الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من إهمال زوجي لي، كيف أتصرف معه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكركم على هذا الموقع الرائع الذي كان دائماً لي ولغيري الناصح الأمين، جزاكم الله خيراً.
أنا امرأة متزوجة ولدي طفل عمره ثلاث سنوات، أعاني من إهمال زوجي لي، فهو لا ينام معي على فراش واحد، ويهجرني لمدة تصل أحيانا إلى ستة أشهر، وقبل عدة أسابيع اكتشفت أنه مدمن على الأفلام الإباحية، وهذا يعني أنه يمارس العادة السرية.

لم أستطع تجاوز ذلك وانهرت، واجهته وأنا أختنق وأصرخ، وطلبت الطلاق، وذكرت أسبابي:

أنه أولاً: مقصر جداً في الصلاة.

وثانياً: بسبب أننا أصبحنا مثل الإخوة.

وقال لي: سوف أتغير، ولكن لا شيء، أول يومين واظب على الصلاة، ثم عاد إلى إهمالها، فلا يصلي إلا حينما أطلب منه ذلك، وعندما أصارحه في رغبتي في الحب والحنان ينظر إلى طفلي ويقول: لديك طفل يشبع عواطفك.

حاولت التقرب منه ولكن ألاحظ النفور، وبالوقت ذاته لا يريد أن يتركني أو يطلقني، تعبت من كوني متزوجة بالاسم فقط، على إنني -ولله الحمد- مهتمة جداً بنظافتي، وهو والله المهمل حتى بنظافته الشخصية، حتى إنني أجبره على تنظيف أسنانه وهو يتكاسل، فيما عدا العواطف والعلاقة الجنسية.

ينفذ لي طلباتي الأخرى، مثل أن يحضر حاجيتنا من السوبر ماركت، أو يساعدني في الاعتناء بطفلي حينما أنشغل قليلا بدراستي، فهو لا يرفض أبدا، بل يبدي تعاوناً.

أصبح إهماله العاطفي والجنسي لي يشغلني جداً ويؤرقني، تعبت نفسيًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أرجو إرشادي ماذا أفعل؟

لا التلميلح ولا التصريح يجدي نفعاً معه، ولا أدري كيف يمكنني الاستمرار؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Om bader حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

فمرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله تعالى:

إذا أردنا أن نشخص مشكلتك فسنجدها تتلخص بما يلي:

- تعانين من إهمال زوجك فهو لا ينام معك على فراش واحد، ويهجرك لمدة قد تصل إلى ستة أشهر أحيانا.

- تعانين من إهمال زوجك لك من الناحية العاطفية، وإن طالبته بذلك قال لك لديك طفل يملأ عاطفتك.

- اكتشفت أن زوجك مدمن على الأفلام الإباحية، وتشكين أنه يمارس العادة السرية وهذا لا يستبعد.

وإن أتينا لمعرفة الأسباب التي أوقعت زوجك فيما هو فيه سنجد ما يأتي:

- ابتعاده عن الله تعالى، فهو لا يصلي إلا إن طلبت منه، ثم بعد يومين يترك وإن كان قاطع صلاة فهذا بالضرورة أنه لا يقرأ القرآن ولا يذكر الله تعالى، والنتيجة قسوة القلب والخواء الروحي.

- إدمانه لرؤية أفلام الخلاعة، ونتج عن ذلك تشبع عقله بالانحراف الجنسي وميله لممارسة العادة السرية.
وأما تداعيات هذه الأسباب في كما يأتي:

- جفاف مشاعره وانعدام تلبيته لإشباع عاطفتك بالكلمة الطيبة، وانعزاله عنك في غرفة خاصة وانكفاؤه لمعصية الله تعالى.

- تسبب جفاف مشاعره والهجران حيث صرتما كالأخوين، بل أبعد من ذلك، وصار لا يحس بك ولا بمشاعرك واحتياجاتك.

- إهماله لنظافته الشخصية تبعا لإهماله لنظافة قلبه وعينيه وأذنيه، وهذا أمر طبيعي.

والعلاج في نظري يكمن فيما يأتي:
1- تذكيره بأنه مسلم، وأنه يحرم عليه فعل هذه المنكرات، وتذكيره بالله سبحانه والدار الآخرة، وما أعد الله من عقوبة لمن يفعل فعله ويكون ذلك بالتي هي أحسن.

2- الاجتهاد في الأخذ بيده لأداء الصلاة فإنها تعينه على التخلص من هذه الرذائل، مع حثه على فعل الطاعات المتنوعة كونها ترفع من إيمانه، وتورث في قلبه مخافة الله سبحانه، وتحجزه عن الوقوع في المعاصي والظلم.

3- لا بد أن يقر بأن هنالك مشكلة تحتاج لحل، ومع المثابرة وبذل الجهد المطلوب سيصبح إنسانا طبيعيا شريطة أن تتوفر لديه الإرادة ومجاهدة النفس.

4- يجب تقبيح وتشنيع هذا السلوك المشين، ويجب تكوين الشعور المنفر في نفسه من هذا الفعل القبيح، وذلك بتذكيره بشعوره لو اكتشف ابنه يفعل ذلك، وتذكيره بشعوره لو اشتكت له أخته أو أمه بما تعانيه من زوجها من الهجران، وعدم إشباع عواطفها واحتياجاتها من الناحية الحميمية، فلعل ذلك يولد في نفسه النفور من هذا الفعل.

5- يجب أ ن يذكر بأن الله تعالى يراه مهما حاول أن يتخفى من الناس أثناء النظر لهذه المشاهد القبيحة، وسؤاله من أعظم في نظره، الناس أم الله سبحانه؟ فإن أجاب بأنه الله فيقال له: فكيف جعلت الله أهون الناظرين إليك وهو معك أينما كنت؟

6- يجب الأخذ بيده كي يؤدي ما افترض الله عليه من الطاعات، وأهمها الصلاة والتي من ثمارها أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.

7- تشجيعه من أجل أن يجتهد في تقوية إيمانه، من خلال كثرة الأعمال الصالحة؛ لأنها تقوي إيمانه، وقوة الإيمان تولد في النفس الخوف من الله ومراقبته في السر والعلن، وتحجزه عن الوقوع في المعاصي.

8- اقتربي منه أكثر ولا تتركيه ينام وحده، بل اذهبي أنت إليه متجملة متهيئة وأبرزي له مفاتنك، وداعبيه واستثيريه فذلك سيبعده عن الحرام.

9- اجعليه يستمع القرآن بجوارك، وشاهدوا معا المقاطع التي تذكر بالموت والدار الآخرة، وأشغلي وقته بكل مفيد.

10- تابعيه في إقامة الصلاة، وحبذا لو تصلوا معا بحيث تصلوا معا في وقت واحد، واحتسبي الأجر عند الله سبحانه، فلعل الله يكتب استقامته على يديك ويقر عينيك بذلك.

11- اجعليه يشاركك في أعمال البيت طالما وهو لا يرفض، وخاصة في الأوقات التي خصصها للاختلاء في غرفته، أو تظنين أنه يشاهد فيها تلك المناظر القبيحة، فشغل وقته سيبعده بالتدريج -بإذن الله-.

12- ابتدئيه بالكلمات العاطفية بالكلام المباشر أو عبر التراسل، فسوف يستجيب لك ويبادلك المشاعر ولو كان مجاملة، لكنه سيتمرس على ذلك وتصبح كلماته حقيقية.

13- لا تخجلي من مناقشته بهدوء عن هذه السلوكيات، وما هي الأسباب التي جعلته يقع في شراكها، فإن علمت الأسباب عرفت العلاج.

14- عليك أن توقني بأن علاجه ممكن وليس مستحيلا، والبداية -كما ذكر لك في استقامته وإيمانه وتخويفه من الله وعذاب القبر والنار.

15- اطلبي له الدعاء من والديه فدعوتهما مستجابة.

16- سليه كيف يسمح لنفسه أن يمارس العادة السرية المحرمة، وعنده زوجته التي أحلها الله له فربما يعذر غير المتزوج، كونه يخاف من الوقوع في الزنا، أما المتزوج فلا عذر له.

17- ناقشيه بوضوح كيف يقضي شهوته بهذه الطريقة المحرمة المشينة، ويترك زوجته تصطلي بنار الحاجة وهو بجوارها، فكيف تقضي المرأة شهوتها التي جعلها الله فيها، أليس حراما عليه أن يحرمها حقها؟

18- ذكريه بأن من أعظم مقاصد الشرع في الزواج أن يعف الزوج نفسه، ويعف زوجته عن الوقوع في الحرام، فهل تحقق هذا المقصد في زواجه؟!

19- الهروب من المواجهة ليس حلا، بل الصحيح أن تواجهيه بالأسلوب الذي ترينه مناسبا، قد يكون باللين والرفق، وهو الأصل، وقد يكون بالأسلوب الخشن القوي، فذلك قد يكون من الحكمة إن وقع في مكانه.

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وسلي ربك أن يعافي زوجك من هذا السلوك المشين، وألحي على الله بذلك، وأكثري من دعاء ذي النون (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسل—: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

آمل أن ينفعك الله تعالى بهذه الموجهات فابدئي بتنفيذها مستعينة بالله تعالى، ونسعد بتواصلك، ونسأل الله لك التوفيق وأن يقر عينيك باستقامة حال زوجك إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً