الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف الأخ من العلاقة القائمة بين أخته وشاب

السؤال

شيخي الفاضل! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌ عمري 19 سنة، أعيش مع أختيَّ (16 و18 سنة)، ونعيش وحدنا هنا بالغربة، وأنا مسئول عن أختيّ.
سأشرح لك مشكلتي باختصار.
أختاي هاتان أعطيهما ثقةً عمياء؛ لأنهما قد مراً بعدة مشاكل: حب وغرام في الماضي كانتا تخفيانه عن أهلي، لكنهما ندمتا، ووعدتاني أن تخبراني بكل شيء، وهذا كان قبل سنتين، ومن وقتها لم أجد عليهن شيئاً، ولا حظت كبرهن ونضجهن، وأنا أكرر أني أعطيتهن ثقةً عمياء؛ لأني أريدهن أن يحصلن على فرصة ثانية، ولأني ليس لدي وقت لتفقد حياتهن، فلا يسعني إلا أن أثق بهن ونصحهن من وقت لآخر وأن أحكم ضميرهن.

اليوم فقط وجدت رسالة على جهاز الكمبيوتر لأختي الكبرى (18) وكانت من شاب، فسألتها بعد ذلك فاعترفت لي أنها تحبه وأنه يحبها بشغف، (رغم أنه والله رأيت كل رسائله، وكلها: "أحبك أحبك أحبك" وكلام الغرام هذا)، أنا صعقت بصراحة؛ لأنها خانت ثقتي، وأخبرتها أنه عيب عليها أن تخون ثقتي العمياء بها، وأن تخبئ موضوعاً كهذا عن أهلها، فأجهشت بالبكاء وقالت بأنها تحبه، وأنه سيخطبها بعد سنتين، علماً بأني أعرف الشاب، وهو صديق قديم لي من أيام سكني في السعودية، إلا أننا لا نتحدث مطلقاً الآن، ولا أعرف أخلاق الشاب إلا أنه بعمرها ويدرس الصيدلة في دولة عربية، كما أن أهله أصدقاءٌ لأهلي، وأختي كانت على علاقة حب به قبل أربع سنين ثم انقطعت، وأعادا الاتصال ببعض حين التقيا هذا الصيف، أي: قبل أربعة أشهر، والآن لا يتواصلان إلا بالإيميل والهاتف.

شيخي الفاضل! أنا لا أدري كيف أتصرف؟ فقد كنت في الماضي أضربها في مواضيع بهذه الحساسية، إلا أني أقسمت منذ سنتين على أن لا ألمسها، ووعدتها بذلك؛ لأني أؤمن بأن الضرب لا يجدي معها، وأحس أني أظلمها بفعل ذلك، وخصوصاً أنها الآن في السنة الثانية بالجامعة، وصبية تدخل التاسعة عشرة تقريباً.

أحتاج لمساعدتك شيخي الفاضل، وأن تخبرني كيف أتصرف معها وفقاً للشرع؟ وما هو أسلوب التعامل مع الشاب؟
عندما قلت لها بأنها خانت ثقتي فيها قالت بأنها حاولت أن تخبرني لكن الموقف لم يكن مشجعاً فخافت.

أنا أكثر شيء يقلقني هو محادثات الهاتف بينهما؛ لأني أعرف بما قد توصل، لكن أختي بشكل عام يبدو من المستحيل أن ترضى بتركه، وأنا لا أريد إجبارها، بل إقناعها، وهل من المجدي أن أفكر بأن هذه العلاقة ربما تكون لخير وتنتهي بزواجهما مثلاً لو افترضنا أن الشاب مهذب وعلى خلق عال؟
وهل أسمح لها بالاستمرار بينما أكون أنا المراقب لما يدور بينهما؟

والله يا شيخ! لدي امتحان ولم أستطع أفتح الكتاب حتى أبعث لك بهذه الرسالة، فأرجوك أن تساعدني بأسرع وقت ممكن، وجزاك الله ألف خير، ودُمت بأمان الله.

ملاحظة: إذا أردتم نشر الرسالة فلا تترددوا علها تفيد الآخرين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الابن الفاضل/ رامي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله أن يصلح الأحوال ويبارك في الآجال، وأن يرزقنا طاعة صاحب العظمة والجلال، وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

فإن الثقة العمياء لا تنفع في زمان الفتن والبلاء، واعلم أن المؤمن لا يلدغ من الجحر الواحد مرتين، وثق بأن الاعتذارات المتكررة لا توصد الباب في وجه خطأ جديد، فاحرص على تصحيح الوضع إذا كان الشاب مناسباً، أو قطعها إن كان غير ذلك، وإنما يكون التصحيح بإعلان هذه العلاقة، ووضعها في أطرها الشرعية، بأن يتقدم الفتى رسمياً لطلب يد هذه الشقيقة، وسوف يظهر صدق الشاب وجديته، وسوف تتمكنون من الوقوف على أخباره وأحواله وقدرته على تحمل مسئولية بناء أسرة.

ومن حرص الشريعة على صيانة الأعراض ورعايتها للحرمات أنها لا تعترف ولا تقبل بالاتصالات والعلاقات الخفية، وقد دفع كثير من الشباب والفتيات ثمناً باهظاً لمخالفتهم لآداب هذا الدين، وعاشوا ألواناً من التعاسة والشقاء، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].

اعلم بأن هذا الشاب مهما كانت معرفتك به ومعرفتكم بأسرته إلا أنه يظل أجنبياً عن أختك، وأنت الآن تجهل أحواله ولا تعرف هل يريد أن يلعب بهذه الفتاة ثم يتركها مستقبلاً؟ وهل أهله سوف يوافقون على هذا الرباط؟ وربما يكون قد جهزوا له فتاة أخرى، بل ربما كان من النوع الذي يصادق في كل يومٍ فتاة، ونحن عندما نذكر هذه الاحتمالات نريد أن ننبه إلى ضرورة أخذ الحيطة والحذر.

نحن لا نؤيد ضربك لها، ولكن من الضروري إقناعها بترك هذا الطريق، وتذكيرها بالله وتخويفها من التعلق بالسراب، وأرجو أن تدير معها حواراً هادئاً حتى تقنعها بأن هذه مخالفة لآداب الدين وأحكامه، واقترح عليها الاتصال بهذا الشاب لإقناعه بضرورة تصحيح الوضع أو التوقف عن الاتصال والمراسلة؛ لأن المسلم إذا وجد في نفسه ميلاً إلى الفتاة، فإنه يطرق باب أهلها ويطلب يدها رسمياً، ولا مانع بعد ذلك من رؤيتها أو محاورتها في حضور محارمها، وفي ذلك مصلحة للجميع، فإن الرجل إذا أخذ الفتاة من أهلها عرف مكانتها عندهم فيحترمها مستقبلاً؛ لأنها فتاة عفيفة، بخلاف الفتاة التي تجري خلف الرجل فإنه يحتقرها ويشك فيها وربما أسمعها ما تكره، ولا شك أن العواطف الكاذبة والمجاملات الخادعة تؤثر على السعادة الزوجية وتصيبها بالشلل التام مستقبلاً، وهكذا كل حياة يبدؤها صاحبها بالمخالفات الشرعية.

لا مانع من أن تتولى أنت بنفسك الاتصال بذلك الشاب في حضور أختك، وتذكره بالعلاقات السابقة، وتخبره بأنك لا تمانع في أن ترتبط أختك بأمثاله، ولكنك تطالبه بأن يثبت جديته في الأمر بأن يجعل علاقته رسمية ومعلنة؛ لأن في ذلك مصلحة للطرفين، وعند ذلك سيعرف هذا الشاب أن لهذه الفتاة أهلاً، فإن كان طالب خير فإنه سيتقدم ويزيد من احترامه لشقيقتك، وإلا فإنه سيهرب، ونسأل الله أن يبعد عنكم الشر وأهله.

أما بالنسبة لأخواتك فلابد من المتابعة لأحوالهن، فإن المرأة تخدع بسرعة (والغواني يغرهن الثناء)، وأحسن الشاعر حين قال:

ومن رعى غنماً في أرض مسبعةٍ *** ونام عنها تولى رعيها الأسد

وإنما تعدو الذئاب على من لا كلاب له، فاحرص على صيانة عرضك، وأحسن معاملة أخواتك، واتق الله في نفسك، فإن صيانة أعراضنا تبدأ من محافظتنا على أعراض وحرمات الآخرين.

لا بأس بمنح الثقة؛ بشرط أن تكون مصحوبة بالحذر واليقظة والتذكير المستمر بالله، وأرجو أن تحافظ الأخوات على حجابهن وسترهن، فإن في ذلك طاعة لله وخيراً وحماية، قال تعالى: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) [الأحزاب:59].

نحن نشكر لك غيرتك، ونثني على حرصك، ونسأل الله أن يوفقك ويسدد خطاك، وأن يحفظ أعراضنا وأعراضكم، وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا.

والله ولي الهداية والتوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • المغرب nizar

    merci pour les idees

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً