الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أستطيع الخروج من المنزل خوفا من مواجهة الآخرين!

السؤال

السلام عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أنا عبد الله، خريج جامعي، أبلغ من العمر ٢٥ عاما، أعاني من الرهاب الاجتماعي، أتجنب الحديث مع الآخرين والتواصل معهم، أحب الوحدة.

لا أشارك في المناسبات الاجتماعية حتى لو دعيت إليها، أضعف أمام الآخرين، ولا أستطيع التحدث أمامهم، وينتابني شعور بالخوف، وأتعرف وأشعر بالقلق.

في الماضي كنت أتعامل مع الناس بصورة طبيعية، لكن كانت لدي مشكلة، مع مواجهة النساء أستحي حتى من النظر إليهن مع الزمن، تطور الأمر، وأصبحت أعاني من مواجهة الآخرين، الجنسين معا حتى أصدقائي بدؤوا يستغربون من سلوكي وميولي للعزلة، الآن لا أستطيع الخروج من المنزل خوفا من مواجهة الآخرين، ما الحل لمشكلتي؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

القلق والخوف الاجتماعي حالة معروفة، وهي حالة مكتسبة، بمعنى أنها ليست فطرية وليست غريزيّة، والشيء المكتسب هذا يعني أنه متعلَّم، والشيء المتعلَّم يمكن أن يفقده الإنسان من خلال التعليم المضاد.

أخي الكريم: يجب أن تخرج، وأخرج للأشياء التي لا تتطلب دعوات، مثلاً: أن تسمع عن وفاة شخص فتمشي في جنازتها، هذه لا تتطلب دعوة أبدًا، وسوف تحس بشعور عظيم أنك قد قمت بعمل جميل تُؤجر عليه -إن شاء الله تعالى- اذهب وصلي في المسجد، هذه دعوة من الله لك، وليست دعوة من البشر، وما يأتينا من الله لا خوف حياله× لأن المساجد هي مكان الأمان والطمأنينة، وتلتقي -إن شاء الله- فيها بالصالحين.

فإذًا هذه الكيفية من الأنشطة الاجتماعية أفضل، أن تذهب وتزور أحد أرحامك، أن تذهب وتزور مريضًا، أن تصل رحمك، أن تكون بداياتك هي من خلال الواجبات الاجتماعية والدينية التي لا تتطلب أن تكون مدعوًّا إليها، الإنسان يتجنب الدعوات؛ لأنه يخاف أن يكون تحت ملاحظة الآخرين، وهذا أمرٌ مفهوم ومعروف لدينا في علم النفس والسلوك، لكن التجمُّعات واللقاءات الجماعية التي ليس فيها دعوات إنما هي تأتي من داخل النفس وأصالتها، هذه تُعالج الرهاب الاجتماعي.

وبعد ذلك سوف تجد أنك استطعت أن تمدد من أنشطتك وتطوّرها، تذهب وتُلبي الدعوات، الأعراس، تنضمَّ لمجموعة من أصدقائك مثلاً للمشاركة في رياضة جماعية مثل كرة القدم.

الرهاب الاجتماعي يُعالج، ويُعالج بصورة ممتازة جدًّا، والإنسان وهبه الله تعالى الإرادة والقوة والخبرات والمهارات وإرادة التغيير، وبيَّن الله وأكد أنه {لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.

مثلاً أنت ذكرت أن وظيفتك (عامل)، يعني أنك تذهب إلى العمل، وهذا أمرٌ جيدٌ وممتاز، تفاعل مع الناس في داخل العمل، وأنا أؤكد لك أن المشاعر السلبية التي تأتيك، وحتى وإن كنت ترى أن هنالك تغيُّرٍا أو احمرارٍا في وجهك أو تلعثما في كلامك أو رجفة أو تعرُّقا أو تسارع في ضربات القلب؛ هذه تجربة شخصية لا يطَّلع عليها أي إنسان، وأنا أؤكد – ومن خلال تجاربنا الكثيرة في موضوع الرهاب الاجتماعي – لن تفقد السيطرة على الموقف.

إذًا مبدأ العلاج هو التعريض والتعرُّض مع منع الاستجابة، وهذا هو العلاج الصحيح.

أريدك أيضًا أن تُطبق تمارين استرخائية، تمارين الاسترخاء تفيد جدًّا؛ لأنها تؤدي إلى استرخاء نفسي واسترخاء وجداني واسترخاء عضلي، وهذا في حد ذاته يُقلِّلُ تمامًا من القلق والرهبة المرتبطة بالرهاب الاجتماعي، توجد برامج ممتازة جدًّا على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة هذه التمارين الاسترخائية، وقطعًا إذا تواصلت مع أخصائي نفسي عن طريق طبيب نفسي سوف يتم تدريبك على هذه التمارين.

أريدك أيضًا أن تستشرف المستقبل، ويكون لك آمال وطموحات، موضوع الزواج، إذا أردتَّ أن تدرس دراسة غير نظامية، هذا أمرٌ جيد، حفظ شيء من القرآن ... فيا أخي الكريم: لابد أن يكون للإنسان مشاريع مستقبلية تُحسّن من دافعيته، وأنقل لك البشرى الكبرى أنه توجد أدوية ممتازة جدًّا، من أفضلها عقار يُسمَّى علميًا (سيرترالين) وهو الحمد لله متوفر في السودان، هذا من أفضل الأدوية التي تُعالج القلق والخوف والرهاب الاجتماعي والوسوسة والاكتئاب.

تبدأ في تناول السيرترالين بجرعة خمسة وعشرين مليجرامًا يوميًا – أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على خمسين مليجرامًا – تتناولها لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها حبة واحدة يوميًا لمدة شهرٍ، ثم اجعلها حبتين يوميًا، وهذه هي الجرعة العلاجية – أي مائة مليجرام – تتناولها يوميًا بانتظام، وهذا أمرٌ هامٌّ جدًّا، وتستمر على هذه الجرعة لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك تنتقل للجرعة الوقائية بأن تجعل جرعة السيرترالين حبة واحدة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم التدرج من أجل التوقف عن الدواء، اجعلها خمسة وعشرين مليجرامًا يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسة وعشرين مليجرامًا يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً