الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فحوصاتي سليمة، ولكن الوساوس تعصف بحالتي النفسية

السؤال

السلام عليكم
وجزاكم الله خيرا.

كنت أعاني من نوبات هلع عندما كان عمري 17 سنة، ثم شفيت منها بعد سنوات، مع استخدام لوسترال وجلسات نفسية، ثم بعدها دخلت بمرحلة التوهم المرضي والوساوس، مع وجود نوبات هلع على فترات متباعدة، ولكنها أخف من السابق مع كثرة التحاليل، وكل فترة يذهب بي الوسواس والتوهم إلى عضو، ثم يأخذني إلى عضو آخر، مرة في المسالك، ومرة في الجهاز الهضمي، ومرة في القلب، ومرة في الغدد، ومرة في تحاليل السكر، وهكذا دواليك.

لا يرتاح لي طرف ولا يهدأ لي بال، تعبت من التنقل بين الأطباء، لا يوجد تحليل في مجال الطب إلا وعملته، وكلها سليمة -ولله الحمد-.

أرتاح أياما ثم أعود حين أشعر بأي تعب، فأفسره أنه مرض، ثم تبدأ سلسلة البحث والتحاليل، دائما قلق وخائف من الأمراض، أشعر أن 70% من سنوات عمري كانت من هم إلى هم.

حالتي الآن والتي أنا بصدد الاستفسار عنها هي ما يلي: عندي خوارج انقباض منذ 25 سنة، طبعا ليس على نظام واحد، ولكن على مدى تلك السنوات كانت كالتالي: تأتيني أحيانا على فترات متباعدة مثلا كل شهرين أو ثلاثة، تأتي خارجة أو خارجتين وأحيانا تأتي وتستمر معي لأسبوع، ثم تنقطع ثم تكون كل ثلاثة أشهر مرة أو مرتين، ثم بعد فترة تعود متواصلة لأسبوعين، أو ثلاثة أسابيع، وهي الآن معي منذ شهر.

الفحوصات التي أجريتها هي: تخطيط قلب عادي، إيكو بالجهد، إيكو عادي، غدة درقية، بوتاسيوم، مغنسيوم، كالسيوم، صوديوم، صورة دم، وظائف كلى، كلوسترول، دهون ثلاثية، سكر صائم، سكر تراكمي، وكلها -ولله الحمد- سليمة وطبيعية، فهل حالتي نفسية؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

رسالتك واضحة جدًّا، وما شاء الله خبرتك في حالتك النفسية من الواضح أنها مؤصّلة وواضحة، وهذا إن شاء الله تعالى يُساعدك كثيرًا نحو التعافي والشفاء.

أخي: كما تعرف أن قلق المخاوف منتشر، وكذلك نوبات الهرع، والوسوسة، ولا أعتقد أننا نسميها أمراضا، يجب أن نعتبرها نوعًا من الظواهر وليس أكثر من ذلك؛ لأن القلق نحتاجه كطاقة للنجاح، والخوف نحتاجه لأن نحمي أنفسنا، والوسوسة نحتاجها؛ لأنها سبب في انضباط السلوك عند بعض الناس، لكن هذه الطاقات النفسية الإيجابية حين تخرج من مساراتها الصحيحة، أو حين لا نوجّهها التوجيه الصحيح ونستفيد منها تحتقن وتتراكم وتتحول إلى طاقات سلبية.

بالنسبة للخوارج الانقباضية: منتشرة وكثيرة جدًّا، وهي طبعًا كلها حميدة، وكثير من العلماء حتى أطباء القلب يقولون لمن يشتكون من هذه الحالات: (هي في عقولكم وليست في قلوبكم)، بمعنى أن الانشغال النفسي حولها هو الذي يجعل الإنسان يستشعرها؛ هذا ليس توهمًا،؛ لأن الأمر حين يتعلق بالقلب الإنسان يخاف، هذه حقيقة يجب أن نعترف بها.

أخي الكريم: أنا أنصحك بأن تجعل نمط حياتك نمطًا إيجابيًا، وهذا سوف يرتقي تمامًا بصحتك النفسية والجسدية، ويجعلك تحوّل كل طاقاتك النفسية هذه إلى طاقاتٍ إيجابية.

نمط الحياة – أخي الكريم – يتطلب: حُسن إدارة الوقت، الذي يُدير وقته يُدير حياته، تحديد الأهداف، ويا أخي الكريم: يجب أن تكون لديك قناعة مطلقة أن قوة الآن (الحاضر) أفضل كثيرًا من ضعف الأمس (الماضي)، وخوف الغد (المستقبل)، فعش الآن (الحاضر) بقوة، يجب أن تحسن إدارة وقتك، تجنب الفراغ الزمني والذهني، حدد الأهداف، حدد الآليات التي توصلك إلى أهدافك، ولا تنسى أننا نعيش في عالم تنافسي جدًّا.

أخي: النوم الليلي المبكر مفيد جدًّا للإنسان، يعود بأشياء إيجابية كثيرة على الصحة النفسية والدماغية والجسدية أيضًا.

التواصل الاجتماعي، القيام بالواجبات الاجتماعية، الإبداع الوظيفي، وأن يحبّ الإنسان عمله، أن يصل الإنسان رحمه، أن يكون لك وجود حقيقي في أسرتك، أن تصلي مع الجماعة وتتعرف على الأفاضل من الناس، القراءة، الاطلاع...

هذه هي المناهج الحياتية الصحيحة التي تجعل الإنسان يطور صحته النفسية، ولا بد أيضًا أن يكون هنالك هدف، بل أهداف، (هدف على المدى القصير، أهداف على المدى المتوسط، أهداف على المدى البعيد)، ويضع الإنسان آليات لها، ويضع لها زمن لتحقيقها وتحصيلها.

بهذه الكيفية يحول الإنسان طاقاته القلقية والوسوسة والمخاوف إلى طاقاتٍ إيجابية، هذا مهمٌّ جدًّا.

أنا حقيقة أركز على الرياضة، ممارسة الرياضة أصبحت ضلعًا أساسيًّا في حياة الناس الصحية، وحتى في حياتهم النفسية، فاحرص على ذلك أخي الكريم.

بالنسبة للخوارج الانقباضية كما قلتُ – أخي الكريم – تجاهلها دائمًا أفضل، وممارسة الرياضة حقيقة من الأشياء التي تُجهضها، وكذلك التمارين الاسترخائية، فدرِّب نفسك على تمارين الاسترخاء، توجد برامج كثيرة جدًّا على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة هذه التمارين، وإن وجدتَّ أخصائي نفسي ليُدرِّبك عليها فهذا أيضًا أمرًا جيدًا.

بالنسبة للعلاجات الدوائية: تناول عقار (إندرال) بجرعة عشرة مليجرام في اليوم يجعلك تعيش في طمأنينة حول خوارج الانقباض، حتى وإن لم يُجهضها؛ لأن الإندرال حقيقة يُثبت ويقوي القلب، وهذا أمرٌ لا شك فيه، فتناول الإندرال بجرعة عشرة مليجرام، بعد ذلك أعتقد أن تناولك لأيٍّ من مضادات القلق والمخاوف سيكونُ أمرًا جيدًا.

أنا أرى أن عقار (لوسترال) – كما تفضلت – هو الأفضل في مثل هذه الحالات، ولا تتناوله بجرعة كبيرة أبدًا، تبدأ بنصف حبة - أي خمسة وعشرين مليجرامًا - لمدة عشرة أيام، ثم تجعلها حبة يوميًا (خمسون مليجرامًا) لمدة عام، ثم تخفضها إلى نصف حبة لمدة شهرٍ، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ آخر، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً