الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يريدون تزويجي من ابن عمي تحت الضغط الاجتماعي

السؤال

السلام عليكم.

أبي وعمي الوحيد تزوجا أختين، ورزقهم الله بالذرية والمال، وسافرنا إلى بلاد عربية، لكن رغم السنوات التي قضيناها لا تعرف أمي أي سيدة أو صديقة أو حتى جارة، تمحورت حياتنا داخل المنزل عدا الخروج للمدرسة أو الضروريات.

أبي يحمينا بطريقته الخاصة، لكنه لا يعلم أنه قد زرع فينا رهاباً اجتماعياً، وخوفاً من الخروج أو التحدث، ليست المشكلة هنا، المشكلة أن بنات عمي قد خطبن لإخوتي، وكما جرت العادات فأنا يفترض علي الزواج من ابن عمي الذي يصغرني بعام والذي لا أريده، رغم خلوه من العيوب كما قالوا لي تحت الضغط النفسي!

قال أبي: إنه لن يجبرني على أي شيء، لكن رفضي سيخزيه وسيغادر البلاد ويترك الأمر لإخوتي، وأمي تقول: إنني سأدمر العلاقة ما بين عمي وأبي وما بينها وبين أختها، وقد لا يتم زواج أخواتي، وسأصبح عانساً وخادمة لهن، وسيتحدث الناس عنا أنهم يرون مصلحتي بقرب ابن عمي.

أمي تصفني بالمتكبرة، لكني لا أريده بمعنى الكلمة، ولا أريد الزواج من داخل العائلة، فهو انتقال من زنزانة لأخرى! ولا أريد إنجاب الأبناء، أريد كفالتهم ولن يسمحوا لي.

لا زلت في بداية العشرين ولا يهمني تزوجت أم لا، ولا يهمني حتى حديث الناس، ولا قذفهم، وسأعمل من أجل نفسي، لكني أخشى على أبي وأمي من المرض والقهر أو حتى الموت -لا قدر الله-، فالموضوع كبير بالنسبة لهم.

وقد بدأ الحزن والهم يظهر عليهم، هل أنا أقتلهم برفضي؟ أمي ستغضب علي، ماذا عني؟ سيكون زواجي كالعزاء! لا أريد أن أظلم الرجل بزواجه من فتاة لا تحبه، ماذا أفعل؟ لا أستطيع محادثة أحد، فأنا لا أثق بأي أحد منهم!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Salwa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك – ابنتنا الفاضلة – ونشكر لك حسن العرض للاستشارة، ونسأل الله أن يعينك على إقناع الوالد والوالدة والفوز ببرِّهم، وأن يُقدّر لك الخير حيث كان ثم يُرضيك به.

لا شك أن هذا الظرف أو الإشكال المذكور في الاستشارة يُعبّر عن نمط من المشكلات الاجتماعية المتعمِّقة عند بعض القبائل وعند بعض الناس والشعوب والأُمم، وأرجو ألَّا تختاري السباحة ضدَّ التيّار أو الأمواج، واجتهدي أولاً في محاولات الإقناع لهم، والتلطُّف معهم، وأدخلي مَن يمكن أن يؤثّر عليهم.

وأرجو أيضًا أن تهتمّي بمسألة محاولة قبول ابن العم المذكور خاصَّةً بعد أن ذكرتِ أنه لا عيب فيه، ولا خلل عنده، وإذا كان الأمر سيؤثّر على الوالدين بهذه الدرجة وبهذه الخطورة فأرجو أن تُقدّمي برَّ الوالدين، واعلمي أن الأمور ستتغيّر، وندعوك الآن إلى ما يلي:

أولاً: الدعاء لنفسك ولوالديك وللشاب المذكور.

ثانيًا: الاجتهاد في رصد ما في الشاب من إيجابيات وحشدها وتضخيمها؛ لأن هذا أعون لك على قبول الشاب المذكور.

ثالثًا: النظر إلى عواقب ومآلات الأمور داخل البيت وخارج البيت.

رابعًا: أن تعلمي أن هذه الأمور وأن هذه الإشكالات تحتاج إلى أدوار مِنَّا، وإلى أن يقوم المتعلمون والمتعلمات من أمثالك بتصحيح هذه المفاهيم داخل العائلة وداخل العشيرة والقبيلة. هذه من الأمور المهمة التي تحتاج إلى أن نتعاون جميعًا.

وإذا كان بالإمكان أن يتواصل معنا الوالد أو الوالدة فمن الممكن أن نتحاور معه ونضع معه النقاط على الحروف، وإذا كان هذا متعذِّرًا فأرجو أن تستخيري ثم تختاري ما أشرنا إليه، وتشاوري مَن يعرفك من الأهل أو الأقارب أو حتى أهل الدين عندك والعلماء والفضلاء في منطقتكم، ومشاورة الصالحات، لأنهم أعلم بالحلول المناسبة في مثل هذه الظروف الاجتماعية القبلية المعروفة أو التي تعاني منها جُملة أو بعض فتياتنا، بل وبعض شبابنا أيضًا.

وإذا كان الشاب المذكور كما ذكرنا لا ملاحظة لك على دينه وأخلاقه، وهو كما ذُكر من الخير فأرجو – كما قلنا – أن تحاولي قبول هذا الواقع، واجتهدي أيضًا في إقناع نفسك بأن تختاري ما فيه إرضاء لله تبارك وتعالى، وما فيه إرضاء للوالدين، وتعوذي بالله من شيطانٍ لا يريد لك الخير، واعلمي أن الدنيا لا تخلو من الصعاب، ولا تخلو من الإشكالات، وأن كل الرجال لن تجدي فيهم رجلًا خاليًا وناقصًا من العيوب، كما أن بناتنا ومعاشر النساء أيضًا فيهنَّ النقص، فكلُّنا بشر والنقص يُطاردنا.

نرحب بالاستمرار في التواصل، وننصح إذا كانت هناك أسباب فعلية يمكن أن تُعد (واحد، اثنين، ثلاثة) لرفض هذا الشاب؛ إرسالها إلينا حتى نتعاون في تجاوز تلك الصعوبات، وإعادة فهم هذه الظروف الاجتماعية، وإعادة أيضًا فهم واستيعاب ابن العم الذي يتقدّم لك أو الذي تريد الأسرة أن ترتبطي به، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، ونذكّر بأن فارق العمر لا يؤثِّرُ كثيرًا، وهو فارقٌ يسير، وطالما كان القبول من الطرفين فأرجو ألَّا يكون هذا من ضمن الأسباب المزعجة بالنسبة لك.

ننتظر منك مزيدًا من التوضيح، مع نُصحنا لك بمزيد من الدعاء والتوجُّه إلى الله والقُرب من الوالدين، واكتشاف المخاوف التي عندهم في حال رفضك والمصالح التي يمكن أن تتحقق في حال الزواج؛ لأن القرارات الكبيرة تحتاج إلى دراسة عميقة، ونحن سنكون معك، ونرحب بما يصلنا منك من ملاحظات، ونسأل الله أن يهدينا جميعًا إلى ما فيه الخير، وأن يلهمك السداد والصواب، وأن يُقدّر لك الخير ثم يُرضيك به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً