الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل شعوري بكره الناس لي صحيح أم أنه وهم؟

السؤال

السلام عليكم.

لا أعرف من أين أبدأ، فحياتي بدأت تنهار، أشعر بضيق وحزن مما يحدث من نفور الناس عني وكرههم لي، وأحس بأن كل الأبواب أغلقت في وجهي، وإن حدث سوء فهم بيني وبين أي شخص فمحاولاتي لتوضيح ما بدر مني تفشل، فهم بلا شك يرونني أكذب، فأقول لنفسي: بأن الله مطلع علي، يعرف نيّتي ولم فعلت ذلك الشيء، لكن لا أراه كافيًا لتغطية الحزن والإحباط الذي أشعر به، حتى أنني أبتعد عن الناس الذين علاقتي بهم سطحية بما فيهم أهلي -ليس كلهم لكن البعض-؛ لأنني لا أظن أنهم سيحبونني وأنا أيضًا لا أشعر بالراحة معهم، ربما فقط سيسخرون مني وينشرون شائعات عني، وتسوء سمعتي أكثر عن ذي قبل.

أحاول قدر الإمكان الالتزام بالصلاة، لكن أعتقد بأن الله غاضب علي ويكرهني، سمعت بأن الله لو أحب فلانًا وضع له القبول في الأرض، أهذا يعني أن الله يكرهني؟ أكره نفسي كثيرًا، لا أدري بالضبط ما علي فعله؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

- بارك الله فيك، وأهلاً وسهلا بك، وأسأل الله تعالى أن يفرج همك ويكشف غمك وييسر أمرك ويشرح صدرك ويرزقنا وإياك السلامة من كل سوء ومكروه، ويثبتنا على الدين ويهدينا صراطه المستقيم.

- بصدد ما تشتكينه من الإحساس بسوء فهم الناس لك وظنهم بك، ومعاملتهم لك من الكراهية تجاهك، واتهامك بالكذب وعدم تقبلهم لفهمك وسخريتهم تجاهك، كل ذلك كما لاحظت من صيغة رسالتك، إنما هي كلها أو اكثرها مجرد مشاعر وأحاسيس لم تستند -اعذريني- إلى أدلة مذكورة أو صحيحة وصريحة، بل على مشاعر (أحس واظن ولعل وربما) كما في صيغة السؤال، مما ينبغي تذكيرك بالحذر من اتباع الوساوس والظنون والأوهام التي لم يقم على صحتها وثبوتها دليل ولا حجة ولا برهان، وقد قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم)، وصح فى الحديث: (اتقوا الظن؛ فإن الظن اكذب الحديث) رواه مسلم.

ومعلوم شرعاً ان الأصل حمل الناس في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم على السلامة وبراءة الذمة من التهمة إلا بدليل، وهذا من مقتضيات حسن الأخلاق الواجب التعامل بها بين المسلمين، (وإنك لعلى خلق عظيم).

- فإذا افترضنا -حفظك الله وعافاك ولا يظهر لي ذلك-، أن لديك على أحاسيسك أدلة صريحة وصحيحة، فلا شك أن لكِ كل الحق في الشعور بالحزن والضيق، لا سيما وأن بعض من تشتكينهم ليسوا فحسب صديقاتك، بل ومن أهلك، فالواجب عليك عندئذ لزوم الصبر والهدوء والحكمة وعدم مقابلة السوء بمثله، بل وضرورة الرفق بهم والتلطف معهم بمقتضى محاسن الأخلاق، وقد قال تعالى: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم).

- ومن المهم هنا توسيط أحد العقلاء من أهلك لإصلاح ذات البين وجمع الشمل، والدفاع عن السمعة ودفع التهمة ونصحهم من سوء المعاملة المذكورة.

- وأما عن حديث: (إذا أحب الله عبده وضع له القبول في الأرض)، فالمعنى أن يضع له القبول في قلوب المؤمنين الأسوياء الصالحين، بدليل ما قصه الله في القرآن الكريم من تعرض الأنبياء والمرسلين لمعاندة أقوامهم، وتكذيبهم لرسالات ربهم وأنبيائهم، بل واتهامهم لهم بالكذب والكهانة والسحر والجنون، وهو ما نقرؤه في السنة والسيرة النبوية، فيما لقيهُ نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من أذى قومه، مما يدل على أنه لم يُكتب للانبياء قبول في قلوب المنافقين والكافرين، بل العكس، قال تعالى : (وكذلك جعلها لكل نبي عدواً من المجرمين).

- أوصيك بحسن الصلة بالله وطاعته ولزوم ذكره وشكره وحسن عبادته والتعلق به ودعائه وطلب العلم ولزوم الصحبة الصالحة، وعدم المبالغة في الشعور بالضيق والاهتمام برأي الناس، فإنهم لا يقدمون، ولا يؤخرون.

- كما وأوصيك بمراجعة الطبيبة النفسية في حالة احتمال حاجتك للدواء والعلاج النفسي والدوائي والسلوكي، فلا يخفاك ان الفتيات لا سيما الحساسات العاطفيات، وفي مثل عمر المراهقة، وحين اشتداد الضغوط الحياتية، قد تتعب وتمرض نفوسهم كما تمرض الأبدان، وقد صح في الحديث: (تداووا عباد الله؛ فإن الله ما أنزل داء إلا وجعل له دواء)، واحذري أن تستحيي أو تترددي في مراجعة الطبيبة النفسية وتعاطي الدواء الذي تنصح به، شريطة تحري الطبيبة المتميزة ما أمكن.

- كما وأوصيك باللجوء إلى الله تعالى بالدعاء ولزوم الرقية والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، وأعمال اليوم والليلة، والمحافظة على العبادات الواجبة وسننها ونوافلها المستحبة، والترويح عن النفس بما يخفف من حدة مشاعرها والضغوط عليها.

- أسأل الله تعالى لنا ولك العفو والعفة والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، وأن يرزقك الصبر والحكمة والراحة والاطمئنان، والهدى والصواب والرشاد.

والله الموفق والمستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً