الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زادت أمراضي العضوية والنفسية، وأرجو منكم النصح والمشورة.

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة عمري 17 سنة، منذ صغري أعاني من العقد النفسية، -والحمد لله- على كل حال أتخلص من واحدة وتأتي أخرى، الآن بعد سنوات الضياع قررت الالتزام وتخلصت من أغلب المعاصي، لا أنكر أنه ما زالت هناك هفوات، وما زلت أجاهد نفسي؛ لكن هناك هفوة كبيرة مصيبة بل كارثة، هي بر الوالدين.

باختصار لا أعلم كيف أبر والدي، ولا أعلم ماذا تعني كلمة بر أصلا، قسما بالله حتى أنني قبل أسبوعين قررت الانتقال من تأنيب الضمير والندم، وكره الفعل إلى تغيير تصرفاتي كلية مع والدي، المشكلة أن الطبع يغلب التطبع، فقد اعتدت على التحدث مع والدي بصوت مرتفع وبلا احترام، لا لعمرهما أو مكانتهما رغم أنهما حنونان معي للغاية.

نجحت في تقليل هذه الأمور بشكل كبير لمدة أسبوع؛ غير أنني مصابة بالوسواس في الصلاة والطهارة، وأمي قد لاحظت الأمر تزامنا مع محاولتي لتغيير نفسي معها ومع أبي، وأمي مثلي تماما بالنسبة لها التعبير عن المحبة ليس بالمعانقة، أو التقبيل او الكلام الطيب، بل النصح والكلام القاسي للغاية، فبدأت تكلمني بطريقة قاسية، ولا ألومها، فما أصبحت أفعله كفعل المجانين تماما.

في أحد الأيام ضغطت علي أمي كثيرا بالسب، ولم أتحمل ذلك، فأصابتني نوبة عصبية وأصبحت أصرخ بلا وعي! لا تقولوا لي زوري معالجا نفسيا، فأنا أصلا كثيرة المرض، ومع الوساوس زاد الأمر، وأعلم أن الأمر سيزيد من احتقار نفسي، ولو سمحتم لا تحيلوني على فتاوى أخرى.

أعطوني الحل، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -عزيزتي- نشكر ثقتك بنا.

مَنْ مِنَّا ليس لديه مشاكل نفسية قد تعود إلى طفولته، ومَنْ مِنَّا ليس لديه معاص، نسأل الله المغفرة والستر، ولكن الحكمة هي بعزم الشخص على التخلص من تلك المعاصي والتوبة منها، وأيضاً حل المشكلات النفسية التي لديه، وهذا تماماً ما لمستُه لديك، فأنا معجبة بتلك الإرادة والوعي لديك، وأدعو الله أن يقويك على فعل ما يحبه ويرضاه.

- ما فهمتُه من رسالتك، وخاصة مثل هذه الجمل (تخلصت من أغلب المعاصي -الحمد لله- نجحت في تقليل هذه الأمور بشكل كبير لمدة أسبوع)، يجعلني أراك أنك مدركة تماماً لمشكلتك في تعاملك مع والديك، وأنك أخذت قراراً بالتغيير من نفسك وتحسين أسلوبك، وبدأت بذلك فعلاً ونجحتِ به لفترة ثم رجعت إلى عادتك، ممّا سبب تذمرك من نفسك، فأنت قد عزمت على التغيير ولم تعد تُرضيك نفسك بتصرفاتها الحالية مع والديكِ.

- ولكن دعينا هنا نتفق على نقطة هامة وهي:

هل تغيير الإنسان من نفسه وعيوبه هو شيء سهل أم صعب؟

برأيي بالطبع هو شيء صعب إنْ لم يترافق بالصبر والإصرار وطول البال على النفس، لذا ما أتمناه منك أن ترأفي بنفسك قليلاً وتصبري عليها، فطريق التغيير قد يطول بعض الشيء، ولكن ذكّري نفسك دائماً أنكِ قطعت القسم الأصعب منه، وهو إدراكك لخطئك، واتخاذك لقرار التغيير مع بدئك بالالتزام به ونجاحك بذلك، وبقي عليك فقط الاستمرار والصبر وتعزيز نفسك أثناء رحلة التغيير.

- وأريدك أن تعرفي أيضاً أنّ تراجعك بعد تحسنك هو شيء طبيعي جداً، فالانتكاسة هي أمر معتاد أثناء عملية التغيير والتعافي من عيوبنا النفسية، لذا كل ما عليك القيام به لتجاوز أي انتكاسة قد تواجهك لاحقاً هو:

* بحثك إن كانت هناك أي أسباب قد دفعتك للانتكاسة، وعملك على إزالتها بهدف التقليل من أي انتكاسة لاحقة.

* ملاحظتكِ إن كانت هناك أي عوامل قد لعبت دوراً ايجابياً في ثباتك على التغيير لمدة أسبوع كامل، فمعرفتك لها سيجعلك تزيدين منها، وهذا يعني استمرار في التغيير لفترة أطول.

* تعزيز نفسك، ومدحها على أي تطور قد صدر منك فيما يتعلق بتعاملك مع والديك خلال تلك الفترة.

- استوقفتني جملة (لا أعلم ماذا تعني كلمة بر أصلاً)، فالآن هو دورك للتزود بمعاني هذا المصطلح، فلا يوجد التغيير إن لم يكن الإنسان على دراية كاملة بالسمة التي يريد تغييرها بنفسه، والسمة التي يسعى إلى اكتسابها بكافة جوانبها وتفاصيلها.

لذا هوّني على نفسك قليلاً، ودعينا نتفق أنك الآن ببداية جديدة في حياتك، بمرحلة اكتساب سلوك جديد عليكِ، وهذه المرحلة تحتاج إلى الوقت ومجاهدة النفس، قد تنجحين أحياناً وقد تخفقين أحياناً أخرى، فهذا شيء طبيعي، ولكن مع صبرك ستنجحين بالاستمرار بالمحاولة إلى أن تصبح سمة لديك.

- إصابتك بوسواس قهري معناه أن لديك قلقا شديدا بداخلك، وأنك لا تُخرجينه بشكل صحيح، وهذا القلق هو الذي يدفع بصاحبه للقيام بأفعال قهرية، وتلك الأفعال تشعره بالراحة المؤقتة، التي سُرعان ما تزول بسبب وجود القلق لدى صاحبه، وبالتالي يدفعه من جديد للقيام بتلك الأفعال مرة أخرى، علاج الوسواس فعال جداً من خلال نوع من أنواع العلاجات النفسية، وهو العلاج المعرفي السلوكي (أرى من الأفضل أن تبدئي فعلا بمعالجة الوسواس لديك، ولكنك لا تريدين أن نقترح عليك الذهاب الى معالج، لذا أقترح عليك جلسات نفسية أونلاين، وهذه الخدمة اصبحت متوفرة بكثرة في الإنترنت، ولدى مختصين نفسيين ممارسين وثقة، وخاصة أن هذا العلاج يركز على التغيير من الأفكار الداخلية السلبية، وإبدالها بأخرى إيجابية، وهذه نقطة هامة فأفكارنا السلبية هي التي تحرك قلقنا الداخلي، وبإمكانك أيضا القراءة في الإنترنت حول أساليب التفريغ عن القلق والتوتر).

ولكن بلا شك إن القلق الذي لديكِ (إن لم يتم تحكمك به) سيُزيد من مشكلة تعاملك الخاطئ مع والديك، فالتوتر والقلق الذي بداخلنا من أكثر مُسبّبات سوء تعاملنا مع أنفسنا والآخرين من حولنا.

- لقد ذكرت أن والديك بغاية الحنان معك، وهذا شيء لصالحك، سيُسهل عليك عملية التغيير من نفسك.

- جملة الطبع يغلب التطبع، قد أتفق فيها معك، فهي قد تحدث لا شعورياً، ولكن التغيير المقصود والمُخطط له من صاحبه سيترافق مع تدريب مستمر، وتقييم ذاتي، ومراقبة الشخص لأفكاره، وأيضاً تعزيز أي تصرف إيجابي يصدر من صاحبه، كل هذا سيجعل التطبع يغلب الطبع في النهاية.

اقتراحاتي العلاجية لك:

- اجلسي مع نفسك واكتبي قائمة بتصرفات الفتاة مع والديها التي تندرج تحت اسم البر والإحسان: (صوت منخفض/السؤال عن أحوالهم/ مساعدتهم في أمر ما/ القيام بشيء يحبونه ويسعدهم/ تجنب شيء يكرهونه/ التلفظ معهم بكلمات حب وتقدير/ الاهتمام بهم بأية طريقة يفضلونها)، ومن ثم اختاري صفة واحدة أو تصرف واحد ترينه الأسهل بالنسبة لك، وابدئي بالقيام به لفترة من الوقت إلى أن يصبح جزءً من سلوكياتك، وبعد فترة اختاري تصرفا آخرا، وهكذا، أي التدريج في اكتسابنا للعادات الجديدة نقطة هامة جدا في نجاحنا بذلك.

- خلال فترة التغيير عززي نفسك دائما عندما تلاحظين أية تطور عليها، ولا تركزي أبدا على الجانب السلبي بتصرفاتك، بل دائما انظري أنك متقدمة بخطوة عما كنت عليه في السابق.

- قيامك بتصوير نفسك فيديو أو صوت (أثناء تعاملك مع والديك)، بهدف مراقبة تصرفاتك وانتباهك على تفاصيل قد تكون غافلة عنك سابقآ.

- أنت تحتاجين إلى شخص داعم لك خلال رحلة التغيير الخاصة بك، إن لم يتوفر ذلك الشخص من المقربين منك، نحن جاهزون لدعمك في أي وقت ترغبين بمراسلتنا.

- بإمكانك التقرب من أهلك وبرهم وكسب قلوبهم، من خلال قيامك بأشياء بسيطة تدخل السعادة إلى قلبهم، فقط فكري مع نفسك بتلك الأشياء، واكتبيها على ورقة لتبادري بها عندما ترغبين.

- من المفيد جداً أن تقرئي عن كتب الذكاء العاطفي، أو تحضري فيديوهات عنه في اليوتيوب، فهذا العلم يخص إدراك الشخص لمشاعره الداخلية المختلفة، مع تدريب الإنسان لنفسه حول كيفية تحكمه بها والتعبير عنها بشكل صحيح، ووجود والدتك أمامك هو أكبر محفز لكِ، فهي -كما ذكرتِ- أنها من نمط الشخصية الذي لا يعبر عن عواطفه بشكل صحيح، لذا تخيلي نفسك دائماً انك قد كبرت وتزوجتِ، وأصبح لديكِ أسرتك الصغيرة من زوج وأولاد، هل تريدين كبت مشاعرك نحوهم، وأن لا يشعرون بمحبتك لهم، أم ترغبين بإيصال مشاعرك لهم بكل بساطة ووضوح، وأن يسود الحب والسعادة جو أسرتكِ.

ختاماً: أتمنى أن أكون قد أفدتكِ بإجابتي، ولا تترددي في معاودة مراسلتنا مجددا عندما ترغبين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً