الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أصبر على زوجي أم الفراق؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جزاكم الله خيرا على هذا الموقع الكريم وبارك الله فيكم.
أنا شابة متزوجة حديثا منذ سنة تقريبا، أنا تائهة، وتمر علي لحظات كثيرة أذرف الدموع وحدي، في بداية الزواج كنت وزوجي سعيدين، كان يهتم بي عاطفيا، ويستأنس بوجودي، ويحب قضاء الوقت معي، وقد كنا في بداية الزواج نسكن مع أهله، بعد مدة تغير زوجي، صار باردا لا يبتسم معي إلا قليلا، ولا يكلمني إلا قليلا، يكثر من الشكاوى حول الغسيل والملابس وشغل المنزل، رغم أنني أحاول جاهدة إرضاءه، وإن نسيت شيئا أعلم أن ذلك اليوم سيمر كئيبا فلن يكلمني إلا كلمات قليلة.

الآن استأجرنا منزلا خاصا بنا وزاد التوتر أكثر من قبل، أحبه وأحاول إسعاده، دائما أغدق عليه بحبي وكلمات الحب وأعانقه لكني لا أجد منه ردا إلا عند الجماع، حتى أنه جرحني بكلامه أكثر من مرة لكني أصبر وأحاول أن لا أجادله كي يبقى مرتاحا خاصة أنه يكون متعبا من العمل، وأشهد بالحق أنه غير مقصر في النفقة.

أنا الآن حامل، وأعاني من علاقتي مع زوجي، وفي أحيان كثيرة أفكر، هل الفراق قد يكون حلا؟ لكني أفكر في حملي فأتراجع عن أفكاري، ثم أحيانا أخرى أقول أن الحمل ليس عائقا إن لم تكن هناك سعادة، أحاول ما أمكن أن أكون زوجة صالحة لكنه لا يكترث ويبخس من آرائي في الأمور الحياتية مما يهين كرامتي كثيرا، فماذا أفعل، كيف أصبر، كيف أصلح الأمور. أم تراه الفراق هو الحل؟

أعتذر على الإطالة وعلى الأفكار المبعثرة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نورة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك يا نورة، ونحن هنا من أجل مساعدتك على تخطي الصعوبات للتوصل لحل يُسعد قلبك.
لنبدأ سويًا حيث انتهيت وقلت: " ماذا أفعل، كيف أصبر، كيف أصلح الأمور، أم تراه الفراق هو الحل؟ "، وكلامك إن دل على شيء؛ فإنه يدل على رجاحة عقلك -بارك الله بك بنيتي، وأعاننا على مساعدتك والتوصل إلى حل مناسب يرضيك-.

بنيتي، بعد الزواج تتكشف اختلاف الطبائع والأمزجة بين الزوجين وخاصة في الشهور والسنوات الأولى من الزواج، ونجاح الزواج يقع على عاتق الزوجين، ومن الضروري أن يعلما أن التنازل عن بعض الطباع لكسب مزيد من التآلف والانسجام، وإلا لن يستطيع قطار العمر أن يعبر بالزوجين للوصول الى محطة الاستراحة الزوجية السعيدة.

ومما لا شك فيه أن السنوات الأولى من الزواج من أهم مراحل الحياة الزوجية، فخلالها يخلع كل من الزوجة والزوج قناع العزوبية والأحلام الوردية، وتبدأ الحياة الزوجية وما فيها من مسؤوليات، ولا ننسى أيضًا أن أهل الزوج والزوجة يلعب كل منهما دورًا أساسيًا في مسار العلاقة، هل هي علاقة احترام ومحبة، أم هي خلاف واختلاف قد ينهي الحياة الزوجية ويدخلها في النفق والمجهول؟ ومما يزيد من حدة الخلافات هو قلة الوعي الديني، وبعض المفاهيم المغلوطة من عادات وتقاليد ثقافية وتربية.

بنيتي كرامة الزوجة من كرامة الزوج، فأنت ما زلت صغيرة السن وحديثة الزواج والمسؤولية الزوجية، وينبغي عليك أن تتعلمي ما لك وما عليك من حقوق وواجبات تجاه زوجك وبيتك، والله خلق الله الزوجة من نَفس الزوج لتكون الملاذ الآمن له والصدر الحنون الذي يلجأ اليه في لحظات الضعف، وسبحان من جعل بين الزوجين هذا التجاذب والتآلف! ولكن مع هذا كله؛ فإن هذه العلاقة تبدأ بالفتور والملل نتيجة تعرضها لضغوطات الحياة والمسؤولية الواقعة على كلا الزوجين، وهذه هي سُنة وطبيعة الحياة، ولكن طريقة التعاطي مع هذه المشاكل قد تكون هي المشكلة، وهذا ما حصل معك.

وهذه بعض أسباب الخلافات الزوجية في السنوات الأولى، وقد تفيدك في تحديد أسباب الاختلاف بينك وبين زوجك، وتصبح الصورة أوضح لك بنيتي:
- عدم الانسجام والإشباع في العلاقة الجنسية؛ بسبب قلة الوعي، أو بسبب المفاهيم الخاطئة، أو الخجل الزائد.

- مشاكل بسبب تنظيم ميزانية البيت.

- مشاكل تتعلق بطهي الطعام.

- الزوج قد يكون انطوائيًا ولا يحب الحياة الاجتماعية، أو العكس.

- العصبية الزائدة والغضب السريع.

- العادات المكتسبة والمفهوم الخاطئ لحقوق الزوج أو الزوجة.

- عدم الرضى والقناعة بما قسم الله لهما، وغياب مفهموم التسامح والصبر.

وأما بالنسبة لمشكلتك؛ فإن نصيحتي لك -أيتها الابنة العزيزة- في نقاط واضحة، وأرجو أن تعملي بها من أجل استكمال مشروع العمر مع زوجك وشريك عمرك:
- أن ترضي بما قسم الله لك، وتشكري نعمته بما أنعم عليك من نعم: زوج خلوق وملتزم، وحمل مبارك، جعله الله قرة عين والديه.

- أتمنى منك -بنيتي- أن تجلسي مع نفسك جلسة مصارحة، وأن تسألي ماذا صدر منك، وماذا حصل من تصرف أو سلوك أدى إلى نفور زوجك منك بهذه الصورة، هل تمت العلاقة الزوجية بطريقة طبيعية، أم حصل أمر ما أدى إلى التقليل من شأنه؛ مما أثر عليه أو انتقص من رجولته؟!

- استعيني بالله واستعيذي من الشيطان اللعين ومن خبثه، ولا تخسري زوجك الذي اختارك أنت دون كل الفتيات.

- تعلمي فن الإنصات؛ وهذا يساعدك على فهم شخصية زوجك، وخاصة عندما يتحدث إليك، لا تتسارعي في الرد، بل أشعريه أنه على حق، وأنك تحترمين رأيه، ثم بيني وجهة نظرك بطريقة ذكية، ولا تستخدمي أسلوب المحارب المنتصر.

- عَودي نفسك على مدح زوجك، وتكلمي فيما يسره، وناده بأحب الكلمات إليه، وتعلمي التسامح والعفو مع زوجك، ولا تنسي أنكما جسدان في روح واحدة، وتعيشان في سفينة الحياة الزوجية ومعًا نحو بر الأمان، فهذه السنوات الأولى من الزواج هي من أجمل اللحظات لكما، فاستمتعا معًا دون غمٍ وهم.

- انظري إلى محاسن زوجك وعظميها؛ حتى تتحقق معاني المودة والرحمة بينكما، وتذكري وصية رسولنا الأكرم في حديثه الشريف حيث قال: "لا يكره مؤمن مؤمنة؛ إن كره منها خلقًا رضي منها آخر"، وكذلك المرأة عليها التركيز على السمات الإيجابية في شخصية زوجها.

- حسني علاقتك مع أهل زوجك، وساعديه على برّهم، ولا تكوني سببًا مباشرًا في قطع صلة الرحم؛ فهذا من العقوق في العلاقات الزوجية، تقربوا منهم، وتوددي إليهم بالكلمة الطيبة؛ فهذه من أخلاق المسلمين مع الناس عامة، فما بالك مع أهل الزوج؟! فالزوجة التي تحب زوجها تُكرم أهله إكرامًا له، وعليك أن تبدي احترامك لزوجك أمام أهله، وتحاولي زرع المحبة؛ وهذا كله سوف تحصدين نتائجه في علاقتك مع زوجك؛ مما يزيد من رصيدك في قلب زوجك، فيحبك، ويزيد من قدرك ومكانتك أكثر وأكثر.

- بالطبع لا تطلبي الطلاق ولا تفكري به، وكوني صبورة وحكيمة، ولا تستمعي إلى وسوسة الشيطان؛ إنه للإنسان عدوًا، ويتربص في حياة المتزوجين، ويسعد عند حصول الطلاق، فلا تكوني له عونًا.

- نمي قدراتك، واقرئي كل المواضيع التي تنور ذهنك وتزيد من وعيك، وركزي على المواضيع التي تتكلم عن الحقوق والواجبات الزوجية، واعتني بتنمية ثقتك بنفسك، واعلمي أن المسلمين أعزة عند ربهم، والمسلم القوي خير من المسلم الضعيف، فكوني امرأة وزوجة وأمًا مميزة ومتميزة في بيتها وفي علاقتها بزوجها وفي تربيتها لأبنائها، كوني المرأة النموذج في المجتمع الإسلامي.

- حافظي على الطاعات من صلاة وصوم وتلاوة للقرآن الكريم؛ فهذه الأمور ورضى الله علينا يساعدنا على تخطي تحديات وصعوبات الحياة.

أسأل الله أن يرزقكما السعادة، ويصرف عنكما الشر يا نورة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات