الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حلمي تبخر بسبب زواجي من شخص لست راضية به .. ساعدوني

السؤال

السلام عليكم

أريد أن أطرح معاناتي، فأنا متزوجة ولدي ابنة، ولكنني لست سعيدة، فقبل أن أتزوج مررت بظروف عصيبة في دراستي، وأحسست نفسي عالة على عائلتي، فأنا من ضغط الدراسة أصبحت أسأل أسئلة غريبة وأوسوس أحيانا، وأصبحت لا أحب الدراسة، وقد أكملت دراستي بصعوبة.

وفي تلك الفترة كنت في سن الخطوبة، وكنت على قدر من الجمال، إلا أني بدأت أكبر في السن، وتقدم لي الرجل الذي هو زوجي الآن، ولم تكن فيه أي الشروط التي أريدها، لكني قبلت به؛ وذلك لإحساسي بأني عالة على عائلتي، ولفقدي ثقتي بنفسي من الوساوس التي تأتيني، ولكن الآن أرى صديقاتي أقل مني جمالا ولم يدرسن، وتزوجن من رجال أفضل من زوجي.

لقد تزوجته فقط لأعف نفسي وأسقط كلام الناس حتى لا يقولون كبرت ولم تتزوج، ولأرضي أمي التي تريد هنائي، فأنا أعيش معه وأظهر سعادتي، لكني في داخلي أغلي وأبكي، ولا أستطيع أن أقول شيئا يجرحه، فأنا طويلة وجميلة ومتعلمة، وهو في المستوى الثانوي، وقصير القامة، وضعيف كثيرا، وعمله سائق أجرة.

كنت أحلم بأن يكون رجلا طويلا ومتعلما، وببيت لوحدنا، لكني أسكن مع أمه، كما أن أخواتي الأكبر مني تزوجن من رجال أغنياء، وبيت منفصل لوحدهن.

ماذا أفعل كي أعيش سعيدة؟ رغم أني أحمد الله كثيرا، وراضية بقدري ولكني لا أستطيع أن أعيش، أتمنى دائما الموت، وأحس بأن أحلامي تبخرت وبأني ارتكبت أكبر خطئا في حياتي عندما قبلت به، وأحس أن حظي في الحياة هكذا.

رغم أنني ألفت العيش مع زوجي، ساعدوني كيف أتعايش مع واقعي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سامية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبًا بك ابنتنا الفاضلة في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يوفقك ويُصلح الأحوال، وأن يلهمك السداد والرشاد، ويُحقِّق لك السعادة والآمال.

سأبدأ إجابتي بما ختمت به استشارتك من أنك ألفت العيش مع زوجك، وهذا بابٌ من أبواب السعادة، فلا تظنّي أن السعادة في العمارات أو في العقارات أو في السيارات، فالعيشة بين الزوجين تحكمها قواعد مختلفة، نسأل الله تبارك وتعالى أن يؤلّف القلوب، وأن يغفر الزّلات والذنوب، فاجتهدي في التقرُّب من زوجك، وانظري إليه، واعلمي أن في الناس جميعًا إيجابيات وسلبيات، بل في النساء أيضًا نقائص وكمالات، فكلُّنا بشر والنقص يطاردنا، وطوبى لمن انغمرت سيئاته في بحور حسناته.

لقد سبقت زميلاتك بالزواج، ورزقك الله تبارك وتعالى من زوجك ابنة، فلا تندمي على ما فات، واعلمي أن ما قدّره الله لك هو الخير، ولا تظني أن السعادة هي ما يراه الإنسان على حياة الناس، واعلمي أن نعم الله تبارك وتعالى مقسّمة، فهذا يُعطى عمارة لكنّه يُحرم الولد، وهذا يُعطى وظيفة لكنّه يُحرم الزوجة، وهذا يُعطى زوجة ولكنّه يُحرم الولد، والسعيد والسعيدة – السعداء عمومًا – هم الذين يتعرفون على نعم الله تبارك وتعالى ثم يؤدُّوا شكرها.

أرجو أن تعلمي – يا بنتي الفاضلة – أن المقارنة ظالمة؛ لأنك تعلمين من زوجك ما ظهر منه وما بطن، ولا تعلمين من الآخرين إلَّا ما ظهر، والمقارنة – أيًّا كانت – فيها ظلم، ولذلك الإنسان إذا أراد أن يُقارن بإنسان فينبغي أن يُقارنه بنفسه، بأيام صعوده وبأيام نقصه وهبوطه، ليعود ويُراجع نفسه ويُقبل على الله تبارك وتعالى، لئلا يزدري نعم الله عليه، لكن أي مقارنة مع الآخرين ظلم، وإذا حاول الإنسان أن ينظر إلى ما في أيدي الناس فإنه يتعب بلا فائدة،
فـإنك متى أرسلت طرفك ... رائدًا لقلبك يوما أتعبتك المناظرُ
رأيتَ الذي لا كلَّه أنت قادر ... عليه ولا عن بعضه أنت صابرٌ

فالتي تريد مثل سيارة هذه، وزوج هذه، وأولاد هذه، وأموال هذه تُتعبُ نفسها، ونريدُ أن نبيِّن مرّة أخرى بأن نعم الله تبارك وتعالى مقسّمة، والقناعة نعمة من الله تبارك وتعالى، فاقنعي بما رزقك الله تبارك وتعالى، وأقبلي على زوجك وحياتك وعلى ابنتك، واشكري الله تبارك وتعالى على ما عندك لتنالي بشكرك لله تبارك وتعالى المزيد، حيث وعد من شكر بالمزيد، ووعد بمن كفر بالعذاب الشديد، فقال: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}.

واجتهدي دائمًا في أن تُحسني إلى زوجك وتقومي بما عليك، واحمدي الله تبارك وتعالى الذي رزقك به، فانظري حولك، فستجدين من البنات مَن لم يتزوجنَ، بل وستجدين مَن تزوجن لكنهنَّ لم يُرزقَنَ بأبناء ولا بنات، لذلك الإنسان ينبغي أن ينظر في كل أمور الدنيا إلى مَن هم أقلَّ منه: في العافية، في الولد، في المال، في الزوج – في كل شيء –لماذا؟ (لئلا تزدروا نعم الله عليكم) يعني: لئلا نحتقر ما أنعم الله به علينا من نعم، ونحسد هذا، أو يكون هناك كلام يتلفظ به الإنسان يهوي به في النار سبعين خريفًا، كأن يقول (لماذا فلان)، (يا بخت فلان)، (يا حسرتنا على خيبتنا) – كما يُقال -.

أمَّا في أمور الآخرة فينظر إلى مَن هو أعلى منه، وينظر إلى من هو أعلى منه في أمور الآخرة ليتأسَّى به.

ونحب أن نبيّن لك أيضًا أن مراجعة أو الرجوع إلى الأشياء القديمة، والتفكير السلبي، والوقوف عند المواقف السالبة التي حصلت: هذا كله ليس صحيحًا، وهذا من عدوّنا الشيطان الذي همّه أن يحزن أهل الإيمان، والمؤمن ينبغي أن ينظر إلى الأمام، والبكاء على اللبن المسكوب لا يُعيده، ولا يردّه، فالإنسان ينبغي أن ينظر إلى المستقبل.

أنت بحاجة إلى أن تنظري بهذه الكيفية وبهذه الطريقة، وتتعرفي على نعم الله تبارك وتعالى التي أعطاكِ إياها، فكلُّنا صاحب نعمة، والسعيد هو الذي يعرف النعمة التي خصّه الله تبارك وتعالى بها، فإذا أدّى شُكرها نال بشكره لله تبارك وتعالى المزيد.

نسأل الله أن يزيدك من فضله، وأن يُسعدك في حياتك، ونتمنّى إذا ذكّرك الشيطان ما كان من تقصير تجاه أهلك - أو ما كان من مواقف – أن تتجاوزي بسرعة، وتعوّذي بالله من الشيطان، وتنظري للمستقبل، واعلمي أن والدتك وكلُّ مَن حولك كانوا يريدون لك الخير، وقد نلتِ حظّك من الخير، والسعيد هو الذي يرضى بما قسم الله له، (وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس) أو (تكن أسعد الناس).

أسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك حتى تتعايشي مع واقعك، وتتأقلمي مع حياتك، ثم تصعدي مع زوجك في تحسين الحياة، أولاً بالتقرُّب إلى الله تبارك وتعالى، ثم باكتساب مزيد من مهارات الحياة، والأشياء التي تؤلِّف القلوب، ونسأل الله تبارك وتعالى لنا ولكم التوفيق.

وهذه وصيتنا لكم بتقوى الله ثم بكثرة اللجوء إليه، ونكرر الترحيب بك في موقعك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً