعاية، حتى يرجع إلى طريق الصواب والرشد.

وبالله التوفيق.



مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • المغرب fatima

    أنا ايضا احس بهذا الشعور بعض المرات تأتني رغبة في الدراسة وبعض المرات اكره الدراسة وافكر في تركها ولكن افكر في المستقبل فأنا لدي طموح واحس بالبكاء دون اي سبب

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً